إنها إحدى أقدم وأشهر أسواق الملابس الرخيصة في مصر.. تسميتها ترجع لتجمع تجار البلح القادمين من أسوان والأقصر ورشيد وسيوة لبيع محاصيلهم خاصة خلال شهر. ولأن تجارة البلح موسمية فقد كانت تغلق المحال طوال العام لينتقل التجار باقي العام إلى أسواق أخرى كأسواق الخضراوات وغيرها لبيع بضاعتهم.
وتدريجيًا بدأ تجار الأقمشة والملابس يتوافدون عليها للبيع، ومنذ ذلك الحين وحتى الآن استقر الوضع على سوق الملابس الرخيصة والمستعملة .. إنها «وكالة البلح».
من المتعارف عليه أن شارع الوكالة يقع فى منطقة بولاق أبو العلا، بالقرب من شارع كورنيش النيل بمحافظة القاهرة، وهذا السوق قريب جدًا من منطقة الزمالك وميدان الإسعاف .
هذه المنطقة القريبة لم تعد قريبة، ولكنها دخلت جغرافيًا ضمن نطاق شارع الوكالة بعد الثورة تدريجيًا؛ فبمجرد وصولك لكوبري الزمالك لا يستطيع نظرك أن يحصي الكم الهائل من "استندات" الملابس المستعملة على جانبي الطريق، بداية من منطقة أبو العلا وصولاً لمنطقة الإسعاف ودار القضاء العالي ومستشفى الجلاء، وختامًا في رمسيس.
ماذا حدث لزيادة هذا الكم الهائل من بائعي الوكالة؟ لماذا تحديدًا هذه المهنة؟ هل وجدوا فيها رواجًا نتيجة إقبال المصريين على هذه النوعية من الملابس فى ظل الظروف الاقتصادية التي نعاني منها، أم أن هناك أمرًا آخر؟... لن نتحدث هنا عن زحف «البالة» على مد البصر، والارتباك المروري الذي يسببه هذا الزحف، ولكن يهمنا هنا أن نعرف لماذا هذا الكم الهائل الذي سبب هذا الزحف؟!!
توجهنا لهناك .. وبسؤال المواطنين الذين اصطفوا على «استندات الملابس»، أكد لنا مصطفى محمد- محامٍ-، أنه: "يوجد في الوكالة ملابس مستوردة وماركات عالمية، وحالتها جيدة وسعرها أقل بكثير من الجديدة التي يصعب شراؤها لارتفاع ثمنها."
وأشارت «أم أيمن»، وهي تفحص الملابس وتقيس لأبنائها على الرصيف، إلى أنها لديها أربعة أولاد، وإذا قامت بشراء جاكيت لكل منهم؛ فسعر الواحد في محال "وسط البلد" يتراوح ما بين 200-250 جنيهًا، مضيفةً أن الجاكيت هنا يتراوح سعره بين 50- 70 جنيهًا، وفي نفس الوقت شيك، مختتمة حديثها معنا قائلةً: "ظروفي المادية والاقتصادية للبلد تجبرني على الشراء من هنا".
وأمام الرصيف المقابل لمستشفى الجلاء للولادة، وجدنا فتاتين يبدو عليهما أنهما من طبقة راقية، حرصتا على مشاهدة الملابس واختيار الملائم منها لشرائها.
وعند سؤالهما عن شرائهما من "الوكالة"، قالت لنا أسماء محمد - طالبة بكلية الإعلام - إن السبب الرئيسي هو ارتفاع الأسعار والظروف الاقتصادية.
وأشارت الأخرى -أمل محمود طالبة بكلية الهندسة- إلى أنها جاءت إلى هنا بعد أن رأت إحدى صديقاتها في الجامعة ترتدي "بلوفر شيك" وعلمت أنها اشترته من الوكالة بسعر زهيد، مضيفةً أنها كانت تخجل أن تشتري ملابس مستعملة، ولكنها عندما أتت أيضًا وجدت ماركات، "وسيوفر لي بدلاً من الشراء من المولات".
وأشار هيثم "محامٍ": "كنت بشتري البدلة من محلات وسط البلد ب650 جنيها على الأقل، وهنا وجدت البدل يتراوح سعرها بين 200:150 جنيها، وهذه الأسعار تناسبني في الوقت الحالي".
وتوجهنا للباعة لسؤالهم عما جعلهم يمتهنون تلك المهنة، ومن أين جاء هذا الكم الهائل من الباعة...
قال عبد العزيز أحمد، بكالوريوس تجارة: "تخرجت في الجامعة ولم أجد وظيفة، وعلمت من أحد أقاربي أن لديه «فرشة» في الوكالة ويحتاج مساعدًا، فقررت العمل معه"، مضيفًا أنه ليس لديه مانع أن يترك البيع عند رصيف الإسعاف إذا توفر له مكان آخر.
وعن امتداد الباعة من شارع الوكالة وخروجهم لمنطقة الإسعاف ورمسيس، أكد ل"الشروق" محمد عبد العظيم - ليسانس لغة عربية - قادم من سوهاج، أنه لا يوجد مكان الآن في شارع الوكالة ليستوعب هذا الكم الهائل من الباعة، فهو يقتصر فقط على المحال و«الفرش» التابع لهم.
وأضاف عبد العظيم: "أنا وكثيرون من الباعة الذين لا يملكون محالاً أو كما يقال علينا «الجائلون» نعاني من مطاردة الداخلية، وتؤخذ بضاعتنا التي قد لا نملكها ونحصل عليها من التجار مقابل إيصالات أمانة"، مشيرًا إلى أن أحد المسؤولين قال لهم: "اتركوا منطقة الإسعاف وسنوفر لكم أكشاكًا في رمسيس"، وبالطبع لن تستوعب الأكشاك عددنا الهائل أو ستقتصر على أبناء القاهرة فقط.
وقال محمود المصري، ليسانس شريعة وقانون قادم من أسيوط: "أتيت من الصعيد إلى القاهرة بحثًا عن لقمة العيش لعدم وجود فرص عمل في الصعيد؛ فالصعيد يفتقر لمصادر الرزق"، مناشدًا الرئيس مرسي بالاهتمام بأبناء الصعيد وتوفير فرص عمل لهم ومشاريع، فهذا سيحل مشكلة الباعة الجائلين في القاهرة" على حد تعبيره.