أمين عام حزب الاتحاد: الحوار هو الحل الوحيد لأزمة الإيجار القديم    مصر تعيد استكشاف الفضاء وتطوير البنية التحتية للأقمار الصناعية    تعاون بين «البحيرة» و «الروتاري» لإقامة مدرسة تعليم فني صناعي    انطلاق مبادرة «التدريب من أجل التشغيل» بالإسماعيلية    البنك المركزي:1.27 تريليون جنيه حجم النقود المتداولة في السوق    مصير جثمان يحيي السنوار بعد احتجازه لدى إسرائيل    غارة إسرائيلية جديدة تستهدف الشويفات بالضاحية الجنوبية للبنان    جدل بشأن دخول كوريا الشمالية على خط الصراع الروسي الأوكراني.. وفرنسا تحذر    ملخص وأهداف مباراة توتنهام ضد وست هام في الدوري الإنجليزي    دبلوماسية أمريكية سابقة: استهداف منزل «نتنياهو» رسالة من حزب الله لإسرائيل    جدول مباريات سموحة في الدوري المصري الممتاز    تصنيف منتخب مصر الجديد في فيفا.. مفاجأة ل حسام حسن في الترتيب    براءة إمام عاشور من تهمة التعدي على فرد أمن في الشيخ زايد    حالة الطقس غدا.. «الأرصاد» تكشف عن سقوط أمطار غزيرة بهذه المناطق    «الداخلية»: ضبط لص متخصص في سرقة عدادات المياه بالقاهرة    تامر حسني بعد وقف حفله بالإسكندرية بسبب الإغماء: «واثق إنه غير مقصود»    آية سماحة تنشر صورة نادرة رفقة شقيقتها وتوجه لها رسالة في عيد ميلادها    خبير: لقاء الرئيس السيسى مع أعضاء مجلسى الكونجرس يوحد المواقف الإقليمية    جيش الاحتلال: مقتل جنديين وإصابة ضابطين بجروح خطيرة في معارك بشمال قطاع غزة    محمد أنور يكشف تفاصيل أخطر مشهد خلال تصوير مسلسل ديبو    أمين «البحوث الإسلامية»: شرف العمل الدعوي يتطلب الإخلاص    تكريم 300 طفل وطفلة.. مسيرة حاشدة لحفظة القرآن الكريم بالمنيا | صور    تقديم 125 مليون خدمة طبية بحملة 100 يوم صحة حتى الآن    نائباً عن السيسي.. وزير الأوقاف يصل إندونيسيا للمشاركة في حفل تنصيب الرئيس الإندونيسي الجديد    "الستات مايعرفوش يكدبوا" يرصد مواصلة حياة كريمة تقديم خدماتها للعام الخامس    استعدوا لتقلبات حادة في الطقس.. أمطار تضرب هذه المناطق خلال ساعات وتحذيرات عاجلة    رمضان عبد المعز: أعظم نعمة من ربنا على الإنسان الإيمان ثم العافية    المؤبد و المشدد 15 سنة لشخصين تاجرا في المواد المخدرة بالخانكة    في تصنيف QS Arab Region.."طنطا"تحتل المركز 78 من بين 246 جامعة مصنفة    وزير الشباب يضع حجر الأساس للمدرسة الرياضية الدولية بالمركز الدولي للتنمية بالغردقة    رئيس مركز باريس بالوادي الجديد يوجه بانشاء رامب لخدمة المرضى    وزير الكهرباء: من طلبوا تركيب العداد الكودي قبل شهر أغسطس ليسوا مخالفين    مدبولي: استثمارات العام المقبل موجهة ل«حياة كريمة»    حكم قضائي جديد ضد "سائق أوبر" في قضية "فتاة التجمع"    الاتحاد الأوروبي: اغتيال السنوار يزيد فرص وقف إطلاق النار في الشرق الأوسط    رغم امتلاء بحيرة سد النهضة، إثيوبيا تواصل تعنتها وتخفض تدفق المياه من المفيض    وزيرة التنمية المحلية: النهوض بموظفي المحليات ورفع مهاراتهم لجذب الاستثمارات    المشاط تلتقي المدير الإقليمي للبنك الدولي لمناقشة تطورات المشروعات والبرامج الجاري تنفيذها    رسالة أسبوع القاهرة للمياه: الماء حق لكل إنسان.. و"سد النهضة" انتهاك للقانون الدولي    "صناع الخير" تدعم صحة أطفال مدارس زفتى في حملة "إيد واحدة لمصر"    عميد طب الأزهر بأسيوط: الإخلاص والعمل بروح الفريق سر نجاحنا وتألقنا في المنظومة الصحية    جهاز العاشر من رمضان يطرح قطعة أرض ومحطة تموين سيارات في مزاد علني    فعاليات فنية عن تاريخ مصر الفرعوني والثقافي ببوليفيا    بيولي: حققنا الأهم أمام الشباب.. ولا نملك الوقت للراحة    مدبولي: تطوير مستشفيات المنيا قبل الانضمام لمنظومة التأمين الصحي الشامل    بقصد الاستثمار بالبورصة.. التحقيق مع موظف بالنصب على مواطن في الشيخ زايد    «آثار أبوسمبل» تستعد للاحتفال بتعامد الشمس على وجه رمسيس الثاني    «الداخلية»: ضبط تشكيل عصابي تخصص في تقليد العملات وترويجها    تعرف على قيمة الجوائز المالية لبطولة كأس السوبر المصري للأبطال    التصرف الشرعي لمسافر أدرك صلاة الجماعة خلف إمام يصلي 4 ركعات    تشكيل اتحاد جدة المتوقع أمام القادسية.. بنزيما يقود الهجوم    لأول مرة.. فيرجسون يكشف سر رحيله عن مانشستر يونايتد    تطورات جديدة بشأن مستقبل جافي مع برشلونة    مات بطل| تعليق الإعلامي عمرو أديب على مشهد نهاية السنوار    ليلة لا تُنسى.. ياسين التهامي يقدم وصلة إنشادية مبهرة في مولد السيد البدوي -فيديو وصور    جميل عفيفي: تطابق وجهات النظر المصرية والسعودية في كل قضايا المنطقة    تامر عاشور ومدحت صالح.. تفاصيل الليلة الثامنة من فعاليات مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية    أفضل 7 أدعية قبل النوم.. تغفر ذنوبك وتحميك من كل شر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مستقبل الاقتصاد المصرى
نشر في الشروق الجديد يوم 26 - 01 - 2013

