لم أستطع أن أتمالك مشاعرى كإنسان، وأنا جالس وسط عائلتى نحتفل بالعيد، ونتناول ما لذ وطاب من لحوم الأضحية، ونشاهد الفضائيات وهى تذيع علينا أنباء السفاح «بشار الأسد» وهو يقصف شعبه ويذبح الأطفال ويرمل النساء فى أول أيام العيد.. ولا حديث عن أقل شىء، وهو وقف إطلاق النار وقتل الأبرياء العزل! وتحت تأثير أخبار القصف فى سوريا، قررت أن أسافر وأزور إحدى مخيمات إخواننا اللاجئين السوريين فى ثالث أيام العيد؛ أُعَيِّد معهم ومع أطفالهم، وأرسل إليهم رسالة معنوية تعبر عن حالة التضامن الفياضة الذى يعيشها الشعب المصرى معهم، وأتعرف على احتياجاتهم فى مخيماتهم، خصوصا ونحن على أبواب الشتاء.
سرعان ما طرحت فكرتى على أصدقائى على صفحة التواصل الاجتماعى «فيس بوك»، وتناقشنا، وتطور الأمر خلال ساعة من زيارة لمخيمات اللاجئين على الحدود السورية التركية إلى زيارة اللاجئين السوريين بالأردن.
وبعد بحث سريع وجدت أن مخيم «الزعترى» الموجود على الحدود السورية الأردنية والذى يبلغ عدد السوريين اللاجئين فيه قرابة الأربعين ألفا، ويعانون من ظروف قاسية فى مخيمات صحراوية دفعت بعضهم للتفكير فى الرجوع إلى سوريا لينالوا الشهادة أرحم لهم من عذاب بطىء يعيشونه كل يوم!
قررت الطيران للأردن فى اليوم التالى، وأعلنت على صفحتى، فأرسل لى الصديق المهندس عمرو هيكل وهو مصرى يعيش بالأردن ويعمل بشركة خدمات نفطية عالمية كبيرة بأرقام مساعد السفير المصرى هناك السيد علاء موسى ومدير العلاقات العامة بشركته السيد محمد القدومى وهو أردنى من أصل فلسطينى يعيش بعمان وصاحب مؤسسة كفر قدوم الخيرية.
وفى صباح ثانى أيام العيد «السبت» وبعد حجز التذاكر إلى عمان فى نفس اليوم، رحلة المساء، اتصلت بمساعد السفير المصرى بالأردن السيد علاء موسى وكان يقضى إجازة العيد بالقاهرة، فأخبرته بالموضوع فسألنى: هل ستسافر بصفة رسمية كعضو الجمعية التأسيسية للدستور أو عضو بمجلس الشعب المصرى؟ لأنه فى هذه الحالة سأحتاج إلى خطابات رسمية.
حاتم عزام مع إحدى العائلات السورية فى مخيم الزعترى تصوير- محمد الميمونى
فأكدت له أننى سأسافر بصفتى الإنسانية والشخصية غير الرسمية، وإن استطاع مساعدة مواطن مصرى لتذليل عقبات الوصول لمخيم اللاجئين فله الشكر، فأوصلنى بمساعد له بالسفارة المصرية بالأردن السيد أحمد سلامة، وبدوره أوصلنى بالسيد أيمن المفلح، وهو أردنى ومدير الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية للإغاثة والتعاون العربى والإسلامى، وهى منظمة «شبه غير حكومية» تتكفل بتنسيق وإدارة كل أعمال إغاثة اللاجئين السوريين بمخيم «الزعترى»، والذى أوصلنى بدوره للأستاذ محمود العموش مدير المخيم.
وصلت للزعترى
وصلت لعمان، ورتب لى السيد محمد القدومى حجز الفندق وسيارة تنتظرنى بالمطار وتقلنى إلى الفندق، ومع صباح ثالث أيام العيد كان ينتظرنى حسب الموعد المقرر بسيارته، ودار حوار بيننا جعلنى أشعر أننى لست مع شخص عادى، بل أمام شخص يحمل هم هذه الأمة، ويعمل على دعم إخواننا بفلسطين، وليس هذا غريبا عليه ولا على عائلته، فهو ابن عم المناضل فاروق قدومى «أبواللطف» وهو مَن هو!! مِن آخر القيادات التاريخية الوطنية «الحقيقية» من حركة فتح.
