ما بين كرامة أهينت دون أسباب، وشحنات بضائع منعت من الدخول دون مبرر، وعمالة طردت دون ذنب، تعيش مدينة السلوم أزمة كبيرة مع ليبيا.. أزمة كرامة يحوم حولها شبح الكساد والخراب الاقتصادى، فى غيبة الدولة، التى باتت تنشغل بصراع سياسى بين الجماعة الحاكمة والمعارضة على حساب الكثير، وهو ما دفع أبناء مطروح لإعلان ما وصفوه ب«عصيان مدنى» لمنع مرور أى شاحنة ليبية أو دخول أى مواطن ليبى إلى مصر، كنوع من المعاملة بالمثل.. هكذا فعلوا معنا وهكذا نرد. قرار بالمنع
بطول 225 كم على الطريق الدولى الرابط بين مدينتى مرسى مطروح والسلوم، اصطفت شحنات البضائع المصرية وكساحات نقل السيارات الملاكى استعدادا للعودة مرة أخرى، بعد أن قررت السلطات الليبية منع دخول سائقى الشحنات والتباعين، إلا بعد الحصول على تأشيرة دخول.
السيد الطنحاى، سائق من محافظة الغربية، يقول اضطررت وزملائى لترك شاحناتنا بهضبة السلوم، واستأجرنا سيارات ملاكى، وتوجهنا إلى السفارة الليبية، للحصول على تأشيرات دخول، لكن فوجئنا برفض السفارة منحنا التأشيرات بزعم عدم وجود تعليمات بذلك من المجلس الانتقالى الليبى.
ويؤكد عزت محمد أبو الفتوح، سائق «شاحنة فوم» أن الجانب الليبى يصر على عدم دخول أية سلع من مصر إليهم، على الرغم من أن هذه البضائع كلها، متعاقد عليها بعقود رسمية وموثقة بين رجال أعمال ليبيين، ومصانع مصرية، ومدفوع ثمنها، وهو ما يزيد من قرار السلطات الليبية غموضا.
أمام محطة وقود بالطريق الدولى بجوار مدينة سيدى برانى، اصطفت عشرات الشاحنات تنتظر دورها كى تتزود بالسولار، الذى لم يعد يكفى كى تستطيع شاحنات البضائع استكمال رحلة العودة، وقال فارس جمال السيد، سائق شاحنة أدوات صحية إن ليبيا تستورد كل شىء تقريبا من مصر: خضرواات، ومواد غذائية، ومواد بناء وأدوات كهربائية، وسيارات ومفروشات، ومع ذلك اتخذت هذا القرار الغريب والمفاجئ.
بينما أكد زميله محمود على حسن، سائق شاحنة خضراوات، استطاع العبور ووصول مدينة درنة الليبية قبيل إصدار القرار، أن القرار صدر وهو داخل ليبيا، وأثر بشكل سريع حيث ارتفعت الأسعار بشكل جنونى فى المنطقة الشرقية «برقة»، وعلى الرغم من ذلك فإن السلطات الليبية مصرة على قرارها.
لجان حماية الكرامة المصرية
على بوابة دخول مدينة السلوم الحدودية يقف شباب من قبائل القطعان، والمعابدة، وأولاد على، يمنعون مرور أى سيارة ليبية إلى مصر، وأيضا منع أى شاحنة ليبية محملة بالبضائع المصرية من المغادرة إلى ليبيا، كرد فعل على موقف السلطات الليبية.
ويقول عبد العزيز حميد إبراهيم من أبناء مدينة السلوم إننا نسمح للأسر الليبية التى كانت فى مصر بالعودة إلى بلادها، لكن لا نسمح لهم بدخول مصر، ولم نتعرض لأحد بأى أذى كما نقلت بعض الفضائيات، موضحا أننا «اضطررنا لذلك كرد فعل طبيعى بعد ترحيل العشرات من العمالة المصرية من ليبيا بشكل مهين، على الرغم من دخولها بشكل قانونى وبتأشيرات رسمية صحيحة كما هو ثابت لدى أجهزة الأمن المصرية». وأضاف: «فقدنا الأمل فى أى رد فعل رسمى أو غير رسمى من القيادة السياسية المصرية».
