تمثل السياسة الأمريكية تجاه الانتفاضة السورية فشلا تامًا. وأحدثت سياسات الرئيس أوباما الباردة البطيئة بالغة الحذر التى كانت تهدف إلى تجنب تحول الانتفاضة السورية إلى قضية إقليمية أوسع، أثرًا عكسيًا تماما. ومن المرجح أن تكون دعوة وزيرة الخارجية هيلارى كلينتون لقيادة جديدة فى المقاومة ضد الأسد، محاولة ضئيلة بعد فوات الأوان. ويجب على الولاياتالمتحدة وحلفائها العمل من أجل تيسير انتقال السلطة عندما يسقط الأسد، لتفادى المزيد من انهيار الوضع. ومازال هناك وقت لتصحيح هذا الفشل، ولكن ينبغى التحرك عاجلا وليس آجلا.
التداعيات الإقليمية
منذ بدأت الأزمة، امتدت الاضطرابات لتتعدى سوريا إلى المنطقة ككل. فقد تجرأ نظام الأسد بسبب عدم اتخاذ واشنطن موقفًا استباقيا، وكان لذلك أثرًا ضارًا على جيران سوريا. وخلال الأشهر الستة الماضية، استفز الجيش السورى تركيا جارة سوريا الشمالية وحليف الناتو مرارًا. ففى أبريل الماضى، أطلق الجيش السورى النيران عبر الحدود التركية على مخيم للاجئين، مما أسفر عن إصابة خمسة أشخاص. ثم، فى الشهر الماضى، قصفت سوريا الحدود التركية، مما أدى إلى تبادل نيران المدفعية لأيام طويلة.
وهرعت إيران، وحزب الله إلى معاونة نظام الأسد. فمع بداية الأزمة، نشرت إيران وحدة قوات القدس فى الحرس الثورى الإسلامى لدعم الجيش السورى، تمده بالأسلحة، والتدريب، والتجهيزات. ويستخدم حزب الله أيضا قواعده فى لبنان كمنصة إطلاق لهجماته على قوات المعارضة السورية.
وتقوم المنظمة التى اعتبرتها الولاياتالمتحدة، ارهابية، بتخويف اللبنانيين السنة، أيضًا، لمنعهم من مساعدة قوات المعارضة السورية ذات الأغلبية السنية. وفى الشهر الماضى، قتل انفجار سيارة ملغومة رئيس المخابرات فى لبنان، الذى كان معارضا قويا للهيمنة السورية. وبينما نفى حزب الله تورطه، أثار الاغتيال اضطرابات واسعة النطاق بين السنة والمسيحيين اللبنانيين، الذين يشعرون بالاستياء من هيمنة حزب الله، وتعاونه الوثيق مع نظام الأسد العلوى السورى الذى يهيمن عليها.
وتصاعد حتى الصراع الكردى التركى الذى يعود إلى فترة طويلة. وقد انتهز سكان سورية الأكراد فرصة فراغ السلطة فى شمال البلاد، وسعوا إلى توسيع نفوذهم. ومنذ صارت سوريا شخصا غير مرغوب فيه بالنسبة للحكومة التركية، يقال إن الأسد جدد دعم سورية للمتشددين الأكراد المعادين لتركيا، ويحاول استخدامهم كقوة بالوكالة ضد تركيا.
ومع حالة الفوضى التى تمر بها البلاد، صارت مخزونات الأسد من أسلحة الدمار الشامل الكيماوية لقمة سائغة محتملة. وتعهد الأسد بأنه لن يستخدم الأسلحة ضد المدنيين، ولكن ليس هناك ما يضمن ألا يلجأ النظام إلى مثل هذه الوسائل، عندما يصل إلى حالة المزيد من اليأس. وعلاوة على ذلك، فإن هذه المخزونات ستكون عرضة للنهب، بمجرد سقوط النظام، ويمكن أن تقع فى أيدى متشددين اسلاميين او ارهابيين محتملين آخرين.