وصلنا إلى مخيم «الزعترى» الذى يبعد نحو 20 كيلومترا عن الحدود السورية، ويقع بمنطقة جغرافية قاسية لا تصلح للحياة البشرية، ومحاط بسور، وعلى مدخله سيارات الأمن العام. وبعد المدخل الأول بمسافة مائتى متر يوجد مدخل آخر بحماية الجيش الأردنى، وبين هاتين البوابتين توجد مخيمات للجيش.. بعد البوابة الثانية توجد مكاتب للجيش لتَفَقُّد هويات الداخلين وكذلك مكاتب هيئة الإغاثة، وتخضع السيارات للمساءلة والتفتيش على كلا البوابتين، ويُسمح بالدخول لمواد الإغاثة العينية، وتُستثنى الأغذية التى يجب أن تُسلَّم لهيئة الإغاثة.
بعد البوابة الثانية يوجد فى اليمنى واليسرى مستشفى ميدانى مغربى، ومستوصف للولادات والمواليد، وبعض مكاتب التسجيل، ومستودعات توزيع المواد، ومسجد، ومستشفيان أردنيان، وكذلك مستشفى ميدانى سعودى، ومغربى، وفرنسى.
الدخول بمواد الإغاثة يتم بصحبة موظف من موظفى الهيئة.. الطريق كله داخل المخيم مفروش بالحصى بعرض ثلاثة أمتار، ويتفرع منه طرق فرعية أضيق تؤدى إلى الخيم.
الخيمة تقريبا أربعة أمتار فى ستة أمتار.. تفصلها مسافات قصيرة.. كما يوجد حمامات ومراحيض على مسافات بين الخيم.
تعداد المخيم (فى يوم الأحد الثامن والعشرين من أكتوبر 2012) وصل إلى ثمانية وثلاثين ألفا وثلاثمائة لاجئ، سورى يستهلكون مليون متر مكعب من المياه يوميّا، يأخذونها من حصة محافظة المفرق الأردنية من المياه، مما أثر على المواطنين الأردنيين بهذه المحافظة، فى بلد يعانى بالأساس من قلة الموارد المائية، وذلك حسب السيد محمود عموش مدير المخيم الذى يعطيك الانطباع الفورى أنه رجل يحترف ما يقوم به هو وفريقه من الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية التى يتوجب علنا الشهادة لها بقدرتها التنظيمية الممتازة. يذكر أن وكالة الإغاثة بالأمم المتحدة كانت قد قدرت التكاليف اللازمة لهذا المخيم ب45 مليون دولار يتوافر منها حتى الآن ما يُعادل الثلث حسب كلام مدير المخيم.
وبعد جولة ميدانية بالمخيم تعرفنا على أسرة مكونة من ستة أشخاص من مدينة «حرستة» بالقرب من الجولان: «أبوعلاء» وزوجته وأبناؤهم الأربعة أصروا على ضيافتنا بخيمتهم عندما علموا بقدومى من مصر خصيصا لرؤيتهم، وانضم إلينا فى خيمة «أبوعلاء» أربع أسر أخرى بأولادهم، وأصرت زوجة «أبوعلاء» على عمل الشاى.
مآسى لاجئين
جلست قرابة الساعة والنصف الساعة أستمع إلى قصة كل عائلة وإلى كم الممارسات الوحشية التى قام بها المجرم «بشار» التى لخصها أحدهم بقوله: «لو كان هتلر غازيا سوريا ما كان فعل بعض ما فعله هذا المجرم، وحكى لى بعضهم كيف أن جيش بشار أمر ابن عمه بأن يسجد لصورة بشار ولما رفض قتلوه رميا بالرصاص أمام أطفاله.. وروى لى آخر كيف كانوا يختبئون بالقبور عند قدوم جيش المجرم، فإن لم يجدوا أحدا بالبيت أحرقوه «بالفوسفور»، وأصر آخر على أن يطلعنى على مقاطع فيديو على هاتفه المحمول صورها بعضهم ليوثقوا جرائم بشار، وفيها يُذبح الرجال كالإبل بالسكين حتى يتم فصل الرأس عن الجسد بالكلية!! (نعم، شاهدت هذا بعينى، ولم أستطع مجرد إكمال المشهد). وَرَوَوْا لى كم المعاناة والمخاطر التى تعرضوا لها للهروب فى ظل مطاردة جيش المجرم بشار للفارين. وأكدوا لى أنهم متيقنون من أن الأسلحة التى يستخدمها جيش المجرم بها صواريخ إيرانية الصنع وأن هناك كتائب مقاتلين تابعين لمقتدى الصدر وحزب الله فى لبنان على حد قولهم.
وقبل المغادرة، استأذنتهم أن أفعل كما نفعل فى مصر من إعطاء «العيدية» لأولاد الإخوة والأخوات، فسمحوا لى، فأعطيت الأطفال السوريين: علاء وفاطمة ويوسف وبيان ونورالهدى ومحمد وأحمد العيدية، بعد أن فزت بالطبع بقبلات هؤلاء الملائكة. وغادرنا قرب المغرب، ولم يفارق خيالى إلى الآن وأنا أكتب هذه الكلمات صورة المخيم وأهله.