ظهر الجمعة الماضى تلقيت اتصالا من صديق فلسطينى، كنا نعمل معا فى دبى قبل سنوات. عائلة هذا الصديق تقيم فى مخيم اليرموك الفلسطينى فى العاصمة السورية دمشق.
المخيمات الفلسطينية صارت مع المأساة السورية المكان الأكثر أمانا للجميع فهى مناطق محرم فيها القتال، ولذلك كانت المفارقة أن مواطنين سوريين كثيرين لجأوا إليها هربا من نيران وصواريخ ودبابات وقناصة بشار الأسد، وهو وضع مأساوى أن سكان البلد الأصلى صاروا لاجئين فى مكان مخصص للاجئين الفلسطينين.
هذا الوضع تغير مع انحياز أحمد جبريل زعيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين «القيادة العامة» إلى النظام السورى واصطدامه بالجيش الحر الذى كان محيطا بالمخيم. بعدها صبت قوات الأسد نيران غضبها على المخيم، ما أدى لمقتل نحو 700 شهيد فلسطينى.
الآن الجميع سوريين وفلسطينين وأجانب يريد الفرار من نيران الأسد، ويتجهون إلى أى مكان يقبلهم بعيدا عن حفلات القتل اليومية التى يقيمها النظام السورى.
عائلة هذا الصديق الفلسطينى مكونة من عشرة أفراد بينهم سبعة أطفال، استطاعوا الفرار إلى لبنان، ومن هناك فكروا فى المجىء لمصر، ذهبوا إلى المطار ليلا فقالوا لهم نحتاج إلى تأشيرة دخول، لم يجدوا مكانا فناموا على الطريق بينما كانت الأمطار والثلوج تنهمر طوال الليل.
فى الصباح ذهبوا إلى السفارة المصرية فى بيروت فقالت لهم: إن هناك إجراءات جديدة تم تطبيقها منذ أيام قليلة تمنع دخول الفلسطينين المقيمين فى سوريا، ثم إنها لا تعطى تأشيرات إلا للفلسطينين الحاصلين على إقامة فى لبنان.
والمعروف للجميع أن لبنان من أكثر البلدان تشددا فى قبول الفلسطينين وتشغيلهم بعد الأحداث الدامية فى الحرب الأهلية التى بدأت عام 1975 واستمرت حتى عام 1990.
الأسرة فكرت فى الأردن لكن الأخيرة أعلنت أنها لن تقبل دخول أى فلسطينين مقيمين فى سوريا، حتى لا تتضاعف عندها مشكلة الفلسطينين الذين يشكلون نحو ثلاثة أرباع سكانها.
من الطبيعى أن نعذر ونقدر أى دولة عربية ترفض دخول فلسطينين مقيمين فى فلسطينالمحتلة حتى لا تساعد فى إنجاح المخطط الإسرائيلى القاضى بتهويد كل الأرض المحتلة، لكن ما هو السبب الذى يمنع دولة عربية من قبول فلسطينين يتعرضون لخطر القتل فى سوريا؟!
خلال لقاء الصحفيين مع الرئيس الفلسطينى محمود عباس مساء الأربعاء الماضى أخبرنا فى قصر الضيافة أن إسرائيل وافقت على دخول بعض الفلسطينين إلى الضفة شرط التنازل عن حق العودة اواستعادة ممتلكاتهم وتعويضاتهم.
صديقى الفلسطينى وخلال المكالمة حكى لى كيفية حجز التذاكر من دبى عبر مكتب فى واشطن، ثم ضاعت عليه قيمتها عندما فشلوا فى دخول مصر، وحتى مساء الجمعة كانوا عالقين فى المطار فى انتظار حدوث معجزة تدخلهم إلى مصر أو أى دولة أخرى تنجيهم من المجزرة السورية.
هذا الصديق تحدث بأسى وحزن، قائلا: «هل مكتوب على الفلسطينى أن يدفع ثمن كل الأخطاء، ويعانى فى كل مكان».
الأسرة الفلسطينية إذا فشلت فى دخول مصر، فلن يكون لديها بديل سوى العودة إلى سوريا مرة أخرى وانتظار مصير مجهول لا يعلمه إلا الله.
نتمنى أن يتدخل أى مسئول مصرى لديه لينقذ الأطفال الفلسطينين العالقين على طريق مطار بيروت!