لعب الدكتور وحيد عبدالمجيد، الأمين العام المساعد فى جبهة الإنقاذ الوطنى، عقب الثورة دور «الدينامو» أو المحرك الذى جمع الإخوان المسلمين مع بعض القوى السياسية تحت اسم «التحالف الديمقراطى»، كما لعب دورا فاعلا فى الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، انتهى بانسحابه منها اعتراضا على بعض المواد، ثم شارك بعدها فى تأسيس جبهة الإنقاذ التى وصفها بأنها «حدث تاريخى» فى الحياة السياسية المصرية. فى حواره ل«الشروق» تحدث عبدالمجيد عن الجبهة وأدائها، ورأيه فى حركة تمرد، وتوقعاته لمظاهرات 30 يونيو المقبل وإلى نص الحوار..
• ما رأيك فى أداء الجبهة منذ نشأتها فى نوفمبر 2012 عقب صدور الإعلان الدستورى؟ تأسيس الجبهة عمل غير مسبوق فى تاريخ مصر السياسى الحديث، فهى عبارة عن تجمع يضم مكونات متعددة مختلفة فى اتجاهاتها، يجمع بينها حد أدنى من الاتفاق، فلا ينبغى أن تكون كل المكونات متفقة على كل شىء، وهذا أمر طبيعى، فما يجمع بينهم اتفاق الحد الأدنى ويتحركون فى ضوئه، البعض لا يفهم هذا المنطق ويتعامل مع الجبهة كأنها حزب واحد، فحركة الجبهات أبطأ من حركة الأحزاب، لأنها دائما تسعى للتماسك والتوافق داخلها، فأى عمل تقوم به يجب أن يكون متوافقا عليه، ولا تخاطر بعمل يخلق حالة من عدم التوافق.
• هل هذا يفسر بطء اتخاذ مواقف الجبهة؟ حركة أى جبهة فى العالم بطبيعتها أبطأ من حركة الحزب، لكن التأثير أكبر بكثير من تأثير أى حزب، العمل بين حزبين أصعب من حزب واحد، فما بالنا ب14 حزبا إلى جانب عدد من الشخصيات العامة، لكن تأثير هذا العمل يعوض البطء النسبى فى الحركة، لذلك تأسيس الجبهة أحدث إثراء مهما فى الحياة السياسية، لكن فى نفس الوقت خلق ثورة توقعات هائلة.
• ماذا تقصد بثورة التوقعات المنتظرة من الجبهة؟ كل من ينتظرون إنقاذ وهم الأغلبية فى مصر الآن وجدوا الجبهة بالنسبة لهم مصدر هذا الإنقاذ وينتظرونه أمس وليس غدا، فالجبهة أصبحت محملة بأعباء ومهام نتيجة التوقعات الكبيرة التى ترتبت على إنشائها، فعندما وجد الناس كل هذه الأحزاب والشخصيات السياسية موجودة فى كيان واحد، أصبح الجميع متوقعا أن تحدث الجبهة زلزالا هائلا بشكل فورى، فى حين أن العمل السياسى عمل تراكمى ولا يحدث أثر فورى إلا فى حالات استثنائية.
