أكثر من عامين مرا على الثورة المصرية لكن حتى الآن لم يجد العاملون فى مجال السياحة حلا لمشكلاتهم، حجوزات الفنادق تلغى فى اللحظات الأخيرة، نسب الإشغال السياحى بالفنادق لا تصل للمعدلات المتوسطة، بل وصلت فى بعض الأحيان لصفر كما حدث لفندق سميراميس بوسط القاهرة للمرة الأولى فى تاريخه. الأزمات التى تمر بها صناعة السياحة فى مصر ليس أزمات أصحاب رءوس أموال فقط ولكنها أزمات أكثر من 8 ملايين شخص يعملون فى مجال السياحة، بعضهم غير مجاله والبعض الآخر لا يزال يبحث عن أمل فى غد أفضل بعد أن قبل تحمل أزمات العاميين الماضيين.
وعود الرئيس الانتخابية وجولاته المكوكية لجذب السياح لم تنجح سوى فى زيادة عدد السائحين من الطبقة المتوسطة فى الصين والهند وهم سائحون لا فائدة منهم لصغار العاملين لكونهم يأتون بأسعار وعروض مخفضة لكونهم يأتون الرحلة بالكامل بألف دولار أو يورو حسب اتفاقهم مع شركات السياحة.
«الشروق» تجولت بين المدن المصرية الأكثر تضررا فى السياحة لترصد معاناتهم ومأساتهم، بين أب أخرج ابنه من التعليم لكى يساعده على تحمل نفقات العيش، وصاحب عربة خيل لا يجد ثمن الأكل لحصانه وصاحب محل جلس فيه وحيدا بانتظار سائح لم يأت
فى قلب مدينة الأقصر الساحرة، وأمام فندق «ونتر بالاس» الشهير، وقف أصحاب عربات الحنطور فى انتظار خروج أى سائح للتنزه معهم على كورنيش النيل، كما كان يحدث من قبل، لكن تراجع اشغالات الفندق لنحو 20% فى المتوسط، ولم تفلح التخفيضات التى يتيحها لزواره فى جذب السياح للإقامة فيه.
سيارات التاكسى المكدسة فى الشوارع الصغيرة، وأمام محطة القطار، وساحة معبد الأقصر، والمرسى السياحى، حلت محل الأتوبيسات التى كانت تقل الافواج السياحية التى تزور المدينة، وهو ما اعتبره عدد من العاملين بالسياحة فى الأقصر مؤشرا عمليا على الكساد الذى تعانى منه المدينة الأثرية.
على الرصيف النهرى، بدا المشهد كئيبا للغاية، حيث اطفأت المراكب أنوارها وغادرها العاملون فيها، ولم يتبق سوى قلة قليلة منها، ابحرت بالفعل فى رحلاتها، بينما جلس خفراء يحرسون المراكب المتوقفة التى تركها أصحابها وغادر عمالها بسبب حالة الركود التى ضربت المدينة.
«نسبة الاشغال العامة تتراوح بين 45% و50% فى نهاية العام وهو معدل جيد بعد الثورة، مقارنة بالمراكب التى أغلقت أبوابها»، تلك النسبة أكدها عمرو فاروق مدير أحد المراكب العائمة فئة الخمس نجوم، مشيرا إلى أن تخفيض الأسعار بدأ بشكل لافت بعد الثورة واستمر حتى الآن، ورغم ذلك لا تصل نسبة الإشغال إلى 100%.
ولفت فاروق إلى أنه فى إطار التنافس بين الفنادق العائمة للقدرة على الاستمرار فى العمل وتقديم خدمة أفضل للنزلاء، وصل سعر الليلة السياحية شاملة الوجبات الثلاث فى معظم المراكب ذات النجوم الخمسة، ما بين 35 و40 دولارا للمجموعات مقارنة بأسعار 100 و120 دولارا قبل الثورة، مرجعا ذلك لكثرة المعروض من الفنادق العائمة وقلة الطلب والزبائن، فيما أصبح سعر الاقامة فى بعض الفنادق ذات النجوم الثلاثة يقترب من 100 جنيه فى الليلة الواحدة.
وأشار إلى أن المراكب الأكثر تضررا هى المراكب المتوسطة والعادية، والتى كانت تقدم الخدمة بنفس المبالغ التى نقدم بها الآن، مشيرا إلى أن الكثير من أصحابها فضلوا إيقافها لعدم جدوى تشغيلها، خاصة أن حالة الركود تجعل العائد منها لا يغطى تكاليف رحلاتها.
أمام المرسى السياحى للسفن جلس أصحاب البازارات المواجهة له أمام محالهم مجتمعين، يلعبون الطاولة بينما خلا الممر من السياح، واطفأت البازارات غالبية انوارها ترشيدا للاستهلاك، وخوفا من الفواتير المرتفعة، بينما لا توجد حركة سوى فى مركبين فقط من أصل 10 مراكب توقفت فى 3 صفوف إلى جوار بعضها البعض.
أحمد رجب قرنى أحد أصحاب المحال قال إن حالة البيع بالبازار اختلفت كثيرا عن قبل الثورة، بسبب حالة الركود وخوف السائحين من الأوضاع الأمنية، «المرشدون يؤكدون لهم أن خروجهم بمفردهم للتسوق والتنزه مغامرة غير آمنة»، مشيرا إلى أن أحد السائحين عندما خرج من المركب المقيم بها إلى السوق، وجد الاسعار مختلفة عن الأسعار التى اشترى بها من مناطق اخرى، وأخبره بأن المرشد المرافق لهم حذره من النزول بمفرده.
