المتطرفون داخل التيار الإسلامى أكبر خطرا على الرئيس محمد مرسى وعلى أحزابهم وعلى مستقبل المشروع الإسلامى بأكمله. عندما يحاصر بعض المتظاهرين الإسلاميين مقر المحكمة الدستورية العليا ويمنعون قضاتها من الدخول، فاعلم أن بذرة الدولة الفاشية قد تم وضعها بقوة.
وعندما يمتنع قادة هذا التيار عن إدانة هذا السلوك الإرهابى، بل ويبرر بعضهم الأمر باعتباره اعتصاما مشروعا، فاعلم أننا بدأنا فى تربية وحش كبير سيلتهم الجميع إن آجلا أو عاجلا.
يمكن أن تقول ما تشاء عن المحكمة الدستورية، ويمكن أن تتجادل بشأن دورها منذ نشأتها وحتى اجتماعها الذى كان مقررا بالأمس، ويمكن أن ننتقد انجراف بعض أعضائها لأحاديث السياسة المتغيرة، بل والافتاء فى أمور وقضايا لا يصح أن يقولوا فيها رأيهم لأنهم سيحكمون فيها لاحقا.
ويمكن أن تنتقد ما تشاء بعض سلوكيات القضاة ودور نادى القضاة ورئيسه وتصريحاته. يمكن أن تفعل كل ذلك لكن أن تحاصر محكمة وتمنع قضاتها من الدخول فتلك كارثة كبرى سيدفع الجميع ثمنها فادحا.
من حق أنصار الإخوان المسلمين والتيار الإسلامى بصفة عامة وأى تيار سياسى أن يتظاهر ويحتج ويعتصم ويضرب، لكن لا يحاصر محكمة ويمنع انعقادها. ولأول مرة نسمع أن محاصرة محكمة وتعطيل انعقادها يدخل فى باب حرية التعبير.
ما حدث بالأمس بدأت بوادره ومؤشراته قبل شهور حينما تقاعس المسئولون عن منع وإدانة احتلال أنصار الشيخ حازم أبوإسماعيل لمجلس الدولة لمطالبة القضاء الإدارى بإصدار حكم يقول إن والدة الشيخ مصرية وليست أمريكية. ثم تكرر الأمر عندما حاصر بعض المحسوبين على الإخوان المسلمين القضاء الإدارى أيضا لمنع إصدار حكم ضد الجمعية التاسيسية الأولى التى كان يرأسها الدكتور سعد الكتاتنى.
يفترض أن المبادئ لا تتغير بتغير الأشخاص أو الأحزاب أو المواقف، ومثلما أدين هذا السلوك، فقد سبق لى أن أدنت قيام أهالى وأقارب شهداء الثورة بتكسير بعض المحاكم والاعتداء على بعض القضاة لأنهم يريدون أحكاما محددة.
كارثة الأمس تؤشر لمستقبل مظلم، إذا كان أنصار التيار الدينى يحاصرون محكمة الآن وهم فى أول شهور الحكم فماذا سيفعلون بنا وبالوطن بعد سنوات؟!.
قبل أيام استمعنا فى الإسكندرية لهتافات هادرة تطالب الرئيس محمد مرسى ب«فرم» معارضيه، وقبل يومين استمعنا إلى هتافات هادرة أمام جامعة القاهرة تطالب بتطهير الإعلام والقضاء.
من حق مرسى بل من واجبه أن يطهر كل مكان فاسد فى مصر، وميادين الثورة طالبته بذلك مرارا وتكرارا لكن عليه ألا يعطى أذنه كثيرا لهتافات أنصاره الهادرة، لأنها قد تقود فعلا إلى حرب أهلية.
هذا الوحش الذى نربيه ونغذيه وعندما ينتهى من التهام خصومه سيلتهم أولئك الذين أطلقوه.
تحية لكل العقلاء داخل الحركة الإسلامية الذين يقاومون هذا الانجراف الشديد باتجاه الدولة الفاشية، وتحية مماثلة لكل القوى الوطنية التى قررت التصدى لهذا «الوحش»، وفى مقدمتها الجماعة الصحفية التى اختارت أن تقف فى مقدمة الصفوف باحتجاب صحفها الحرة غدا.