• التوقعات كانت عالية مع بداية تأسيس الجبهة وشعبيتها فى الشارع كانت مرتفعة، ثم شعرنا بانخفاض الشعبية، فما رأيك؟ بافتراض أن نتائج الاستفتاء على مشروع الدستور صحيحة، والتغاضى عن الانتهاكات والمخالفات الكثيرة التى حدثت، ولم يتمكن مئات الآلاف من المصريين من الإدلاء بأصواتهم لأسباب مختلفة، سأفترض أن هذه النسبة صحيحة وأن 36 % من المصريين لبوا نداء الجبهة خلال 48 ساعة ليقولوا لا لهذا الدستور، وهناك آخرون حاولوا الإدلاء بأصواتهم ولم يتمكنوا، وهناك من رفضوا المشاركة وهم مع موقف الجبهة، كما أنه ليس لدينا استطلاعات دقيقة للرأى العام، المؤشر الوحيد لدى هو هذا الاستفتاء، وفيما عدا ذلك هو انطباعات، وارتفاع شعبية الجبهة وانخفاضها كلها قائمة على انطباعات، ومع غياب الاستطلاعات الدقيقة لا يمكننا معرفة افى أى اتجاه يسير الخط البيانى، لكن ما أشعر به أن هناك رهانا كبيرا جدا على الجبهة فى قطاع واسع من المجتمع، وهناك من ينتظر من الجبهة ما هو أسرع وما هو أكبر، وفى النهاية قد يكون هذا القطاع لديه ملاحظات وغاضب من أداء الجبهة، ولكنه فى النهاية غضب من باب العشم ووصول حالة الاختناق السياسى إلى ذروته.
• أحد الانتقادات الموجهة للجبهة الآن هو علاقتها بحركة تمرد، فالجبهة لحقت بها ولم تبادر بمثل هذا التحرك فى الشارع؟ الجبهة أيدت الحركة ودعمتها، وكثير من شباب الجبهة منخرطون فى الحملة، فهى حملة شبابية تبعث على التفاؤل، ومن جانبنا لم نرغب فى القفز على ما فعله هؤلاء الشباب البواسل، وقررنا تأييد الحملة ودعمها عبر فتح المقرات وطباعة استمارات بقدر ما تسمح به إمكانات الأحزاب، لكن منذ اليوم الأول، أعطت الجبهة لشبابها الضوء الأخضر للتحرك ضمن الحملة والانخراط فيها.
• هل تعتبر أن الشباب متقدم عن النخب السياسية؟ التقدم والتأخر مسألة نسبية، والتقدم فى حملة تمرد من النوع الإيجابى، ولكن ليست كل المواقف التى تعتبر أجرأ من مواقف الجبهة صحيحة، لكن التقدم فى تمرد خطوة صحيحة ويترتب عليها نتيجة وتحدث تراكم فى الساحة السياسية.
•هل تتحدث عما يمكن أن يحدث فى 30 يونيو المقبل، أم عما هو أبعد من هذا التاريخ؟ البعض يعتبر 30 يونيو فاصل، لكنه مرحلة من المراحل وله ما بعدها، أنا أعتبر أنه مرحلة مهمة وهذه الحملة عندما تصل لهذا التاريخ تكون حققت تراكما مهما سيغير فى المشهد السياسى، لكن لن يغيره بالكامل.
• هل تتوقع حدوث مشهد يماثل 25 يناير 2011؟ - أرجح أنها خطوة مهمة فى التغيير لكنها ليست الخطوة الأخيرة، ومن الممكن حدوث تغيرات أخرى، المعطيات التى تغير المشهد أن ينزل ملايين للشارع ولا يوجد ملايين نزلوا فى مصر من يوم 11 فبراير، كانت آخر حالة مليونية حقيقية.
• لماذا تأخرت الجبهة فى إعلان برنامجها وتصورها للأزمات التى تمر بها مصر؟ هذا التصور المتكامل يعلن فى المؤتمر العام للجبهة، لكن فيما يتعلق بالسياسيات التى تتخذ على المستوى الاقتصادى والاجتماعى نبدى رأينا فيها متفرقة، لكن التصور المتكامل لبديل اقتصادى متكامل للموازنة العامة التى نعتبرها مأساوية أو السياسة النقدية كبديل متكامل، جارٍ الإعداد له وطرحه فى المؤتمر العام للجبهة بتفاصيله.
