لم تخل أحاديث الأسر المصرية حاليا من أزمة انقطاع الكهرباء الناتجة عن نقص الغاز.. فقد أصبحت الهم الأكبر والشاغل فى حياة المواطنين. وبينما حاولت الحكومة طمأنتهم منذ أشهر بأنها ستعمل على حل المشكلة قبل قدوم فصل الصيف، عن طريق السماح للقطاع الخاص باستيراد الغاز وتوريده لمحطات الكهرباء، فإن الصيف بدأ ولم تتوان الحكومة عن قطع الكهرباء أكثر من مرة يوميا فى جميع أنحاء الجمهورية.. ولم تبت حتى فى مناقصة القطاع الخاص حتى الآن.
ومع زيادة حدة المشكلة خلال الأسابيع الماضية، تجددت التطمينات الحكومية بالإعلان عن اتفاق مع الحكومة القطرية على صفقة لمبادلة الغاز معها لمحاولة السيطرة على الأزمة ومنع انقطاع التيار الكهربائى.. «الشروق» حاورت وزير البترول السابق، أسامة كمال، الذى غادر الوزارة منذ أسابيع قليلة، وكان قد شارك فى المفاوضات المصرية القطرية وأشرف على مناقصة استيراد القطاع الخاص للغاز المعلقة حاليا.
لم يتبق سوى التفاصيل الفنية فى صفقة مبادلة الغاز مع قطر والتى من الممكن أن يتم الانتهاء منها بعد التوريد، حيث تم الاتفاق على جميع البنود الأساسية، وفقا لأسامة كمال وزير البترول السابق، مشيراً أن قطر «متفهمة الأزمة التى تعانى منها مصر وتحاول مساعدتنا، ولذلك وافقت على الصفقة قبل تحديد أسعارها وشروطها».
ويقضى اتفاق مبادلة الغاز مع قطر بأن تشترى مصر حصة شركات الغاز الأجنبية العاملة بها بما يضمن تقليل حدة انقطاع الكهرباء، على أن تدفع الحكومة القطرية ثمن تلك الشحنات وتوريد تعاقدات عملاء الشركاء فى الخارج، وستسدد الحكومة المصرية للدوحة قيمة كل شحنة بسعر مختلف، وذلك بحسب الأسعار التى تصدر بها الشركات الأجنبية لعملائها فى الخارج. واتفقت الحكومة المصرية مع الجانب القطرى على توريد نحو 18 شحنة من الغاز إلى عملاء شركتى بيرتش جاز وبتروناس فى الخارج، وهما الشركتان العاملتان بمصر وتم الاتفاق معهما على الدخول فى الاتفاق المصرى القطرى، وجارى التفاوض حاليا مع حكومتين أوروبيتين لدخول شركتين أوروبيتين فى الاتفاق.
«لجأنا إلى صفقة تبادل الغاز مع قطر، بعد أن قمنا خلال مايو من العام الماضى، بزيادة كميات الغاز التى نحصل عليها من حصة الشركاء الأجانب من مصنع أدكوا المختص بتسييل الغاز وتصديره»، كما يوضح كمال، مشيرا إلى أن مصنع أدكوا ينتج نحو 1.4 مليار قدم مكعب يوميا من الغاز، من المفترض أن يتم تصديره، «إلا أن الحكومة لجأت إلى توجيه حصته من الإنتاج والبالغة نحو 280 مليون قدم مكعب يوميا إلى السوق المحلية». كما انها فى مايو الماضى قامت بطلب شراء جزء من حصة شركاء أجانب آخرين، حيث تم الاتفاق على شراء نحو 100 مليون قدم مكعب يوميا، وفقا لكمال.
ويعمل مصنع ادكوا على إسالة الغاز المصرى لتصديره إلى فرنسا ودول أوروبية أخرى وأمريكا، ويساهم فى المصنع كل من الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية «إيجاس» بنسبة 12%، والهيئة المصرية العامة للبترول بنحو 12%، وشركة بريتش جاز ب 35.5%، وبتروناس الماليزية ب 35.5%، كما تساهم جاز دى فرانس الفرنسية بنحو 5% فى المصنع.
«ومع زيادة أزمة الغاز أصبحت الحكومة تستحوذ على كميات أكبر من حصص الشركاء الأجانب، وذلك عن المتفق عليه فى العقود المبرمة معهم، حتى انتهى الأمر بشراء نحو 400 مليون قدم مكعب يوميا من حصة الشركات، على أن يقوم الشريك بتصدير 700 مليون قدم مكعب يوميا فقط»، تبعا لكمال. وتنتج مصر نحو 5.8 مليار قدم مكعب من الغاز يوميا، يتم استخدام نحو 400 مليون قدم مكعب يوميا داخل الحقول فى معدات الاستخراج، كما تصدر الحكومة نحو 100 مليون قدم يوميا للأردن وتصدر الشركات الأجنبية نحو 400 مليون، على أن يتم توجيه المتبقى من الإنتاج إلى السوق المحلية، وفقا لبيانات وزير البترول السابق.