من يُرد أن يتنبأ بمستقبل الاقتصاد المصرى، لابد أن يستعيد ما حدث فى الماضى. صحيح أن التاريخ لا يعيد نفسه، ولكننا يجب أن نستفيد منه. بل يكاد أن يكون من المستحيل أن نتنبأ بأى شىء إذا لم تكن لنا أى معرفة بالتاريخ. لقد لخص رجل حكيم وظريف الرأى الصحيح فى هذا الأمر بقوله «التاريخ لا يكرر نفس النغمة، ولكنه أيضا لا يأتى بنغمة شاذة!» «It Rhymes».

بناء على ذلك، عندما سألت نفسى عما يمكن أن ينتج عن الأزمة (أو المحنة) الاقتصادية الحادة التى تمر بها مصر الآن، استرجعت ما يمكن أن تكون مصر قد مرت به من أزمات مشابهة خلال الخمسين عاما الماضية، فوجدت ثلاثا: الأزمة التى حلت فى أعقاب الهزيمة العسكرية فى 1967، وأزمة شديدة فى النقد الأجنبى فى منتصف عهد السادات (74/1975)، ثم العجز عن سداد الديون الخارجية فى موعدها فى 86/1987. كان لكل أزمة من هذه الأزمات الثلاث ظروفها وأسبابها الخاصة، كما أن لأزمتنا الحالية ظروفها الخاصة، ومع ذلك، فإن هناك درسا مهما يمكن استخلاصه من الأزمات السابقة مما يسمح لنا بتوقع بعض الأشياء فيما يتعلق بأزمتنا الحالية.

