لا أعرف ما هى الأسباب التى تدفع الرئيس محمد مرسى فى التمسك ببقاء الدكتور هشام قنديل رئيسا للحكومة، رغم أن كل مطالب القوى السياسية ترفض ذلك بوضوح، وربما يكون تغييره أحد أهم أسباب انفراج الأزمة الخانقة بين النظام والمعارضة، وما يسبب الدهشة أكثر، أن أعضاء حزبه (الحرية والعدالة) يرغبون فى ذلك أيضا بل ويطالبون بتغييره، ولم يشعروا بأى حرج وهم يصوبون سهامهم نحوه بشكل دائم ومتكرر، ولم يخجلوا من إعلان ذلك صراحة، وربما تكون هذه هى نقطة الاتفاق الوحيدة بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة، ومع ذلك يتمسك الرئيس به، ولم يترك فرصة أو مناسبة إلا وأعلن عن بقاء هشام قنديل فى موقعه، لكن عبر كل تصريحاته بتمسكه بهذا الرجل لم يذكر لنا أسباب التمسك به. فى المقابل، لم يبد الدكتور قنديل أو حكومته، حتى هذه اللحظة، أية أعمال كبرى تكشف عن «عظمته» أو «عظمة» حكومته، بل على العكس تماما لم نر خلال الشهور العشرة الماضية الا تعثرات واضحة لهذه الحكومة، وعجزها عن التصرف حيال أى أزمة سياسية، كما أن أعمالها تجاه الأزمة الاقتصادية تكشف عن عدم امتلاك أى رؤية لحل أى ملف من الملفات الموضوعة على أجندتها، بل على العكس تماما كان التخبط هو العنوان المميز لأدائها، إلى جانب أن السيد رئيس الوزراء لا يمتلك أية قدرات فى مخاطبة الرأى العام، بما تقتضيه متطلبات وظيفته، وفى معظم الأحيان كانت تصريحاته خارج أى نص مقبول أو معقول، وبالتالى تكونت له صورة شائهة هو وحكومته، وهو الأمر الذى يقتضى رحيلهم فى أقرب فرصة، وهو الأمر الذى يعاند فيه الرئيس، وحتى عندما بدى أنه سيتعامل مع الملف لجأ للطريقة التقليدية، بالإعلان عن تعديل وزارى يستهدف عدد محدود من الوزارات، والتعديل يعنى ان الدكتور هشام قنديل باق فى منصبه، وبالتالى فإن الحكومة المعدلة ستظل تحمل اسمه ايضا.
ورغم كل ذلك، ومن الأمانة أيضا، يجب أن نشير إلى أن هذه الحكومة لا تتحمل وحدها نتائجها السيئة، فهى حكومة بنت ظروف سياسية فاشلة، ولم يعتن الرئيس أو حزبه بتهيئة المناخ المناسب لها، أو إتاحة الفرص الحقيقية للتعبير عن فلسفتها أو رؤيتها، بل كانت الضغوط السياسية القاسية هى الحاكمة لأعمالها، فهى حكومة تنتمى لرئيس أتخذ كل القرارات التى أفسدت الجو العام (خاصة الإعلان الدستورى) وحزب كانت كل تحركاته معوقة للحكومة وقراراتها، وأحيانا صادمة لها ببيانات لم تصدرها المعارضة نفسها (تعديلات الضرائب) لذا من الانصاف ان نقول ان هذه الحكومة فاشلة، وهذا لا خلاف عليه، لكنها فى ذات اللحظة لا تتحمل وحدها صناعة هذا الفشل.
إذن، فحينما يتجدد الحديث عن تعديلات وزارية، فنحن لسنا بحاجة لأى وقت حتى نتأكد أن هذه التعديلات لن تفعل شيئا، وحتى لو تم استبدال الدكتور قنديل (وهذا لن يحدث ) فإن الأمور أيضا ستظل على ما هى عليه، لأن المشكلة فى سياسات الرئيس ونهج حزبه، وتصرفات جماعته، وهى السياسات والنهج والتصرفات التى يجب أن تتبدل إذا كان هناك من يرغب جادا وصادقا فى الاصلاح، لأن المشكلة بصراحة ليست فى الدكتور قنديل، لكن من يحرك الدكتور قنديل ويحرك المجالات السياسية التى تحوط عمل حكومته، فالمطلوب تغيير أو تعديل العقل الذى يغير ويعدل الحكومة، ولسنا فى حاجة للقول إن السياسة أفسدت الكثير خلال الفترة الماضية، ولابد من إفساح المجال للتكنوقراط لإدارة الأمور لحين الانتخابات البرلمانية، حيث ستكون الحكومة هى جائزة الفائز فى الانتخابات وفقا للدستور الجديد، وتلك قصة أخرى.