•علاقتك بالإخوان ممتدة وكنت قريبا منهم جدا عقب الثورة، هل صدمت من أدائهم بعد وصولهم للحكم؟ طبعا، علاقتى بالإخوان بدأت اثناء الجامعة وكنت فى شباب الوفد سنة 1984 وقت التحالف الانتخابى بين الوفد والإخوان، ودافعت عنهم طويلا وعن ضرورة إدماجهم فى الحياة السياسية، وربما لو كان قد حدث هذا لتجنبنا كل هذه المصائب، ربما كانوا سيظهرون بشكل أوضح لنا أو على الأقل يهذب من مواقفهم وطريقة تعاملهم مع الآخر، أتذكر أنى بعد 11 فبراير كانت لدى حالة تفاؤل وبالفعل كانت لحظة تاريخية، وكان يمكن صنع المعجزات لو وجدنا قيادة رشيدة ومشروعا وطنيا، لكن قيادة المجلس العسكرى أضاعت لحظة تاريخية فريدة.
• ما أسباب انخراطك منذ البداية فى التقارب بين الإخوان والقوى الأخرى من خلال التحالف الديمقراطى؟ أنا ممن يعرفون مخاطر الاستقطاب وما يمكن أن يحدث، فكان اهتمامى الأساسى منذ الأيام الأخيرة للثورة قبل 11 فبراير هو محاولة الوصول لوضع يحول دون الوصول لهذا الاستقطاب، ولهذا حدث اتفاق مع الإخوان يوم 10 فبراير على ألا يقدموا مرشحا رئاسيا، ويوم 12 فبراير أكد مكتب الإرشاد هذا التعهد، وأنا وآخرون يعرفون معنى أن يتولى الإخوان السلطة فى المرحلة التى تحتاج شراكة وطنية وليس انفرادا بالسلطة، وهذا ما يثبت الآن، لكنى وقتها وجدت فى التزامهم ما يدفع للتفاؤل، فأخذنا خطوة التحالف بين الإخوان وأحزاب ديمقراطية، وعملنا برنامج للتحالف ووثيقة وقع عليها محمد مرسى شخصيا.
ولكن كثيرا مما يفعله الآن مخالف لهذه الوثيقة، وكان كلام الإخوان وخاصة مرسى بصفته رئيس الحرية والعدالة أن التركة ثقيلة ولا يمكن أن يحملها أحد منفردا، واختلف الوضع بعد انتخابات مجلس الشعب فى نهاية 2011، حيث بدأوا يشعروا أن بإمكانهم الانفراد بالسلطة وخاصة أن لديهم تنظيم حديدى لا يوجد مثله لأى من الأحزاب، ونقطة التحول الكبرى كانت التراجع عن عدم تقديم مرشح للرئاسة.
•هل حدث تواصل بينك وبين الكتاتنى وأى من قيادات الإخوان بعد انسحابك من الجمعية التأسيسية وانضمامك لتشكيل جبهة الإنقاذ؟ لم يحدث أى اتصال سياسى باستثناء بعض المعايدات، هم غير راغبين فى أى اتصالات، والتواصل الوحيد كان اللقاء الذى جمع محمد البرادعى وسيد البدوى والكتاتنى، وكان لقاء كعدمه ولم يترتب عليه أى شىء، لأنهم قرروا أن يعطوا أولوية مطلقة فى السيطرة على مؤسسات الدولة، ظنا أنهم يستطيعون السيطرة على مصر.
• هل تؤيد إجراء انتخابات رئاسية مبكرة؟ إذا سدت كل الأبواب تصبح الانتخابات الرئاسية المبكرة هى المخرج من هذه الأزمة، لأن استمرار الانسداد السياسى سيؤدى إلى الارتطام بحائط مسدود.
• ما اللحظة التى تدفع الإخوان لقبولها؟ استمرار الضغط الشعبى وتصاعده قد يضعهم أمام أمر واقع ويقبلون، وقد يستمروا فى حالة الإنكار التى عاشت فيها الكثير من النظم من قبلهم، وهذا يتوقف على المتغيرات التى تحدث ومدى تماسك الوضع داخل الإخوان، لأن الوضع الآن دخل مرحلة مختلفة.
