فجّر المستشار أحمد سلام، وكيل إدارة التشريع بوزارة العدل، المتحدث الرسمي بوزارة العدل، مفاجأة حين أكد أنه لا يوجد ما يسمى ب«نيابة حماية الثورة»، مشيرًا إلى أنه بإلغاء الإعلان الدستوري، الذي أصدره الرئيس محمد مرسي، في 21 نوفمبر الماضي، لم يُعد لمثل هذه النيابة محل أو سند في الدستور. كما أكد أن إنشاء أية نيابة هو من اختصاص وزير العدل، فيما شدد على أن النائب العام انتدب رؤساء ووكلاء نيابات، للتحقيق في الأدلة، التي تضمنها تقرير تقصي الحقائق في وقائع قتل المتظاهرين.
سبق أن أعلنت أنه لا يجوز إنشاء نيابة للثورة.. هل الأمر يتعلق باعتراضك على النيابات الاستثنائية أم له أبعاد دستورية؟
بإلغاء الإعلان الدستوري الصادر من الرئيس محمد مرسي، في الثامن من ديسمبر الماضي، وما ترتب عليه من إلغاء الإعلان الدستوري الصادر في 21 نوفمبر الماضي، أصبحت "نيابة الثورة" لا محل لها ولا سند لها من الدستور، ولا يجوز إنشاء نيابة إلا بمقتضى قرار يصدر من وزير العدل، وفقًا للقانون، ولم يصدر أي قرار وزاري بإنشاء أية نيابة للثورة أو غيرها، هذا من الناحية القانونية، أما على المستوى الشخصي فأرى عدم جواز وجود أية نيابات استثنائية أو محاكم استثنائية.
لكن النائب العام أعلن عن إنشاء نيابة حماية الثورة ؟
هذا الأمر غير دقيق، وتناولته وسائل الإعلام بطريقة خاطئة، ولا أعتقد أن النائب العام أصدر قرارًا بذلك، وفى ظني أن كل ما حدث هو أنه انتدب 20 من وكلاء النيابة ورؤسائها، للتحقيق في وقائع معينة، وهو أمر جائز قانونًا وفقًا لقانون الإجراءات الجنائية، وهذا لا يعني إنشاء نيابة متخصصة، والأمر يقتصر فقط على التحقيق في كل وقائع قتل الثوار، بدءًا من أحداث ثورة 25 يناير وحتى 30 يونيو الماضي، والتي يشملها تقرير لجنة تقصي الحقائق.
سجلت اعتراضك على تعيين النائب العام المستشار طلعت إبراهيم.. فكيف ترى حل الأزمة؟
عندما أصدر الرئيس محمد مرسي الإعلان الدستوري، اعترضت عليه مع كثير من الزملاء، وأصدرنا بيانًا تلاه رئيس نادي القضاة في اجتماع بدار القضاء العالي، فهو أمر لا يجوز لأي قاضٍ السكوت عنه أو التغاضي عن المساس باستقلال السلطة القضائية، فقد تضمن هذا الإعلان، عزل النائب العام السابق، فضلا عن تحصين القرارات الإدارية من الطعن عليها، وكذلك إنشاء ما سمى بنيابة الثورة، وقد تزامن مع هذا الإعلان قرار بتعيين النائب العام الجديد، وهو من الناحية القانونية البحتة يتفق مع المادة 119 من قانون السلطة القضائية، ولكن الإجراءات السابقة عليه وما أحاط بها من ملابسات، أمر لا يليق من الناحية الشكلية.
وأزمة النائب العام الجديد لا تزال محل مداولات ومشاورات بين أطراف الأزمة، أي بين المجلس الأعلى للقضاء ووزير العدل ونادي القضاة والنائب العام ووكلاء النيابة العامة، للوصول إلى حل بما يتفق مع قيم وتقاليد القضاء، التي تحتم أن تكون المداولات سرية بعيدًا عن وسائل الإعلام.
هل ترى أن نادي قضاة مصر برئاسة المستشار أحمد الزند تورط في السياسة؟
ليس لدىَّ تعليق، لكن أؤكد أنه لا يجوز لأي قاضٍ أن يعمل بالسياسة، كما لا يجوز لأي سياسي حضور مداولات القضاة أو جمعياتهم العمومية، ومن ثم فإن دعوتهم في جلسات التصويت على قرارات يتخذها القضاة، أمر يستوجب على كل القضاة التأمل فيه، وبحث ودراسة آثاره وعواقبه.
