ابتسم الرئيس السابق محمد حسنى مبارك فى قفص محاكمته أمس، ولوح بيده وكأنه مايزال رئيسا، فشعر كل مؤيدى وأنصار ثورة 25 يناير على اختلاف انتماءاتهم بالقلق، والحزن والاسى، والألم. أظن فى هذه اللحظة توحدت مواقف الإسلاميين والليبراليين، وأعنى بهما المؤمنين حقيقة بالثورة، كما نفذها الشباب الأبرياء النبلاء.
من 25 يناير حتى 11 فبراير 2011 كان الجميع يدا واحدة، وعندما كانوا يخرجون هادرين بمظاهراتهم وهتافاتهم فى ميدان التحرير وسائر الميادين كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة يستجيب لهم فورا.
لولا هذا التوحد ما تم التحقيق مع مبارك، ولولاه ما تم وضعه فى القفص، ولولاه ما ظهر مبارك خائفا مرتعدا مرتعشا فى أول جلسة لمحاكمته فى أوائل اغسطس الماضى حينما رد مبارك على سؤال القاضى بارتعاد قائلا «افندم».
هذا التوحد فى المواقف بين قوى الثورة هو الذى كان يجعل علاء وجمال مبارك وسائر رجال مبارك متجهمين عابسين خائفين.
كان منتظرا بعد توحد غالبية قوى الثورة خلف مرشح الثورة وقتها الدكتور محمد مرسى أن تتحقق أهداف الثورة، ومن بينها القصاص للشهداء والتحقيق السريع مع الفاسدين والمجرمين.
الذى حدث باختصار أن شريكى الثورة انقسما لأسباب مختلفة، وجاء الإعلان الدستورى فى 21 نوفمبر الماضى، لينهى أى أمل فى التوحد.
هذا الإعلان الكارثى هو أفضل هدية لحسنى مبارك ونظامه وأعوانه، لأنه ببساطة منحهم قبلة الحياة بعد أن كادوا يموتون سياسيا تماما.
بعد هذا الإعلان تظاهر المعارضون له، ووجد أنصار مبارك وكل كارهى الثورة أنفسهم يتلقون أفضل جرعة أكسجين لم يحلموا بها، ومن عجب أن تجد البعض يلوم على المعارضة أنها تتظاهر مع أنصار مبارك ولا تلوم من تسبب فى توحد الطرفين المتناقضين.
محمد مرسى من حقه أن يحكم لأنه منتخب، لكنه ليس من حقه أن يضع ما يشاء من قرارات وقوانين غير دستورية.
وبغض النظر عن الأسباب فإن حصيلة الشهور التسعة من حكم الرئيس محمد مرسى أفرزت انقساما غير مسبوق فى الحياة السياسية لدرجة وصلت إلى مخاوف من حرب أهلية. هذه الحالة المسئول الاول عنها هو الرئيس باعتباره الحاكم.
عندما يتصادم الرئيس وجماعته مع القضاء والإعلام والأزهر والكنيسة وكل الأحزاب والمجتمع المدنى وبعض النقابات، ومع حزب النور السلفى، فمن الصعب القول إن الجماعة هى «الصح» والجميع على خطأ.
كان طبيعيا أن يتصادم الرئيس ويختلف مع بقايا نظام مبارك وكل الفلول، وكان من الطبيعى أن يقف معه وخلفه كل شركاء الثورة، حتى تستقر الأوضاع ونسير على الطريق الصحيح، وبعدها نختلف كما نشاء، لكن المشكلة أن الجماعة وبعد أن حصلت على منصب الرئيس، دخلت فى صدام مع كل أو غالبية قوى المجتمع.. وتلك كانت الثغرة التى نفذ منها الفلول.
ما كان مبارك ليبتسم لولا أنه شعر وأدرك أن مصر الآن ليست هى مصر التى أسقطته يوم 11 فبراير. وللأسف الشديد هناك من صار يترحم على أيام مبارك. والسؤال: من يتحمل مسئولية ذلك؟!.
الرئيس أولا ومعه الإخوان، وبعدهما المعارضة بكل أطيافها.
إذا كان الرئيس والجماعة عكسوا شعارهم وجعلوه «مغالبة لا مشاركة»، فإن المعارضة أو غالبيتها لم تقدم حلولا وبدائل خلاقة، وأصرت على لعبة «المعادلة الصفرية»، بمعنى أنها تريد الحكم فورا من دون ان تبذل جهدا، أو تريد انقلابا عسكريا، أو دمارا وخرابا اقتصاديا.
لو كنت مكان الرئيس والجماعة والمعارضة وسائر قوى الثورة لتأملت وتمعنت كثيرا فى مغزى ابتسامة مبارك وتلويحه الواثق والمنتصر،وهو على سرير السجن.