• ماذا تقصد بما يحدث فى الجماعة؟ أى تنظيم يصل للسلطة يختلف الوضع داخله، وخاصة عندما يتحول من حالة الملاحقة والمطاردة لحالة التحكم فى الغنائم، لابد أن يحدث تغيير وتطلع للحصول على جزء من هذه الغنائم، وعادة تبدأ الشكاوى لأن أعدادا كبيرة تتطلع لمناصب وتعويض عن سنوات طويلة من النضال.
•ماذا لو وافقوا على انتخابات رئاسية مبكرة؟ الأمر لا يتوقف عليهم لكن يتعلق بالمعارضة، مرشح الإخوان فى الانتخابات الماضية لم يصل ل6 ملايين صوت، ولو كان هناك مرشح موحد للقوى الوطنية لفاز من الجولة الأولى.
•وماذا عن الآراء التى تقول إن قيادات الجبهة لا يصلحون للترشح مرة أخرى؟ هذا يتوقف على الوقت الذى تجرى فيه الانتخابات والوصول لمرشح واحد للمعارضة، وإذا تقدم مرشح ذو خلفية عسكرية أم لا، ومن يفشل فى السلطة يتحمل تكلفة رهيبة فى أى انتخابات، وهذا الفشل واضح فى البؤس الذى يزداد يوما بعد يوم.
• هل تعتقد أن من مصلحتهم دخول انتخابات برلمانية؟ لا ليس من مصلحتهم، ولكن هم بين أمرين، التعجيل بالانتخابات لتفادى تأثير الإجراءات التى يتخذونها مثل رفع سعر البنزين والسولار والارتباك والغضب والسخط، فالأفضل التعجيل بالانتخابات، لكن من جانب آخر لديهم حسابات أن شعبيتهم انخفضت بشكل خطير ويخشى ان يفقدوا البرلمان بالكامل، ويقينا لن يحصل الإخوان وحلفاؤهم على أكثر من 20 أو 25 %.
• لماذا لم تحدد الجبهة حتى الآن موقفا واضحا من المشاركة فى الانتخابات البرلمانية؟ عندما اتخذنا قرار المقاطعة كنا بصدد انتخابات محددة، وعندما ألغى القضاء هذه الانتخابات أصبح موعد الانتخابات غير معلوم ولا يستطيع أحد أن يتوقع الوقت أو الظروف المحيطة، وبالتالى لا أستطيع تحديد موقف من انتخابات غير محددة، موقفنا نبنيه على الظروف التى تجرى فيه ولكن نعمل أيضا فى اتجاهى المشاركة والمنافسة، ونبلور فكرة البرلمان الموازى، وإذا وجدنا أن سلبيات المشاركة أكبر من الإيجابيات، والسلبيات لا تعنى أن أخوض انتخابات فى غياب ضمانات الحرية والنزاهة.
يجب بعد الثورة أن نقول لا لأى انتخابات لا تعبر عن الإرادة الشعبية، واذا كان البعض يعتقد أن الدستور الذى صدر فى غياب قوى أساسية قابل للاستمرار فهو مخطئ، ما حدث مشروعية قانونية لكن يفتقد الشرعية السياسية والأخلاقية.
• ما رأيك فى الرهان على دور الجيش؟ الاستنجاد بالجيش رد فعل تلقائى من كثير من المصريين شعروا أنه أسرع إنقاذ بالنسبة لهم، ولكن هذا بحث عن الإنقاذ فى غير موضعه، لأن الجيش ليس طرفا فى العملية السياسية ولا يصح ذلك، وهو لا يريد أن يكون طرفا فى العملية السياسية، لكن قد يضطر للتدخل مرغما إذا وصل التدهور لحد ينذر بحرب أهلية أو تهديد جسيم لأمن مصر القومى.