هناك أكثر من جواب عن هذا السؤال. فثمة مَن يدّعى أن التهديدات العسكرية الكلاسيكية قد تغيرت، الأمر الذى يفسح المجال أمام إسرائيل لتقديم التنازلات التى تطلبها منها الدول الأوروبية من أجل التوصل إلى تسوية دائمة مع الفلسطينيين. وتجدر الإشارة إلى أنه منذ سنة 1948، ارتكزت العقيدة العسكرية فى إسرائيل على قوة الجيش النظامى الصغير فى التصدى للتفوّق العددى لجيوش الدول المجاورة لها. ومن أجل هذا الهدف اعتمد الجيش الإسرائيلى على وحدات الاحتياطيين القادرة على أن تكون جاهزة ومنتشرة على طول الحدود خلال 48 ساعة. واليوم هناك مَن يدّعى أن انشغال جيوش بعض الدول المجاورة، مثل الجيش السورى، فى مواجهة الاضطرابات الداخلية أدى إلى تراجع الخطر التقليدى الذى يتهدد إسرائيل. لكن هل يعنى ذلك أن إسرائيل باتت قادرة على الانسحاب من المناطق (المحتلة) التى كانت تُعتبر فى الماضى ضرورية فى مقابل هذه التطورات؟ وهل من الممكن التفكير فى انسحاب إسرائيلى من وادى الأردن؟
•••
ممّا لا شك فيه أن مثل هذا الاستنتاج يفتقر إلى المسئولية، وذلك لعدة أسباب:
أولا، أنه من المتوقع مستقبلا أن تقوم الدول العربية بتحسين قدراتها العسكرية التقليدية وذلك بعد هدوء العواصف الداخلية. فمنذ الآن، لا تتردد مصر فى أن تطلب من الولاياتالمتحدة إعطاءها 200 دبابة من طراز أبرامز من أجل تعزيز قواتها المدرعة، وستحذو الدول الأُخرى حذوها. وفى نهاية الأمر، فإن الأمر الذى يحسم القتال فى ساحة المعركة ما زال هو القدرة على المناورة وتحريك القوات البرية، وليس فقط قوة النيران.
ثانيا، على المدى المباشر تتعرض إسرائيل لخطر برى جديد من جانب تنظيمات إرهابية تتمتع بميزات الجيوش النظامية. ففى مايو 2011 أشار روبرت جيتس وزير الدفاع الأمريكى السابق إلى أن كميات الصواريخ التى يملكها حزب الله أكبر من تلك الموجودة لدى كثير من الدول. كما أن القوة التدميرية للتنظيمات الإرهابية ازدادت بصورة كبيرة فى أعقاب شراء هذه التنظيمات صواريخ كتف المضادة للطائرات، وصواريخ بر - بحر، ومواد ناسفة متطورة ذات قدرة تدميرية أكبر كثيرا ممّا كانت تملكه فى الماضى.
لذا، يتعين على إسرائيل أن تقيم حاجزا جغرافيا فى مواجهة الخطر الجديد الذى تمثله التنظيمات الإرهابية، من أجل منع تهريب السلاح المتطور، ومنع التسلل إلى المراكز السكانية الإسرائيلية. وفى حال استطاعت هذه التنظيمات الحصول على أسلحة دمار شامل، وهو تخوّف مطروح اليوم فى ظل الأزمة فى سوريا، فإن إسرائيل ستضطر إلى إحكام سدّ حدودها بصورة أكبر من السابق.
وفى الواقع، فقد باتت القدرات الجديدة للتنظيمات الإرهابية الدولية فى الشرق الأوسط تشكل تحديا حتى بالنسبة إلى الجيوش النظامية فى دول المنطقة.
فالجيش المصرى يحارب القاعدة فى سيناء، والجيش السورى يتلقّى هزيمة تلو الأُخرى على يد أتباع القاعدة مثل «جبهة النصرة». وباختصار، فإن تبدّل البيئة العسكرية فى الشرق الأوسط يشكل تحديا بالنسبة إلى إسرائيل، ومن شأنه أن يؤثر فى الطريقة التى ستتعامل فيها مع مسألة حدودها المستقبلية.
وإزاء هذا الواقع السياسى، فإن إسرائيل تجد نفسها أمام احتمالين: إمّا أن تستسلم وتقبل بالتنازلات التى تطلب أوروبا من إدارة أوباما فرضها على إسرائيل، غير أن خطوة من هذا النوع ستعرّض سكان إسرائيل لخطر لا يمكن لأى حكومة مسئولة القبول به، وإمّا أن تقول إسرائيل إنه فى ظل حالة عدم اليقين التى تسود المنطقة فإن الوقت لا يصلح للمبادرات السياسية.
•••
وعلى الرغم من ذلك، فإن فى إمكان إسرائيل أن تُبدى استعدادها لطرح مبادرة سلام مع الفلسطينيين، ما دامت هذه المبادرة لا تعرّض مصالحها الأمنية الأساسية للخطر، لا بل على العكس تساهم فى تقويتها. وعلى الطرفين (الفلسطينى والإسرائيلى) التطلع إلى التوصل إلى التفاهم على الموضوعات التى يمكن الاتفاق عليها، وترك المسائل المعقدة إلى وقت آخر.