لقد وصلت الحرب الأهلية السورية إلى أبواب إسرائيل حاملة معها معضلة ملحّة ومباشرة هى: ما هو الأفضل بالنسبة إلينا، بقاء الأسد الذى نعرفه، حليف إيران وحزب الله، أم مجىء حكم جديد يتخلص من طاغية دمشق لكن سيحمل معه المجهول؟ ● منذ أشهر طويلة تتخبط إسرائيل فى مواجهة هذه المسألة تحديدا، وقد وصلت
أصداء تخبّطها إلى الصحف العالمية. وفى الخلاصة، فإن الجواب الذى قد لا يكون أخلاقيا على المستوى السياسى، هو أن إسرائيل تفضّل، على الرغم من كل شيء، الشر الذى تعرفه على الشر الذى تجهله.
● وكان يمكن أمس رؤية الدليل على هذا الموقف بصورة مصغرة من خلال النقاش الداخلى الإسرائيلى، وذلك بعد أن تبيّن أن الثوار استولوا على بلدة القنيطرة الحدودية. صحيح أن القضية هى قضية سورية داخلية، لكنها عمليا تشكل مشكلة بالنسبة إلى إسرائيل. ففى أعقاب انتشار الخبر جرى مباشرة إغلاق معبر القنيطرة، وتوقف نشاط المراقبين الدوليين هناك وبات من جديد موضع تساؤل، والأسوأ من هذا كله عدم معرفة ما هو مكنون فى الجانب الآخر من السياج الحدودى، هل هو فى مصلحتنا أم ضدنا؟
● فما دام الجيش السورى مسيطرا هناك، ما دامت الأمور واضحة، إذ إن هناك جهة مسئولة، ويوجد عنوان يمكننا التوجه إليه بالشكوى. وفى حال لم ينفع هذا، فإن هناك طرفا يمكن أن نطلق فى اتجاهه النار، وأن نرسل إليه بالتلميحات. أمّا بالنسبة إلى الثوار، فإننا لا نعلم ماذا يؤيدون، ولا ما هى سياستهم حيالنا، وهل سيقومون بتسخين السياج وإطلاق النار على المزارعين أم أنهم يريدون السلام؟ وهل يوجد بين صفوفهم أنصار القاعدة الذين سيحاولون شنّ حرب جهادية؟
● فى ساعات الصباح المتأخرة، نحيّت جميع هذه الأسئلة جانبا بعد أن اتضح أن الجيش السورى سيطر مجددا على الجيب. ولكن بوادر التطورات التى برزت أمس على الحدود يجب أن تسرّع النقاشات فى إسرائيل بشأن ما يجب فعله لو أن احتلال الثوار للقنيطرة لم يستمر بضع ساعات فقط وإنما أياما وأسابيع، أو ربما أكثر.
● وفى الوقت الذى كانت إسرائيل منشغلة بما يجرى فى الجولان، استطاع الأسد أن يحقق إنجازا مهما على الجبهة الأساسية التى يخوض فيها المعارك فى قلب سوريا، وذلك من خلال سيطرته على القصير. وممّا لا شك فيه أن هذا النصر يعطى قوة دفع لمساعى الأسد من أجل إخضاع الثوار، لكن لهذا النصر أوجها أُخرى، فقد أثار تزايد تدخل حزب الله فى القتال فى سوريا إلى أن بلغ ذروته فى القصير انتقادات غير مسبوقة فى العالم العربى.
● تتابع إسرائيل عن كثب هذه المعمعة وتأمل بأن يستمر انشغال الأطراف بها من دون أن يقلقنا ذلك. وحتى الآن تكفى اليقظة العملانية والمتابعة الاستخباراتية، لكن وتيرة التطورات التى تحدث فى الشمال، واحتمالات
التهديد التى تنطوى عليها، قد تجبر إسرائيل على أن تحسم أمرها فى وقت قريب.