وزارة العدل طرحت مشروع قانون حرية تداول المعلومات على الرأي العام بشكل مفاجئ، فلماذا لم يتم التشاور مع المختصين قبل إعداده؟ مبدئيًا يجب أن أوضح أن وزارة العدل ليست السلطة التشريعية، وما طرح من أفكار لكفالة حرية المواطنين في الحصول على المعلومات والوثائق، استمعنا لبعض الانتقادات بشأن تشكيل المجلس الأعلى للمعلومات والبيانات، ووجدناها جديرة بالاهتمام، ونجرى حاليًا إعادة تشكيل المجلس، بما يلقى رضا وقبول الشعب المصري.
ومن بين التعديلات؛ ما يتعلق بالحد من اختصاصات رئيس الجمهورية، بعد انتقادات عدد من الإعلاميين لطريقة تشكيل أعضاء المجلس، البالغ عددهم 15 عضوًا، فالمشروع كان يتيح لرئيس الجمهورية تعيين 3 أعضاء بالمجلس، أما التعديلات فتتيح له أن يختار عضوًا واحدًا.
هل استعانت الوزارة بخبرات أجنبية لتقديم الصيغة الأولية لمشروع القانون؟
استعانت اللجنة بخبير في مجال حرية تداول المعلومات والوثائق، هو البروفيسور الكندي توبي ميندل، الذي أجرى دراسات عديدة في هذا الشأن، وساعد ما يقرب من 60 دولة في تشريعاتها الخاصة بحرية تداول المعلومات، وممارسة حرية التعبير على وجه العموم.
وماذا عن مشروع قانون إنشاء المجلس الوطني للإعلام؟
الأولوية في المرحلة المقبلة هي إعداد مشروعات بقوانين، أوجب الدستور الجديد صدورها، وأبرزها المجلس الوطني للإعلام والمفوضية الوطنية للانتخابات ومجلس الدفاع الوطني ومجلس الأمن القومي والمفوضية الوطنية لمكافحة الفساد ومنع تضارب المصالح، ولن يتم التطرق إلى أي من تلك المشروعات إلا بعد البحث والدراسة والاطلاع على تجارب الدول الديمقراطية، التي سبقتنا في هذه المجالات، ثم سنطرحها على الحوار المجتمعي، والاستماع الى آراء المختصين والمهتمين للوصول إلى أفضل النماذج.
ولماذا تم الانتهاء من قانون التظاهر تزامنًا مع الاحتفال بالذكرى الثانية لثورة يناير؟
قانون التظاهر لم يتم الانتهاء منه، وإن كل ما أثير في الإعلام منذ ساعات مجرد أفكار وخواطر، طرحتها إدارة التشريع بوزارة العدل، كمسودة أولية لإجراء نقاش مجتمعي حولها.
مبارك وهدايا الأهرام
نيابة الأموال العامة كانت تُحقّق في قضية الهدايا، التي منحها مسئولو مؤسسة الأهرام الصحفية لرموز النظام السابق منذ فترة طويلة، لذا أرى أن النيابة لها الحق في فتح التحقيق مع أي متهم في أي قضية، في الوقت المناسب الذي يخدم سير التحقيقات في النهاية. لذا لا أرى ربطًا بين حبس مبارك في قضية هدايا الأهرام قبل ساعات من قبول الطعن في قتل الثوار.
من مواد مشروع قانون التظاهر
وجوب إخطار وزارة الداخلية بموعد المظاهرة وخط سيرها قبل موعدها بخمسة أيام، ومنح الشرطة حق استخدام القوة بما يزيد على طلقات الخرطوش في الهواء تجاه المظاهرات التخريبية، ويجوز لوزير الداخلية أو مدير الأمن المختص، الاعتراض على المظاهرة بطلب يقدم إلى قاضي الأمور الوقتية بإلغائها أو إرجائها أو نقلها لمكان أو خط سير آخر متى وجدت أسباب جوهرية لذلك، على أن يصدر قاضي الأمور الوقتية قرارًا مسببًا بذلك على وجه السرعة، ومنع المشروع المتظاهرين من ارتداء الأقنعة أو الأغطية التي تخفي ملامح الوجه أو الكتابة أو الرسم بالألوان أو الطباشير أو بأية مادة أخرى على الممتلكات العامة أو الخاصة، أو التظاهر في المناطق السكنية بعد الساعة ال11 مساء، ومنع المنتقبات من التظاهر.
