تشهد الفترة الأخيرة احتداما فى النقاش بشأن ما إذا كان استمرار بقاء حكم الأسد فى سوريا أفضل بالنسبة إلى إسرائيل أم سقوطه. وهناك أطراف داخل إسرائيل والغرب ما زالت تلحّ على ضرورة العمل بصورة فاعلة من أجل التعجيل بسقوط النظام فى سوريا. وفى هذا الوقت لا تزال الحرب الأهلية فى سوريا مستمرة، وإذا كان الرأى العام الإسرائيلى فى البداية متعاطفا مع الثوار الذين يحاربون نظام بشار الأسد الاستبدادى، فإنه الآن، ومع استمرار الحرب الأهلية، قد ازداد اقتناعه بأن المواجهة الدائرة معقدة جدا، بحيث يبدو من الصعب تحديد مَن هم «الأشرار» ومَن هم «الطيبون». وبين الحجج الأساسية التى تُستخدم للحثّ على إنهاء حكم الأسد، تلك المتعلقة بانتماء هذا النظام إلى محور الشر الراديكالى. وفى الواقع، فإن سوريا تُعتبر ركنا مهما فى محور إيران سوريا حزب الله، الذى هدفه مقاومة إسرائيل والغرب. كما تعمل إيران وسوريا على تسليح حزب الله بالأسلحة المتطورة،
بما فى ذلك الصواريخ الدقيقة البعيدة المدى، ومنظومات الدفاع الجوى، وصواريخ بر بحر المتطورة، وهذه أسلحة من شأنها أن تلحق الضرر بالتوازن الاستراتيجى الهش فى المنطقة. وقد تجد إسرائيل نفسها فى مواجهة صعبة مع حزب الله، سواء بسبب حدوث تطورات محلية على الجبهة الشمالية لإسرائيل، أو بسبب عملية عسكرية إسرائيلية أو أمريكية ضد إيران. ففى مثل هذه المواجهة قد تدخل إسرائيل فى مواجهة مع قدرات متطورة ربما تُلحق الضرر بجبهتها الداخلية، وتحدّ من قدرة الجيش الإسرائيلى على التحرك بصورة فاعلة. لذا، فى رأى المؤيدين لإسقاط الأسد، فإن سقوط النظام سيقطع محور الشر، وسيُلحق ضررا بالغا بالحلف الراديكالى، وسيؤدى إلى «تجفيف مصادر تسليح حزب الله». صحيح أن كل ضربة توجَّه إلى المحور الراديكالى تشكل هدفا مهما ومطلوبا، إلاّ أن مثل تلك الخطوة قد ينطوى على مخاطر، الأمر الذى يفرض علينا بالتالى درس البدائل. فالأكيد أن سقوط الأسد سيؤدى إلى فوضى عارمة فى سوريا، وليس سرا وجود قوى بين الثوار تنتمى إلى الجهاد الإسلامى والقاعدة. وقد تتحول سوريا ما بعد الأسد إلى دولة منقسمة على نفسها وغير مستقرة، وهو ما سيساعد فى تزايد أعداد الأطراف الإسلامية الراديكالية التى ستبدأ بتوجيه نشاطها ضد إسرائيل. وفى إمكاننا أن نجد نموذجا لذلك عبر ما يحدث فى هذه الأيام فى شبه جزيرة سيناء، إذ أدى ضعف السلطة المركزية فى مصر إلى نمو الإرهاب، وإلى مجىء العناصر الإرهابية الإسلامية إلى سيناء. وما يمكن قوله
هو أن تحوّل الحدود الإسرائيلية السورية إلى حدود يسيطر عليها الإرهاب من شأنه أن يشكل خطرا كبيرا جدا على إسرائيل التى قد تجد صعوبة فى فرض الهدوء والردع الفاعل فى ظل عدم وجود عنوان أساسى.
ليس من الواضح كيف ستنتهى الحرب الأهلية فى سوريا، لكن على إسرائيل ألاّ تضغط فى اتجاه إنهائها، لأن بقاء نظام يتمتع بميزات لا نستطيع المجازفة بخسارتها هو ضمانه للمحافظة على نوع معين من الردع. وممّا لا شك فيه أن الأسد يدرك جيدا أن السماح بالنشاط الإرهابى ضد إسرائيل فى هضبة الجولان سيجعله يدفع جرّاءه ثمنا مؤلما، إذ إن سوريا الأسد تملك منشآت كثيرة مهمة يمكن ضربها دون تعريض استقرار النظام السورى لخطر كبير. ومن هنا يمكن القول إن هامش المناورة بالنسبة إلى إسرائيل لا يستهان به. وهذا ما لمّح إليه رئيس الحكومة عندما قال إن إسرائيل ستواصل مهاجمة انتقال السلاح إلى حزب الله.
إن المحافظة على النسيج الحساس القائم حاليا فى سوريا حيث يوجد عنوان واضح، هو مصلحة إسرائيلية عليا. وممّا لا شك فيه أن إدخال الإسلام المتشدد إلى سوريا من الباب الرئيسى قد يكون خطأ استراتيجيا من الطراز الأول.