•••

كانت أزمة الستينيات نتيجة مباشرة للهزيمة. أُغلقت قناة السويس، فتوقفت الإيرادات التى كانت تأتى منها، وجف مورد السياحة، ووقعت آبار البترول فى سيناء فى يد إسرائيل، وكانت المعونات الآتية من الغرب قد توقفت فى نفس السنة التى وقعت فيها الحرب، ناهيك عن الحاجة إلى إعادة تأهيل القوات المسلحة، وإعادة توطين المهاجرين من مدن القناة الثلاث.

كانت أزمة منتصف السبعينيات نتيجة حدوث تطور غير متوقع فى الأسعار العالمية للقمح، فى ظل ظروف اقتصادية سيئة فى الداخل. إذ ارتفعت أسعار القمح الذى تعتمد مصر على استيراد معظم ما تستهلكه منه، ارتفاعا شديدا، بسبب نقص كبير فى الإنتاج السوفييتى، وقيام الاتحاد السوفييتى بشراء كمية كبيرة من القمح فى السوق العالمية. أما أزمة الثمانينيات فكانت نتيجة تراكم الديون الخارجية فى عهد السادات، وإلى درجة أقل فى السنوات الخمس الأولى من عهد مبارك، وكانت ديونا ذات أسعار فائدة باهظة، ولم تكن قد استخدمت استخداما يولد عائدا كافيا يمكن مصر من سداد الأقساط ودفع الفوائد.

أما الأزمة الاقتصادية الراهنة فتكاد أن تكون أسبابها كلها سياسية: تدهور حالة الأمن وفقدان الاستقرار السياسى أضرا بالسياحة والاستثمار المحلى والأجنبى، والنقل والمواصلات، ومن ثم الإنتاج والعمالة ومعدل النمو.. الخ

•••

الأسباب مختلفة جدا، كما ترى، بين أزمة وأخرى، ولكن انظر كيف كان خروج مصر من الأزمات الثلاث السابقة كلها بسبب تدخل خارجى. كان الخروج من أزمة الستينيات عن طريق اتفاقية الخرطوم (1968) التى حصلت مصر بمقتضاها على معونات سخية من دول البترول العربية. أما أزمة منتصف السبعينيات فكان الخروج منها بعودة المعونات الغربية، وعلى الأخص من الولايات المتحدة، وارتفاع أسعار البترول الذى فتح الباب أمام المصريين للهجرة إلى الدول العربية الغنية به، وأما أزمة 86/1987 فكان حلها باللجوء إلى نادى باريس، حيث أعيدت جدولة الديون المصرية، ثم بقيام الولايات المتحدة فى 1990 بإعفاء مصر من نصف الديون المستحقة لها.

الخروج من الأزمات الثلاث كان دائما بأيد خارجية، وهو ما يمكن تفسيره ببساطة بأنه ليس من مصلحة القوى الخارجية ذات الشأن (بما فى ذلك الدول العربية الغنية) أن تُترك مصر لتغرق تحت وطأة أعبائها الاقتصادية.

مصر فى نظرهم أهم من ذلك، لأسباب لا نحتاج للخوض فيها، ولكن مصر أيضا دولة أشد خطرا من أن تُترك وشأنها لتمارس إرادتها المستقلة، وتعتمد على نفسها، للنهوض من عثرتها، وذلك لأسباب معروفة ولا حاجة أيضا للخوض فيها.

هكذا كان خروج مصر من الأزمات الثلاث السابقة، فالأرجح أن يكون هذا هو المخرج من أزمتنا الحالية أيضا.

سوف يكون المخرج هذه المرة أيضا بأيد خارجية، لا لأن مصر ليس لديها من الموارد المادية والبشرية ما يمكنها من الاعتماد على نفسها، ولكن لأنها حتى الآن لم يتوافر لها القيادة القوية والحكيمة التى تمكنها من ذلك. هكذا إذن يجب أن نقرأ هذه التحركات المستمرة جيئة وذهابا، لمسئولى صندوق النقد الدولى، والإدارة الأمريكية، ودول البترول العربية، منذ أن استحكمت الأزمة الاقتصادية الحالية فى مصر. مصر يجب ألا تُترك للغرق، ولابد من أن يلقى إليها بحبل النجاة، ولكنها أيضا يجب ألا تُترك حتى تكتشف وحدها كيف تنقذ نفسها.