الحذر لا يعنى التقاعس
يعتبر الحذر ضروريًا فى وقت الأزمة، لكنه لا ينبغى أن يؤدى إلى التخلى عن القيادة. وعندما أوكلت إدارة أوباما هذه الأزمة إلى الأممالمتحدة حيث عرقلت روسيا التحرك الفعال سمحت للوضع بالتدهور، وباستفادة المتطرفين على حساب زعماء المعارضة الأكثر اعتدالاً. واضطرت قوات المعارضة السورية المنقسمة، التى تجاهلها الغرب، إلى التوجه شرقًا؛ نحو المملكة العربية السعودية وقطر، للحصول على الأسلحة والموارد المالية، التى عززت الجماعات الإسلامية المتطرفة. وإذا نجحت هذه الجهات الفاعلة فى إسقاط الأسد، فمن المرجح أن تكون معادية لمصالح الولاياتالمتحدة فى المنطقة.
والمحزن، أنه لو سقط النظام اليوم، سيظل الموقف فى أنحاء المنطقة بكاملها، معرضا للخطر بصورة بالغة. وبينما يحتاج حلفاء الولاياتالمتحدة الإقليميون، وحلفاؤها المحتملون داخل سوريا إلى قيادة ودعم فعال، لا تقدم واشنطن سوى تفاهات فارغة.والنتيجة هى تراجع شديد فى النظرة إلى الولاياتالمتحدة باعتبارها زعامة إقليمية قادرة. وتجرأ أولئك الذين اختاروا بأنفسهم موقف الخصم (إيران، حزب الله، و القاعدة والتنظيمات التابعة لها، وكذلك روسيا والصين) وصاروا أكثر عرضة للتصرف بشكل علنى ضد المصالح الأمريكية. أما أولئك الأصدقاء منذ زمن بعيد (تركيا والأردن وإسرائيل) فقد صاروا محبطين وأكثر عرضة للشعور بالحاجة إلى العمل بشكل منفرد، أو الاتجاه إلى مكان آخر طلبًا للعون. بينما يتبع اولئك الذين هم بين (المملكة العربية السعودية وقطر) دوافعهم الخاصة، ويدعمون المكونات المعادية للغرب داخل الحركة المناهضة للأسد. ويعتبر طرح مسار يتبعه الأصدقاء، ويتجنبه الأعداء، هو جوهر القيادة. وقد خلقت الإدارة الأمريكية موقف عدم اتساق ذاتى غير متوقع.
الاستجابة المتأخرة أفضل من عدم الاستجابة على الإطلاق:
وللحيلولة دون خروج هذه الأزمة عن السيطرة، يتعين على الولاياتالمتحدة العمل بشكل وثيق مع الحلفاء لتسريع سقوط نظام الأسد. وينبغى أن تحدد قادة المعارضة غير الإسلامية البارزين داخل سوريا، الذين يستحقون الدعم، وتوفير المساعدات الاقتصادية الفعالة، والمستلزمات الطبية، وتكنولوجيا الاتصالات، بل وحتى مساعدات التسليح السرية، إذا أمكنها تقديم ضمانات صارمة بأن الأسلحة لن تقع فى أيدى الإرهابيين.
وينبغى أن تكون هناك لقاءات مغلقة مع حلفاء الولاياتالمتحدة فى المنطقة، لإيجاد وسيلة تعزز نقاط قوتهم، وتحدد بدقة كيف تتصرف الولاياتالمتحدة لدعم هذه الخطة. وعلاوة على ذلك، يجب دعوة البلدان التى تدعم المزيد من عناصر التطرف، إلى وقف دعمها هذا، وأن يثال لها بعبارات لا لبس فيها إن عدم الامتثال ستكون له عواقب.
ولن يكون الحوار وحده مفيدا للغاية. غير أن التحرك المباشر سوف يوضح أحجام الأطراف، ويحدد القيادة.
الوقت يداهمنا
وربما لا تحظى هذه الهزيمة للسياسة الخارجية بالكثير من الاهتمام الى ان تتفجر بالكامل، الأمر الذى يبدو أكثر توقعا. فقد فشلت إدارة أوباما فى دعم مصالح الشعب السورى، وحلفاء أمريكا فى المنطقة، والمصالح القومية الأمريكية طويلة الأجل..
ولا شك أن القيادة من الخلف، لا تعنى القيادة على الإطلاق. لكن هناك فرصة لتصحيح هذا الوضع واستعادة بعض ما ضاع، ولكن الوقت يمر بسرعة.