بينما يتساءل هاشم أبو كحيف القطعانى، قائلا: «إلى متى ستظل مدينة السلوم تعتمد على حركة المسافرين الليبيين والعمل بالمنطقة الجمركية وقرارات السلطات الليبية؟، وأين المسئولون منا ومن كرامة الشعب المصرى؟ لماذا يتركون رقابنا فى أيدى من هم ليسوا أبناء وطننا؟»، وقال: «يجب أن يكون بمدينة السلوم مصنع أو مصنعان على أقل تقدير، وميناء صيد، ومنطقة سياحية، كى تعتمد على نفسها ولا تستجدى طعامها من دولة مجاورة».
أعلى هضبة السلوم المشهد لم يختلف كثيرً عن باقى المناطق الموجودة بأسفل الهضبة وبطول الطريق الدولى، حيث تقف شاحنات البضائع المصرية، ومن مختلف الجنسيات العربية، فى انتظار قرار العودة بناء على تعليمات الشركات التابعة لها أو السماح لها بالدخول إلى ليبيا، وهو ما أصبح شبه مستحيلا.
وقال مصدر أمنى رفيع المستوى بالمنطقة الجمركية الحدودية أن «مصر ليست لديها أية مشكلات مع ليبيا، إنما نحن كأمن موانى ننسق مع الجانب الليبى، أبلغنا من قبلهم بعدم السماح بمرور أى شخص إلا بتأشيرة مسبقة من السفارة الليبية، بما فى ذلك سائقى الشحنات»، مؤكدا أن «عدد الشحنات التى تم منع دخولها إلى ليبيا تتجاوز ال600 شاحنة، تحمل بضائع بقيمة 400 مليون جنيه مصرى، بالإضافة إلى ترحيل نحو 500 عامل مصرى».
وقال حسن حمدان، سائق من دولة الأردن، تحمل شاحنته شتلات زراعية مصدرة من دولة السعودية «انتظر بالمنفذ المصرى منذ 13 يوما، لأنهم يشترطون وجود تأشيرة دخول طبقا لتعليمات الجانب الليبى، وأتكبد كل يوم نحو 100 جنيه كمصاريف طعام فقط، فضلا عن غرامات التأخير والتى تصل فى الأسبوع الأول ل 650 جنيه، والأسبوع الثانى 1100 جنيه».
مدينة السلوم التى كانت تضج بالحركة والناس تحولت إلى مدينة تسكنها الأشباح بعد أن أغلق الكثير من المحال والمطاعم أبوابها، وغادرها كل من كان يعمل بها من باقى المحافظات.
واختلف المواطنون فى تفسير ما حدث، فربطه البعض بزيارة الرئيس الإيرانى أحمدى نجاد لمصر، مشيرين إلى أن مصر ستدفع ثمن تطبيع العلاقات مع إيران، وأن الشعب الليبى يرفض هذا التطبيع، بينما يرى البعض الآخر أن ليبيا لجأت إلى هذا القرار لتضييق الخناق على القطاع الشرقى بليبيا، والمعروف باسم إقليم «برقة»، الذى يطالب بالاستقلال عن ليبيا، والدخول معها فى فيدرالية، خاصة وأن كل اعضاء المجلس الانتقالى من محافظات الجانب الغربى.
المعاملة مطلب شعبى
فى الوقت نفسه رفض عمد ومشايخ القبائل بمطروح فى بيان رسمى لهم «كل ممارسات السلطات الليبية المخالفة للأعراف والمواثيق الدولية من انتهاكات يندى لها الجبين وتقشعر لها الأبدان»، وطالبوا المسئولين ب«ضرورة إيقاف إجراءات وصول المواطنين الليبيين إلى الأراضى المصرية، بسبب احتقان أبناء مطروح من المعاملة التى لاقوها فى الأيام الأخيرة، وذلك لحين الوصول إلى اتفاق يرضى الطرفيين، مع تشكيل لجنة تمثل جميع أطياف المجتمع عامة، وأبناء مطروح خاصة لإدارة تلك الأزمة والوقوف على حلها».