زيادة ضربات القلب وربما عدم انتظامها، صداع قاتل مستمر دون سبب واضح يدل عليه، فتور الهمة، إجهاد دائم لأقل جهد يبذل آلام المعدة بلا مرض يفصح عن نفسه، اعتلال المزاج، الخوف من الآتى بلا مبررات منطقية أو ملابسات تشير إلى خطر قادم، إمساك مزمن، الشعور بالضيق والاختناق وصعوبة التنفس بلا أى مؤشرات لمرض بالقلب أو الرئة: كلها أعراض مختلفة متباينة لا يجمعها رابط يمكن أن تعانى من أى منها أو من بعضها فى آن واحد فتهرع إلى الطبيب الذى يفحصك بعناية فائقة ويستخدم كل ما أوتى من معرفة ووسائل فحص متاحة من تقنيات حديثة وقياسات معملية وفحوصات إكلينيكية إلى أن يتوقف معلنا أنه قد تم استبعاد كل احتمالات المرض العضوى وأن الأمر مجرد حالة نفسية! أنت بالفعل تعانى من أعراض حقيقية لكنك لا تعانى من مرض إنها إضرابات جسدية نفسية المنشأ.
يعانى ثلث المرضى الذين يلجأون لعيادات الأطباء على الأقل من أعراض حقيقية قد تكون بالفعل مصدر معاناة وقلق لهم ولمن حولهم إلا أنها أعراض لا تعبر على الإطلاق على مرض عضوى.
غالبا ما يشارك الطبيب المريض حيرته ما الأمر إذن إذ غاب المرض واستمر العرض!
إلى بداية العشرينيات من هذا القرن كان الطب النفسى والعقلى يضع تلك الظاهرة فى خانة الهستيريا. الأمر الذى يعنى وجود صداع نفسى يعانى من جرائه المريض: صدمة عاطفية عنيفة، فقدان لعزيز أو حادثة مازالت آثارها عالقة بالنفس. إلى أن تطور تصنيف تلك الظاهرة باستخدام المصطلح أمراضا جسدية ذات منشأ نفسى أو (Psycosamatic disorders).
وفقا لتعريف رسالة هارفارد للصحة النفسية تبدأ أعراض الأمراض الجسدية نفسية المنشأ غالبا قبل أن يتجاوز الإنسان أعوامه الثلاثين، ويستمر الأمر لسنوات، وقد يختفى فجأة كما ظهر.
تتباين الأعراض وتتداخل فمن الألم القاسى المبهم، معاناة الجهاز الهضمى والمشكلات العصبية مثل ألم أو تنميل الأطراف وربما اضطرابات العلاقات الحميمة أيضا اضطرابات القولون العصبى وما يتبعه من أعراض.
قد تحدث تلك الأعراض بصورة لا يمكن تفسيرها أو تفسير أسبابها لفترة قد تصل إلى ستة أشهر تنتهى بعدها قد تحدث أيضا بصورة تعكس اضطرابا فى عمل الأعصاب فقط.
قد تحدث فى صورة ألم تتحكم حالة الإنسان النفسية فى درجة حدوثه ووقت ظهوره واستمراره أو انتهائه.
وقد تتعقد الأمور بصورة لا يمكن فهمها أو التفاهم معها، الأمر الذى يحيل حياة الإنسان لعذاب مقيم فلا هو يعرف متى يمكن أن تهاجمه الأعراض أو كيف تنتهى وينعكس الأمر على من حوله فهم على ثقة من غياب المرض العضوى ولا يشعرون بفداحة ما يعانى بل يتصورون دائما أن يبلغ فيما يحكى من أعراض وربما كان يبحث عن مظاهر الاهتمام به ممن حوله.
كيف يمكن تشخيص الأعراض فى غياب المرض العضوى؟ بالطبع تظل محاولات استبعاد حالة وجود مرض عضوى أو عصبى هى أفضل وسيلة لتشخيص الأمراض الجسدية ذات المنشأ النفسى فيبدأ الطبيب بسلسلة من الفحوصات المعملية والإكلينيكية لاستبعاد مرض عضوى يختفى وراء الأعراض التى يعانى منها المريض والتى غالبا ما يحكى عنها، وقد لا يعانى منها أثناء فحص الطبيب له ليعانيها.