وبحسب كمال، فإن المديونية الناتجة عن شراء الهيئة العامة للبترول للغاز من الشركاء الأجانب تقدر بنحو 60% من إجمالى المديونية المستحقة على الهيئة، فى حين تبلغ حصة باقى المواد البترولية جميعا نحو 40% من إجمالى المديونية.
كان مسئول بوزارة البترول قد كشف، ل«الشروق»، خلال الفترة الماضية أن مديونية الشركاء الأجنبية لدى الهيئة العامة للبترول وصلت إلى نحو 7 مليارات دولار. وقد أشار كمال إلى انه سيتم تسديد مليار دولار من المديونيات القديمة للشركاء الأجانب قبل نهاية السنة المالية الحالية، خاصة أنه تم سداد جميع مستحقات الشركاء عن العام المالى الحالى.
خطة لتشجيع الأجانب على زيادة الإنتاج وعن التعديلات التى أجريت فى صياغة الاتفاقات والتعاقدات الخاصة بالتنقيب مع الشركاء الأجانب، يقول كمال، إنه تم إلغاء نظام استرداد الشركاء الأجانب لتكاليف البحث والتنقيب، على أن يتم رفع حصتهم من إنتاج الحقول المكتشفة والتى تستمر طوال عمر حقول النفط.
«النظام القديم كان يجعل الشريك الأجنبى يقوم بصرف مبالغ كبيرة فى عمليات التنقيب، حيث انه كان يضمن استعادة مصروفاته»، كما أن النظام الجديد يحفز الشريك الأجنبى على زيادة الإنتاج، لأنه كلما زاد الإنتاج ارتفعت حصته.
وكانت عقود هيئة البترول المبرمة مع الشركاء الأجانب تقوم على استرداد هؤلاء الشركاء لجميع التكاليف التى تحملوها فى عمليات الاستكشاف والتنقيب، قبل أن يتم توزيع الإنتاج بين الدولة والشريك الأجنبى، وفقا للنسب التى يتم الاتفاق عليها.
ويوضح كمال ان الاتفاقيات كانت تنص على تخصيص نسبة تتراوح ما بين 20 إلى 35% من إيرادات الحقول لمصر خلال فترة تتراوح ما بين 3 إلى 5 سنوات لاسترداد تكاليف التنقيب، ومع انتهاء استرداد التكاليف، تتراوح حصة مصر من إنتاج الحقول ما بين 75% إلى 80% من إجمالى الإنتاج.
«وضعنا خطة لزيادة إنتاجنا من الغاز والمواد الخام»، وفقا لكمال، مشيرا إلى أن إجمالى ما تم استخراجه من الحقول المصرية لا يمثل سوى 30% من إجمالى مخزون تلك الحقول، بسبب استخدامنا الطرق التقليدية فى عمليات الاستخراج.
القطاع الخاص لم يقدم عرضًا مكتملًا للاستيراد استيراد القطاع الخاص للغاز كان أحد الحلول المطروحة أمام الحكومة لحل أزمة الغاز، إلا أنه بعد أن أعلنت الحكومة عن طرح مزايدة أمام الشركات الخاصة تم تعطيلها أكثر من مرة حتى إن انتهى الأمر بإلغائها، «قمنا بذلك لعدم تقدم أى من الشركات بعرض مكتمل، حيث وجدت الشركات الشروط صعبة عليها، بالإضافة إلى انها لم تستطع توفير كميات إضافية غير المطلوبة لمحطات الكهرباء»، على حد تبرير الوزير السابق.
والشروط التى وضعتها الشركة القابضة، بحسب كمال، تتمثل فى تقديم خطاب ضمان مبدئى بقيمة 10 ملايين دولار حتى لا يتم انسحاب الشركات التى تم ترسية المزايدة عليها، «وفى حالة فوز الشركة تقدم خطاب ضمان بقيمة 100 مليون دولار، حيث إن المزايدة تشمل توريد جزء من الغاز المستورد إلى محطات الكهرباء، يستخدم هذا الخطاب فى حال عدم توفير الشركة الغاز المخصص للكهرباء».