أوضح رجب أن المشكلة الاكبر بالنسبة لهم هى التفاوت الكبير بين إيجارات البازرات، رغم أنها تبيع نفس المنتجات، مشيرا إلى أن هناك محالا إيجارها 4 آلاف و5 آلاف جنيه شهريا، ومحال أخرى على ذات المساحة يبلغ إيجارها 500 جنيه، مؤكدا أن هذا التفاوت يجعلهم غير قادرين على البيع بنفس الأسعار.
فى الفندق المكون من 7 طوابق، هناك نحو 20 شخصا فقط يشغلون الغرف، ما بين عريس وعروس جاءا لقضاء شهر العسل، ومجموعة من الأجانب جاءوا بمفردهم للمدينة السياحية للاستمتاع بشمسها المشرقة التى لا تغيب فى الشتاء القارص.
«الشغل لم يعد يحقق العائد منه، لكنه أفضل من الجلوس فى المنزل» أمير متر دوتيل المطعم رب أسرة مكونة من زوجة و3 أبناء، قال متحسرا على وضع السياحة فى الأقصر.
وأشار إلى أن العاملين فى السياحة يعتمدون بشكل أساسى على الاكراميات التى يحصلون عليها من السياح نظرا لتدنى اجورهم، «لكن الآن لا يوجد هذا الدخل بعد أن كان يعادل فى شهور الذروة 5 أو 6 أضعاف الراتب»، موضحا أن الحجوزات يتم إلغاؤها عندما تحدث اضطرابات فى القاهرة، كما حدث بعد الإعلان الدستورى وفى ذكرى الثورة.
أمام معبد الأقصر خلت ساحة انتظار السيارات التى كانت تعج بالاتوبيسات مختلفة الأحجام من السيارات السياحية باستثناء عدد قليل، منها سيارات مصر للسياحة التى تحولت للعمل فى رحلات قطار الشباب بدلا من خدمة السياح لتراجع معدلات التشغيل بشكل كبير.
«احنا كنا بنقيس الحركة على الناس اللى موجودة هنا»، يشير أمير بيده لساحة معبد الأقصر بينما يشرح كيف كانت الساحة تكتظ بالسياح والمصريين.
يوضح أمير أن أصحاب الفنادق كانوا ينظرون للساحة فيعرفون حجم الحركة بالمدينة، وما إذا كانت فنادقهم مشغولة بنسبة معقولة أم لا، أما الآن فهى خالية تماما يجلس فيها البائعون ولا يدخلها سوى قلة من الباعة فقط الذين ينتظرون أن يأتى سائح أو مصرى للاسترزاق منه.
غالبية محال سوق سافوى التى انشأه المحافظ الأسبق سمير فرج أغلقت أبوابها، فيما خلا ممر السوق من أى زوار.
البر الغربى
أمام تمثال ممنون فى بداية البر الغربى تتوقف أتوبيسات السائحين قبل زيارة باقى معالم البر الغربى، لا تتوقف اتوبيسات السائحين أكثر من 15 دقيقة، بينما يحاول أصحاب الاكشاك الصغير الموجودة والترابيزات المنصوبة اقناع السائحين بالشراء منهم.
«المرشدون بيقولوا للسياح محدش يشترى منا، وهما بيودهم مصانع متفقين معاها علشان ياخدوا نسبة 50% من المبيعات ليهم وللشركة اللى تبعها، وكل مرشد عنده مصنع بيدفعله مبالغ كويسة فى العمولات من السائحين»، عبارة يشرح بها عاشور أحد البائعين حالهم فى الفترة الأخيرة.
يشير البائع الشاب إلى أن غالبية السائحين الآن من الهند والصين وهم بالنسبة لهم زبائن عديمو الفائدة، لكونهم لا يدفعون أموال فى شراء أى شىء، على العكس من الأمريكان والإيطاليين والألمان، فيما قال إبراهيم حامد أحد المرشدين السياحيين المرافقين لوفد صينى، أكد أن عدد السائحين الصينيين انخفض كثيرا وتغيرت فئاتهم لتكون من الفئة العاملة متوسطة الدخل.
فى قرية القرنة بالبر الغربى العديد من مصانع الالباستر التى يقوم العاملون فيها بنحت القطع الاثرية المقلدة التى يشتريها السياح كتذكار من رحلاتهم، لكن مع حالة الركود التى ضربت المدينة أغلقت غالبية المصانع أبوابها، بينما استمر القليل منهم بالعمل رغم تخفيض الأعداد.
أمام مصنع صغير جلس عامل واحد يقوم بنحت رسمة فرعونية على قطعة من الرخام، بينما جلس صاحب المصنع الحاج جمال محمود مع صديقه، بعد أن قام بتسريح 8 اشخاص اخرين كانوا يعملون معه فى المصنع الصغير الموجود بالقرية الجبلية.
يشير جمال إلى أن العامل الموجود فى المصنع يعمل منذ الثامنة صباحا حتى الثانية عشرة ظهرا فقط، «فالمصنع لا يبيع منتجاته منذ عامين».
فى قلب المدينة يسيطر الهدوء، وهو ما جعل أصحاب عربات الحنطور يجلسون على كورنيش النيل الشهير، فى انتظار سائح، بينما ظهرت الخيول مرهقة من عدم الحركة.
على البغدادى صاحب عربة حنطور يجلس إلى جوار زملائه فى انتظار قدوم السياح، يشتكون حالهم ويندبون حظ السياحة، فهم لا يبالون باسم الحاكم أو بانتمائه السياسى، لكن الاستقرار هو ما يشغل بالهم