علي مدي نحو أربعين دقيقية دار سجال بين وزير الداخلية الإيراني، مصطفي محمد نجار، ووفد من 23 صحفيا مصريا في مقر الوزارة بالعاصمة طهران أمس. سريعا، وبعد الترحيب بالوفد المصري، بدأ الوزير حديثه مستعينا بورقة، قائلا إن «الغرب يصف ما حدث في الدول العربية بأنه ربيع عربي؛ من أجل إبعاد الأمر عن الإسلام، لكنها صحوات إسلامية قام فيها المسلمون بدور كبير».
مستنكرا الحديث المتكرر علي لسان المسئولين الإيرانيين عن فكرة «الصحوة الإسلامية»، رد أحد الصحفيين المصريين علي الوزير، ممهدا لنسف هذه الفكرة بالإعراب عن احترامه لوجهة النظر الإيرانية في الثورات العربية.
قبل أن يضيف بحزم أن «ثورة 25 يناير (2011) لم تكن صحوة إسلامية؛ بل ثورة اشترك فيها مسلمون ومسيحيون وقادتها تيارات ليبرالية وإسلامية، ولا يوجد في الشارع المصري من يصف الثورة بأنها صحوة إسلامية».
ما رد عليه «نجار»، عبر مترجم من «جامعة الإمام علي، بأن «الثورة الإسلامية (عام 1979) شارك فيها أيضا ليبراليون وكافة الطوائف والأقليات، لكنها تبقي ثورة إسلامية، وبالمثل فإن مشاركة الجميع في الثورة المصرية لا ينفي كونها صحوة إسلامية».
عندها تطرق وزير الداخلية الإيراني إلي الفترة التي تولي فيها «المجلس العسكري» السلطة إثر تنحي الرئيس السابق، حسني مبارك، متهما المجلس بأنه «تسلط علي الشعب المصري وعلي الحكم، وكان يتلقي أوامر من سياسيين تابعين للنظام السابق، غير أنه في الموجة الثانية من الثورة لاحظنا أن الشعب المصري قال نحن الشعب المسلم الذي قام بالثورة».
وهو ما استفز صحفي مصري آخر، فشدد علي أن «الجيش المصري جيش وطني حمي الثورة ولم يسيطر عليها». وهنا فاجأ «نجار» الوفد المصري برد لم يخرج عن نظرته لثورة يناير كصحوة إسلامية، بقوله: «أعرف أن في الجيش المصري الكثير من المؤمنين».
ومحاولا تلطيف أجواء اللقاء الذي حضرته وسائل إعلام إيرانية، أعرب الوزير عن ثقته في أن «الشعب المصري لن يقبل بمجرد تغيير بسيط أمام أنظار العالم بينما يبقي الحال علي ما كان عليه قبل الثورة.. المصريون سيستكملون ثورتهم، ولن يقبلوا بديكتاتور جديد بعد أن أسقطوا الديكتاتور مبارك».
لكنها محاولة باءت بالفشل، إذ اعتبرها زميل ثالث بعبارة مبطنة «تدخلا في الشئون الداخلية المصرية»، استنكره بدبلوماسية، قائلا: «مع احترامي لرأيكم، فإن الشعب والمسئولين المصريين هم وحدهم من يحق لهم التحدث عما يريده المصريون».
عندها يبدو أن وزير «الداخلية» الإيراني تذكر أنه لم يتحدث سوي في الشئون «الخارجية»، رغم أن اللقاء هدفه أساسا هو الحديث عن الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي تجري يوم الجمعة 14 يونيو الجاري بين ثمانية مرشحين.
فتحدث «نجار» طويلا عن مدي عراقة وتطور التجربة الانتخابية في بلاده، متباهيا بأنهم سيبدأون في الاستعانة بالاقتراع الإلكتروني في بعض دوائر طهران، معربا عن أمله في تبادل الخبرات الانتخابية بين الجمهورية الإسلامية ومصر، كي يستفيد الشعب المصري من التجربة الإيرانية.
وحتي بهذا الحديث، أثار الوزير الإيراني أحد الزملاء، فرد قائلا إن «مصر لديها تجربة انتخابية عريقة تعود إلي عام 1886، ومنذ هذا العام شهدت بلادنا العديد من الانتخابات الحرة والنزيهة، حتي أن رئيس وزراء، وهو إبراهيم عبدالهادي، خسر في أحد الانتخابات». وهنا انتقل الوفد المصري من الدفاع إلي هجوم دبلوماسي عبر حزمة أسئلة تعتبر في مجملها أن التجربة الإيرانية يشوبها الكثير، وأن العملية الانتخابية لا تضمن مشاركة كافة التيارات في الانتخابات، حيث استبعد «مجلس صيانة الدستور» كل من يري فيه القائد (الإمام خامنئي) خطرا علي النظام، فتقلص عدد المرشحين من أكثر من 680 إلي ثمانية فقط لا خطر إذا صار أيا منهم خليفة لمحمود أحمدي نجاد.
من موقع الدفاع، وللمرة الأولي، أجاب الوزير الإيراني بأن «الانتخابات الإيرانية حرة، والكل ممثل فيها»، معتبرا أن «المصريين يتعرضون لقصف إعلامي إسرائيلي». ومع ارتفاع سخونة اللقاء، دون أي خروج عن الاحترام والابتسامات، أعرب «نجار» عن سعادته بالتعاون بين طهران والقاهرة بعد ثورة يناير، معتبرا في الوقت نفسه أن هذا التعاون «أقل من قدرات البلدين».
وبينما استعد الوفد الصحفي المصري بموجة جديدة من الأسئلة، استأذن وزير الداخلية الإيراني في الانصراف؛ لوجود ارتباطات أخري، طالبا من الحضور تدوين أسئلتهم وعناوينهم الإلكترونية، واعدا بالرد عليها، لينتهي اللقاء عندها كما بدأ.. وبترحيب وابتسامات متبادلة.