•••

ولكن ياليت الأمر يقتصر على ذلك: خطر الغرق ثم الإنقاذ من الخارج فى اللحظة المناسبة. فى كل حالة من الحالات السابقة كان للإنقاذ ثمن، بل وثمن باهظ، سياسى واقتصادى. ولابد أن نتوقع الأمر نفسه فى هذه المرة أيضا، مادمنا لانزال نفتقد القيادة القوية والحكيمة التى تحاول ممارسة حرية الإرادة.

فى الأزمة الاقتصادية التى ترتبت على هزيمة 1967، كان الثمن الذى دفعته مصر لانتشالها من الغرق هو أن تهجر إلى الأبد أى حديث عن القومية العربية والوحدة، وأن تترك نظم الحكم فى بلاد البترول وشأنها، وتنصرف لأمورها الخاصة.

وفى أزمة 74/1975 كان الثمن السياسى الفادح هو إبرام صلح غير مشرف مع إسرائيل، وفى معزل عن الدول العربية الأخرى. ولكن كان هناك أيضا ثمن اقتصادى، هو الانفتاح الاقتصادى على الغرب، بسلعه ورءوس أمواله، وهى السياسة التى طبقت بحماقة بالغة استحقت بسببه وصف «الانفتاح سداح مداح».

أما أزمة 86/1987 فكان ثمن الإنقاذ فيها توقيع اتفاقية 1991 مع صندوق النقد الدولى لتطبيق ما عرف «بالتكيف الهيكلى»، ويتضمن السير قدما فى طريق الخصخصة، أى بيع القطاع العام، وتحرير الأسعار، بما يتطلبه ذلك من تخفيض شديد فى الدعم وتخفيض سعر الصرف.

ما الثمن الذى سوف يطلب منا هذه المرة لإنقاذنا من الأزمة الاقتصادية التى تولدت من سوء إدارة البلاد خلال السنتين الماضيتين والتاليتين لثورة 25 يناير؟

كنت أظن فى البداية عندما سمعنا عن استعداد صندوق النقد الدولى لتقديم قرض (دون أن يقال لنا أى شىء عن شروطه) أن الشروط لن تزيد عن مزيد من تخفيض الدعم وتخفيض جديد لسعر الصرف. وقلت لنفسى إنه ليس من الصعب على الحكومة، حتى فى ظروفها الراهنة، التخفيف من ضغط الصندوق علينا فيما يتعلق بتحديد مقدار التخفيض فى الدعم، وما يشمله وما لا يشمله من سلع، ومقدار التخفيض فى سعر الصرف. ولكننا فوجئنا بشىء اسمه «الصكوك الإسلامية»، يُطرح علينا دون مقدمات، ويوافق عليه مجلس الوزراء دون نقاش، ويعرض على الأزهر لإقراره وكأن المسألة دينية، ثم يعرض على مجلس الشورى لإصداره دون انتظار لمجئ مجلس الشعب المنتخب. ما كل هذا الاستعجال؟ ولماذا هذا الحرص على إسباغ رداء الدين عليه؟ هل فشلت تسمية صكوك محمود محيى الدين «الشعبية»، فأطلق عليها اسم أقوى هو «الصكوك الإسلامية»؟ وما كل هذا الغموض فى نصوصه، والتقصير فى شرحه وتوضيح الغرض منه؟ هل هذا القانون هو يا ترى جزء مهم من الثمن الذى يُطلب من مصر أن تدفعه الآن لانتشالها من الغرق؟ بيع مشين لبعض المرافق العامة الحيوية التى يجب أن تظل فى يد الدولة، تحت غطاء من تمييز سخيف بين ملكية الدولة العامة وملكية الدولة الخاصة؟

هل وصل الأمر إذن إلى هذا الحد؟ وهل يمكن أن يكون قد رُؤى من المفيد أن تقوم بهذه المهمة حكومة تنسب نفسها إلى الدين؟ وهل يسمح الدين حقا، أى دين، باستخدام مثل هذه الحيل والألاعيب؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.