نأى الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، يوم الثلاثاء، علنا بالكريملين عن الرئيس السورى بشار الأسد، معلنا: «نحن غير مهتمين بشأن مصير نظام الأسد». ومع مواصلة المتمردين السوريين تحقيق مكاسب، وفقدان روسيا للثقة فى الأسد، تتوافر لأمريكا فرصة لإنهاء المذابح فى سوريا مع تحسين علاقاتها بموسكو. وتعتبر المساعدة فى إطاحة الأسد، هدفا أمريكيا مهما، ولكنه لا يرقى إلى مستوى منع إيران من الحصول على سلاح نووى. ولا شك أن إزاحة الأسد بطريقة تغضب الصين وروسيا وكل منهما عنصر حاسم فى التعامل مع إيران من شأنه أن يكون نصرا باهظ الثمن.
وعلى العكس من ذلك، يمكن أن تكون هناك فائدة فى مجلس الأمن من التعاون مع السيد بوتين، حيث أحبطت معارضة روسيا، للمبادرات الأمريكية منذ هجوم الناتو عام 2011 على ليبيا، العديد من جهود واشنطن الدبلوماسية. ومن شأنه أيضا الحد من الدور الإيرانى فى سوريا، والمساعدة فى كبح الطموح النووى الإيرانى. ولا شك أن انهيار حكومة الأسد يعنى نهاية للمشكلات السورية، وليس المهم متى يترك الأسد السلطة، وإنما الكيفية التى سيتركها بها.
•••
ويجدر تذكر أن العنف فى العراق، بعد سقوط صدام حسين حصد أرواح مائة ألف شخص. ومن المتوقع أن يؤدى الانهيار الكامل للحكومة والجيش فى سوريا، مثلما حدث فى العراق على يدى الرئيس جورج دبليو بوش، إلى المزيد من الاضطراب، ونزيف الدم، ومن الممكن أن ينتج ذلك ملاذا جديدا للإرهاب، يشبه ما كان موجودا فى أفغانستان خلال التسعينيات (ساعد اضطراب البلاد المتزايد، فى أعقاب الانسجاب السوفييتى العسكرى فيما بين 1988 1989، مباشرة عندما اختارت أمريكا وحلفاؤها الاستمرار فى تحقيق انتصار عسكرى كامل، وإسقاط مقترحات ميخائيل جورباتشف بالمشاركة فى السلطة فى تمهيد الطريق لهجمات 9/11). وينبغى أن يكون تفادى فراغ أمنى يشبه ما حدث فى العراق، أو توفير ملاذ للإرهاب على النمط الأفغانى، دورا أمريكيا رئيسيا فى مرحلة ما بعد الأسد. وتستطيع روسيا أن تساعد فى ذلك، إذا كانت الإدارة الأمريكية مستعدة لإعادة النظر فى نهجها إزاء الأزمة.
•••
وقد دعت الولاياتالمتحدة بحكمة الصين وروسيا للتعاون. ومع ذلك، يبدو أن الإدارة تعرِّف «العمل معا» على أنه منح روسيا الفرصة لتبنى مواقف أمريكية، وتنفيذ سياسات أمريكية، دون تقديم أى مساهمة ذات مغزى، وهو ما يغضب الكريملين.
وعلى الرغم من رغبة إدارة أوباما تجنب استمرار عدم الاستقرار، ونزيف الدماء فى سوريا، لم تستعد الإدارة لاتخاذ الخطوة المنطقية التالية: البحث عن حل تفاوضى من أجل وقف القتال. ويبدو أنها تفضل فكرة تحقيق انتصار عسكرى وسياسى كامل للمتمردين.
ولكن، هل يعتقد المسئولون الأمريكيون بالفعل أن المعارضة السورية، منظمة على نحو كاف لتولى مسئولية الحكم كاملة؟ أو أن الجيش السورى الحر يمكنه بسط الأمن فى أنحاء البلاد؟ وكيف يمكن للولايات المتحدة وقف عمليات الانتقام الطائفى، دون قوات وبنفوذ محدود أو منع تلك الأعمال الانتقامية من إنتاج موجة قتل جديدة؟ وسوف تضطر أمريكا أيضا للتعامل مع نفوذ السعودية وقطر فى سوريا بعد سقوط الأسد؛ وكل من البلدين لديه فهم أفضل لسوريا وسياستها، فضلا عن علاقاتها مع قادة التمرد هناك، ومن ضمن هؤلاء القادة بعض من تعتبرهم واشنطن إرهابيين.
ويمكن أن يساعد الحل التفاوضى بمساندة روسيا، على معالجة العديد من هذه التحديات. ومع ضعف وضع الأسد، وزيادة حدة وحشية أساليبه، بدأ المسئولون الروس الإشارة سرا إلى الرئيس السورى على أنه «جزار»، ويقرون بأنه ينبغى أن يرحل. ويمكن أن تكسب أمريكا دعم روسيا لرحيل الأسد، طالما أن ذلك لم يكن شرطا مسبقا، وإنما نتاج المراحل الأولى من المفاوضات.
•••
وتتطلب إطاحة الرئيس الأسد، ووضع الأسس لإقامة سوريا مستقرة، اتفاقا مع بعض أعضاء الحكومة الحالية، وأعضاء من القوات المسلحة السورية، بما يحافظ على بقاء بعض المؤسسات الحكومية خلال فترة انتقالية على الأقل وحماية العلويين والجماعات الأخرى التى أيدت الأسد.
والأرجح أن روسيا سوف تساند عملية، تحتفظ بالمسئولين الذين يعتبرون أقل بغضا لدى المواطنين، من أجل إقناع أنصار الأسد، بمن فيهم من يقاومون التغيير فى الجيش السورى. وربما تفضل روسيا نائب الرئيس السورى، فاروق الشرع، كرئيس مؤقت، ولكن مصادر روسية مطلعة تقول إن الأرجح ان يقبل الكريملين زعيما متمردا من غير المتطرفين إسلاميا وهو هدف يتفق مع أهداف أمريكية.
•••
وربما تبدو روسيا شريكا غير مهم. كما أن دوافع روسيا لتحقيق فترة انتقالية متفق عليها، ليس منها الإيثار: الحفاظ على الروابط العسكرية والتجارية فى سوريا، وكسب مكانة عبر المشاركة فى إيجاد حل لأزمة دولية كبرى، وتجنب العواقب الداخلية للعنف فى بلد يعيش فيه 30 ألف مواطن روسى. غير أن تحقيق الاستقرار فى سوريا، يصب أيضا فى مصلحة أمريكا أيضا.
ومن ثم، تواجه إدارة أوباما خيارا واضحا؛ إما أن تساند الفوز بالضربة القاضية، أو تختار التوسط فى عملية سلام تحقق استقرارا أكبر. وعلى هؤلاء الذين يدعون إلى مساعدة المتمردين على تحقيق انتصار تام، أن يتذكروا أن المرحلة المقبلة يمكن أن تشابه إلى حد كبير العراق أو أفغانستان, ومن شأن التوصل إلى حل متفق عليه، بتعاون مع روسيا، أن يؤدى فى النهاية إلى نتيجة تخدم مصالح الأمن الأمريكى، بصورة أفضل، على نحو أفضل وتنقذ المزيد من أرواح السوريين.
2012 كل الحقوق محفوظة لشركة النيويورك تايمز لمبيعات الخدمات الصحفية . يحظر نشر هذه المادة او اذاعتها او توزيعها باى صورة من الصور .