توكأ كل منهما على الآخر في خطوات ثقيلة، وتستطع التجاعيد التي كست وجهيهما أن تخفي الابتسامة الدافئة، في طريقهما لمدرسة العجوزة الإعدادية الثانوية للبنات للمشاركة في الاستفتاء. "هنقول نعمين للدستور"، قال الحاج علي مداعبا، فهو وزوجته لا يزالان يحلمان بمستقبل يملؤه الاستقرار. "عايزين ننتقل لمرحلة البناء، مش عايزين لخبطة كتير، خلينا نهدى شوية بقى، ونشوف مستقبلنا حرام كده يعني".
"كنا محتارين ننزل ولا ما ننزلش، بس في الآخر قولنا ننزل ونعمل اللي علينا"، هذا ما قالته نرمين، المعيدة بكلية الإعلام جامعة القاهرة، "لو قاطعت هنرجع للأول تاني، والأفضل إن أنزل وأقول رأيي حتى لو طلعت "لا" نسبة صغيرة جدا".
نرمين لم تقرأ الدستور ولكنها توصلت لهذه النتيجة "ده دستور تهريج"، وتابعت "كنت بسمع التعليقات عليه وعرفت إنه مش مهتم بالصحة وإن الدولة والمجتمع من حقهم يحموا الأخلاقيات والآداب العامة في الشارع ويصلحوا البلد، وكلمة المجتمع هنا خوفتني".
هكذا انقسمت لجان منطقة العجوزة بين التصويت بنعم ولا، فمقابل الذين تحدثت "الشروق" إليهم من كبار السن وكانوا من مؤيدي "نعم للاستقرار"، جاء الشباب مفضلين التصويت ب"لا"، اعتراضا منهم على عدد من نصوص الدستور وعلى تشكيل الجمعية التأسيسية من الأساس.
"إحنا ببنزل من بعد الثورة على طول، والانتخابات الوحيدة اللي ما نزلناش فيها كانت الشورى"، هذا ما قالته دعاء الطالبة بكلية العلوم جامعة القاهرة والتي شاركت ب"لا" في لجنة "روضة ومدرسة النصر الابتدائية المشتركة بالعجوزة".
تتذكر دعاء دماء الشهداء الذين سقطوا حتى الأمس القريب وتقول "نزلت عشان في ناس ماتت ومن حقهم عليا إني أنزل وأقول رأيي"، وتضيف "المفروض الدستور كل الناس تبقى موافقة عليه، بس من البداية وتشكيل الجمعية عليه خلاف، وإحنا مش عايزين فصيل واحد يبقى مسيطر على كل حاجة".
فيما فضّل الحاج محمد عز الدين، من أصحاب المعاشات الذي توجه لأقرب مقعد خارج المدرسة ليلتقط أنفاسه أن يقول "نعم"، مدافعا عن اختياره بقوله "أنا قرأت الدستور ومسجّله على الموبايل كمان".
عز الدين كان يتابع كل الاجتماعات والمؤتمرات التي تدعو لها الجمعية التأسيسية لوضع الدستور ومن هنا تشكلت قناعته ب"نعم".. "أنا تابعت المناظرة اللي عملتها الجمعية في مجلس الشورى، وعرفت إن في ناس كتيرة ما حضرتش"، وهو ما دفعه للتعليق "كل حاجة يقولوا لأ، هما مش عايزين استقرار، ومفيش تفاهم ويّاهم".
في حين قالت روحية التي تعمل طبيبة في إحدى المراكز البحثية إن "الواجب الوطني دفعها للمشاركة في الاستفتاء، وأنا قولت لا، لأن الدستور يغفل عن أشياء كثيرة، فضلا عن تغوله على سلطة القضاء والصحافة".
الوضع لم يختلف كثيرا في الحيتية التي احتفلت يوم إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية وسجد أهلها شكرا لله على فوز محمد مرسي بالرئاسة، ووزعوا الحلوى وجابوا الحارات بالزغاريد والتكبير.. وبينما كانت تدعو اللافتات المعلقة في حارات الحيتية ل"نعم الدستور"، كانت إحدى المنشورات بعنوان "دستور تقسيم مصر" تدعو بالتصويت ب"لا" عليه..
بالقرب من مدرسة القومية بالحيتية، وقفت والدة الشهيد مصطفى الصاوي والتي شاركت في الاستفتاء ب"نعم"، ارتسم على وجهها هذه المرة حزن بسبب ما آلت إليه البلد وقالت "البلطجية اللي خرّجهم العادلي هما اللي بيموتوا في الناس، وللأسف الإعلام كله وحش ومبيقولش الحقيقة، ونسي الشهداء خالص، والشباب اللي ماتوا بتوع الإخوان حد كتب عنهم حاجة؟".
والدة الشهيد تأمل في غد أفضل يثلج صدرها وتقول "الدستور في حاجات كويسة عشان الغلابة، هيعمل حاجات كتير حلوة، والناس اللي بيقولوا لا في حاجات كتير مش فاهمينها".
"إن شاء الله هاقول نعم" قال نبيل رشدي حافظ، الذي عرّف نفسه بقوله "أنا راجل صنايعي بشتغل بيوميّتي، وحالي واقف أكثر من 3 سنين من ساعة ما الثورة قامت، والبلد مش هيتعدل حالها غير لما أقول "نعم".
حافظ لم يقرأ الدستور لكنه وصل إلى قناعته من خلال مشاهدته للتلفزيون "ما قرأتش الدستور لكن عرفت إنه في حاجات كويسة في التعليم والصحة عشان ولادي وعشاني كمان لما أعجّز ألاقي لي معاش زي ما بيقولوا في الدستور".
أما إيمان الطالبة بكلية التجارة فقالت "لا" بعد قراءتها للدستور وأقنعت والدتها التي لم تقرأه بذلك.. "الدستور مش مديني حقي كمرأة وشال المادة بتاعة المساواة مع الرجل، وأعطى سلطات لرئيس الجمهورية أكثر من دستور 1971، وبيتدخل في سلطة القضاء، وده مش صح".