كثيرا بالطبع ما يتصور الأطباء أن تلك الأعراض تكمن فى مخيلة المريض. لكن الطبيعى أن يضع شكواه محل اهتمام وأن يحاول بكل وسيلة ومعاونته للتخلص منها.
علاج الأمراض الجسدية ذات المنشأ النفسى بعد التأكد من دقة التشخيص واستبعاد كل الأسباب المرضية العضوية التى قد تتسبب فى الأعراض فإن العلاج ممكن بعدة وسائل تلتقى فى أن الأساس البيولوجى والفسيولوجى فى كل الحالات واحد.
العلاج السلوكى المعرفى يلجأ إليه عادة الأطباء فى البداية نظرا لأهمية ودوره الفعال فى الشفاء من تلك الأعراض التى تحيل حياة المريض لسلسلة متصلة من الألم والمعاناة. الحوارات المستمرة للتعرف على الجوانب النفسية الخفية للمريض، تمارين الاسترخاء والتأمل، حل المسائل، طرق التنفس التى تساهم فى أن يتحكم المريض فى نفسه، الأمر الذى معه يمكن كسر تلك الحلقة من الألم والإحباط التى يعانى منها المريض.
مضادات الاكتئاب تأتى مضادات الاكتئاب فى مرحلة تالية للعلاج إذا احتاجها المريض، فالواقع أن دورها غير مفهوم فى علاج الاضطرابات الجسدية الناجمة، لكنها وبطريق غير مباشر قد تخفف من حدة أعراض القلق أو أعراض الإجهاد ما بعد الصدمة لو كان السبب الرئيسى هو صدمة عاطفية ما تعرض لها المريض. لكنها أيضا تحمل عددا من الأعراض الجانبية التى تجعل العديد من المرضى يتوقفون عن تناولها رغبة منهم فى تفادى المضاعفات فهم فى غنى عنها.
العلاجات الأخرى كالمسكنات للألم، مهدئات الجهاز الهضمى، كمادات باردة للصداع، أدوية لمكافحة القلق، مهدئات بسيطة للنوم وما إلى ذلك من علاجات.
كلمة أخيرة الأمراض الجسدية ذات النشأة النفسية حقيقة واقعة وإن كان أعراضها لا تتم عند مرض عضوى إلا أن المعاناة حقيقة لا يمكن إغفالها أو التغاضى عنها أو التقليل من شأنها إذ إن فى ذلك ما يضاعف من ألم المريض ويساهم فى إحباطه. لذا يجب أن نسعى لعلاج تلك الأعراض ومداواتها للتخفيف من آثارها.
على المريض أيضا أن يدرك أن ما يعانى منه إنما هى أعراض لن تتطور إلى مرض قد يهدد حياته. لذا عليه أن يؤمن بصدق أنه فى أمان وأن تلك الأعراض ستنتهى إلى حيث لا رجعة فى وقت ما قادم لذا عليه أن ينتظر فى خبر وثقة أن كل شىء إلى نهاية.
إذا كان هذا بالفعل حوار الغضب بين النفس والجسد فلماذا لا تحاول بكثير من الفهم وقليل من الجهد أن نحول الحوار إلى حديث دائم ومتصل بلا غضب أو ألم. يعتقد الكثير منا أن الرياضات الذهنية نوع من الترف يمارسه المجتمع الغربى رغم أن اليوجا والتأمل والتايشى وحركات التنفس العميق كلها بلا استثناء نتاج لحضارة وفكر الشرق انتقلت إلى الغرب الذى أدرك عمق أثرها على النفس البشرية.
نعم إن إيقاع حياتنا وتفاصيلها اليومية قد لا يعطى أى فرصة للتفكير فى بعض تلك الرياضات التى لا تستلزم إلا مكانا هادئا صغيرا للبداية، لكن المعرفة الحقيقية لعمق فائدتها قد يدفعك للمحاولة الجادة لفهمها إذ إنها مفتاح لعالم حقيقى من سلام النفس وصفاء الروح فيه يتداوى الجسد والروح معا فينحسر الغضب وتنسحب أعراضه.