صدرت (الأعمال الكاريكاتيرية) لصلاح جاهين الأسبوع الجارى فى مجلدين يقعان فى 790 صفحة كبيرة القطع عن الهيئة المصرية العامة للكتاب بالتعاون مع مركز توثيق التراث الحضارى والطبيعى والجمعية المصرية للكاريكاتير وصمم الغلاف الفنان المصرى أحمد اللباد. وكما تكتسب قصائد وأغنيات شاعر العامية المصرى صلاح جاهين (1930-1986) أهميتها من صدقها وعفويتها وقدرتها على تجاوز الزمن الذى كتبت فيه فإن الكثير من رسومه الكاريكاتيرية، يبدو متجددا كأنه رسم ليسخر من قضايا حالية ويسلط ضوءا فنيا ساخرا على مفارقات سياسية واجتماعية.
ففى رسم يعبر عن اجتراء التلاميذ على مدرسين ممن يتنازلون عن كبريائهم العلمى ودورهم التربوى طمعا فى أموال ينالونها مقابل الدروس الخاصة التى يراها كثيرون أنها لا تليق بكرامة المدرس يرسم جاهين تلميذا يفتح باب البيت لزميله- وهو يشير إلى رجل يعاقب برفع يديه لأعلى بمحاذاة الجدار- قائلا "ده المدرس الخصوصى بتاعى.. أصله جه متأخر".
وفى رسم آخر تسقط دموع مدرس كبير السن وهو يشير إلى طفل يضع يديه فى وسطه باستعلاء فى فناء المدرسة ويقول المدرس شاكيا لشخص أمامه "والله العظيم ضربنى من غير ذنب " وينتقد جاهين "نظام الطبقات"، حيث يرسم شخصا متواضعا ينحنى وهو يقدم وردة لحبيبته التى تقيم فى قبو أدنى من مستوى الأرض فى حين يقف شاب ثرى فوق ظهر الشاب المنحنى ويقدم باقة ورد لحبيبته الواقفة فى نافذة أعلى.
وجاهين ظاهرة إبداعية كما وصفه معاصروه وكتب عنه الشاعر الفلسطينى محمود درويش (1941-2008) أنه "واحد من معالم مصر يدل عليها وتدل عليه، نايات البعيد وشقاء الأزقة ودفوف الأعياد. سخرية لا تجرح وقلب يسير على قدمين.. جاهين يجلس على ضفة النيل تمثالا من ضوء يعجن أسطورته من اليومى ولا يتوقف عن الضحك إلا لينكسر. يوزع نفسه فى نفوس كثيرة وينتشر فى كل فن ليعثر على الشعر فى اللا شعر. صلاح جاهين يأكل نفسه وينمو فى كل ظاهرة. ينمو لينفجر."
وأبدع جاهين فى أكثر من فن بما فى ذلك التمثيل وهو مؤلف قصيدة "والله زمان يا سلاحى" التى لحنها كمال الطويل وغنتها أم كلثوم وكانت النشيد الوطنى لمصر منذ عام 1956 الذى شهد العدوان الثلاثى الإسرائيلى- البريطانى- الفرنسى على البلاد حتى معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية 1979.
وتحت عنوان (إعادة قراءة تاريخ مصر) كتب الناقد المصرى أحمد مجاهد، رئيس مجلس إدارة الهيئة المصرية العامة للكتاب مقدمة عن مكانة جاهين فى مسيرة فن الكاريكاتير ودور هذا الفن فى قياس نبض المجتمع والرؤية الناقدة وهى "فنية منحازة للتاريخ".
وحمل المجلد الأول مقدمة لمصمم الكتب التشكيلى المصرى محيى الدين اللباد (1940-2010) سجل فيها أن جاهين بداية من عام 1956 فاجأ قراء مجلة (روزاليوسف) بكاريكاتير "جديد مختلف صادم مدهش ومبهج واكتشفت الأعين المتعطشة للجديد سياقا محكما يربط هذا العدد الكبير من الرسوم.. كان وراء هذه الرسوم عقل مثقف شديد الوعى بالمجتمع" مضيفا أن رسوم جاهين ارتبطت بأماكن يعرفها القراء ويألفونها مثل مكاتب موظفى الحكومة وعيادات الأطباء والمدارس والأسواق والمقاهى.