كيف يحقق أي حزب أو جماعة أو منظمة أهدافه السياسية؟
الإجابة بسيطة: عبر الوصول إلى المواطنين وإقناعهم ببرنامجه، ثم يتحول هذا الاقتناع إلى أصوات يتم ترجمتها إلى مقاعد في البرلمان، ثم يصل الحزب إلى الحكم لتطبيق البرنامج، هذا هو الأمر الطبيعي في الديمقراطيات المستقرة، التي يلتزم جميع فرقائها بقواعد وآليات سلمية محددة، لإدارة الخلاف السياسي.
لكن هل الانتخابات هي الطريق الوحيد لتحقيق الأهداف؟
«لا» سواء كان المجتمع مستقرًا أو حتى في مرحلة تحول مثلما هو حالنا الآن، ففي كل المجتمعات الديمقراطية نرى أشكالا احتجاجية متنوعة من مظاهرات إلى اعتصامات إلى إضرابات عن العمل وعن الطعام، لتحقيق الأهداف، لكن شرط أن يتم ذلك بالقانون.
حسني مبارك سد كل منافذ وأبواب التطور الديمقراطي وتداول السلطة، وارتكب نظامه الخطأ الأكبر بتزوير الانتخابات في 2010، فكانت النتيجة أن الشعب كفر بهذه التجربة، وقرر إسقاطه بوسائل أخرى، وهو ما حدث بالفعل في 11 فبراير 2011.
منذ سقوط مبارك وحتى تولى محمد مرسي الحكم في أول يوليو 2012، استخدمت كل القوى السياسية، وفي مقدمتها الإخوان والسلفيين الوسائل الاحتجاجية، لتحقيق مطالب سياسية، خصوصًا للضغط على المجلس العسكري، لإعلان فوز مرسي بالرئاسة.
قبل هذا الحدث، فإن غالبية القرارات المهمة التي اتخذها المجلس العسكري كانت استجابة لضغوط المظاهرات من أول إعلان موعد خروجه من الحكم إلى تحديد موعد الانتخابات نهاية بإلغاء الطوارئ، مرورًا بقرارات مهمة كان يتخذها ليلة الخميس قبل ساعات من مظاهرات الجمعة، خصوصًا تحويل مبارك ورموز حكمه للمحاكمة.
ولماذا نذهب بعيدًا ونحن لدينا تجارب قريبة جدا؟
إلغاء الإعلان الدستوري الذي أصدره مرسي وبدء الحوار الوطني، لم يكن ليتم لولا المظاهرات، وأخيرًا فإنه من دون مظاهرات الجمعة الماضية لم يكن الرئيس محمد مرسي ليقرر الدعوة مرة ثانية للحوار الوطني، خصوصًا بعد انقلاب جماعة الإخوان على نتائج هذا الحوار، ويعلن استعداده لتعديل قانون الانتخابات، وتعديل بعض مواد الدستور.
السؤال الجوهري: هل استجابة الرئيس مرسي وأهل الحكم لبعض المطالب المرفوعة في المظاهرات يسيء للرئيس أو لجماعته؟!
قطعًا لا، وعلى الرئيس وجماعة الإخوان وكل أنصارها خصوصًا أصحاب النظرة الأحادية الضيقة التفكير بهدوء كي يكتشفوا أن تلك هي قواعد اللعبة الديمقراطية في أي مكان بالعالم، جميع أشكال الاحتجاجات هي جزء أصيل من أية عملية ديمقراطية مادامت منظمة وقانونية.
ولا يعقل أن تكون الاحتجاجات والمظاهرات طيبة ومقبولة، ولا تعطل المرور أو الإنتاج إذا نفذها التيار الإسلامي أمام جامعة القاهرة ومدينة الإنتاج الإعلامي والمحكمة الدستورية ورابعة العدوية وميدان التحرير، ثم تصبح كارثية ومدفوعة وممولة من الداخل والخارج إذا فعلها الخصوم!.
مرة أخرى جوهر الأمر ليس هو المظاهرات أو الاحتجاجات بل هو إحساس كل قوى المعارضة، بل وبعض السلفيين أن الإخوان يريدون «التكويش» على كل البلد، إذا كان الإخوان لا يريدون ذلك فالمطلوب خطوات عملية تثبت حسن نيتهم. والحل الجوهري أن يطبقوا عمليًا مقولة «مشاركة لا مغالبة»، وهذا هو الأهم ما داموا في الحكم فعليهم التعود على الانتقادات والمظاهرات والهتافات المعارضة في إطار القانون.
تلك هي ضريبة الديمقراطية، لأن البديل أن يقمع الإخوان تلك الاحتجاجات وينفردوا بالحكم، ويحظروا المعارضة فتتحول إلى سرية، ومعلوم لديهم أن تلك الوصفة تم تجريبها وفشلت.