وكانت الشركة القابضة للغازات قد طرحت مزايدة خلال نوفمبر الماضى، للسماح لشركات القطاع الخاص باستيراد الغاز واستخدام الشبكة القومية للغاز، إلا انها قد تراجعت عنها وقامت بإلغائها، وقامت بالإعلان عن مناقصة لاستيراد الغاز لمحطات الكهرباء، بنحو 500 مليون قدم مكعب يوميا، وأرسلت التوصية بترسية على شركات محددة إلى مجلس الوزراء يوم 2 ابريل الماضى، ولم يبت فيها حتى الآن، حيث ينتظر عرضها على المجلس الأعلى للطاقة، وفقا لكمال.
ومن المتوقع أن يصل الغاز المستورد عبر الشركات للكهرباء فى خلال 6 أشهر من إعلان النتيجة، تبعا لتقديرات كمال، مشيرا إلى أن المناقصة تنص على توفير كمية تتراوح ما بين 500 إلى 750 مليون قدم مكعب من الغاز يوميا.
لا مفر من تحرير أسعار الطاقة للصناعة وعن خطة هيكلة دعم الطاقة لقطاع الصناعة، قال كمال إن «وزارة الصناعة انتهت من تصنيف الصناعات وتحديد أيها يجب دعمه بالاتفاق مع اتحاد الصناعات»، مشيرا إلى أن وزارة الصناعة قد أعدت بروتوكولا بينها وبين اتحاد الصناعات ووزارات الكهرباء والبترول والمالية للموافقة على خطة تحرير أسعار الطاقة لقطاع الصناعات كان من المفترض توقيعه قبل التعديل الوزارى الاخير، «حيث تشير الخطة إلى تحرير أسعار الطاقة فى فترة تتراوح ما بين 3 إلى 5 سنوات بحسب كل صناعة»، تبعا لكمال.
كما تعمل وزارة الصناعة بالاتفاق مع كل من الكهرباء والبترول على الانتهاء من دليل الاستثمار الذى سيحدد سياسة أسعار الطاقة حتى يتمكن المستثمرون من تحديد تكلفة استثماراته»، بحسب كمال، مشيرا إلى أن هذا الدليل سيشمل معلومات عن الصناعات التى سيتم رفع الدعم عنها بشكل تدريجى وما هى الأسعار لكل فترة.
دعم الطاقة سيرتفع بنهاية العام الحالى ولعل من القضايا الأكثر سخونة حاليا أيضا هى الكروت الذكية خاصة مع تضارب التصريحات الحكومية بشأنها، فبعد أن تم الإعلان عن بدء تطبيقها بكميات محددة مدعومة وذلك فى إطار برنامج الإصلاح الاقتصادى المقدم لصندوق النقد الدولى، عدلت الحكومة عن قرارها لتقوم بطرح الكروت الذكية بدون تخصيص كميات لكل سيارة كمرحلة أولى.
«الهدف الأساسى من تطبيق الكروت الذكية إنشاء قاعدة بيانات صحيحة حول الكميات المستهلكة من المواد البترولية فى السوق المحلية، بالإضافة إلى منع عمليات تهريب المنتجات البترولية، كما يوجد سبب امنى وهو بدء تسجيل المركبات غير المرخصة للحد من الجريمة»، هكذا برر كمال عدول الحكومة عن قرارها.
وأشار الوزير السابق إلى أن هذه المرحلة ستساهم فى توفير نحو 20% من إجمالى دعم المواد البترولية، ليصل خلال العام المالى المقبل إلى 112 مليار جنيه.
كان شريف هدارة وزير البترول الجديد، قد أشار خلال الأسبوع الماضى إلى أنه سيتم توزيع الكروت الذكية فى يوليو وأغسطس القادم، للمستهلكين مع عدم تخصيص كميات محددة، وذلك لحصر الكميات المستخدمة لكل سيارة، ووضع قاعدة بيانات عن الاستهلاك فى السوق المحلية، مضيفا انه مع الانتهاء من قاعدة البيانات سيتم تخصيص كميات لكل سيارة على ان تحصل على الوقود الزائد على المخصص بأسعار التكلفة، وهو ما يختلف عن تصريحات حكومية متكررة فى الفترة الماضية أكدت تحديد كميات المواد البترولية بأسعار مدعمة جزئيا.
وتوقع وزير البترول السابق أن ترتفع فاتورة دعم المواد البترولية بنهاية العام المالى الحالى لتصل إلى 125 مليار جنيه، وذلك نتيجة ارتفاع قيمة الدولار مقابل الجنيه المصرى وضخ كميات إضافية، بالإضافة إلى إتمام صفقة الغاز القطرى.