البابا تواضروس الثاني يلتقي مديري المستشفيات الكنسية بالقاهرة    خارجية النواب للمصريين : التفوا حول بلدكم وجيشكم فالأمر جلل والأحداث تتسارع وإياكم والفتن    شيخ الأزهر: انتصارات أكتوبر المجيد سُطِّرت بدماء الشهداء الأبرار وبإرادة جيش وشعب لا يعرفون الخنوع    «الحصاد الأسبوعي».. نشاط مكثف لوزارة الأوقاف دعويًّا واجتماعيًّا..    فتح باب الترشح لانتخاب التجديد النصفي لنقابة الصحفيين في الإسكندرية    تراجع أسعار الذهب عقب إعلان بيانات الوظائف الأمريكية    عمرو أديب عن رأس الحكمة: على المصريين أن يكونوا سعداء اليوم    منسق «حياة كريمة» بالقاهرة: إقبال كبير من المواطنين على منافذ بيع اللحوم    كورسات في اللغة الإنجليزية من الجامعة الأمريكية لذوي الهمم.. اعرف المواعيد    محلل سياسي: جيش الاحتلال يسعى إلى إنشاء منطقة عازلة في جنوب لبنان بطول 61 كليومترًا    تصاعد النزوح في لبنان وسط القصف الإسرائيلي واستنفاد قدرات مراكز الإيواء    ليفربول يخطط للتعاقد مع بديل محمد صلاح من الدوري الألماني    قطر يتعرض للهزيمة من الأهلي في غياب أحمد عبد القادر    مجدي عبد الغني: الزمالك لديه الحق في "التحفيل".. كهربا تراجع مستواه وهناك لاعبون يدخنون "الشيشة"    بليغ أبوعايد: فوز الأهلي على برشلونة إنجاز عظيم للرياضة المصرية    إمام عاشور في محكمة جنح الشيخ زايد غدا.. لماذا يحاكم؟    ضبط 3000 عبوة مواد غذائية منتهية الصلاحية في كفر الشيخ    بعد حلقة الدحيح.. ما قصة صدور حكم بإعدام أم كلثوم؟    صالون جمال الدين يناقش كتاب «مشاهد تنبض في ذاكرة مثقوبة» في بيت السناري بالقاهرة    «حياته هتتغير 90%».. برج فلكي يحالفه الحظ خلال الأيام المقبلة    الفنانة الفرنسية ماريان بورجو: «محمود حميدة عملاق وأنا من جمهوره»    خالد حماد: فيلم «معالي الوزير» أصعب عمل قدمت به موسيقى تصويرية    تكريم سهر الصايغ عن فيلمها "لعل الله يراني" ضمن فعاليات مهرجان الإسكندرية السينمائي    «قصور الثقافة»: مهرجان الإسماعيلية الدولي للفنون الشعبية أكبر من فكرة رقص    قصة أهل الكهف.. رحلة الإيمان والغموض عبر الزمن    حملة «100 يوم صحة» تقدم 3.6 مليون خدمة طبية في سوهاج منذ انطلاقها    حدث في 8 ساعات| إطلاق مشروع رأس الحكمة التنموي.. ورصد أكبر انفجار شمسي    KNDS تفتح فرعها في أوكرانيا لتعزيز القدرات الدفاعية    اختلفت المناطق والأدوار وتشابهت النهايات.. سر جثتين في عين شمس وحلوان    اعتداء وظلم.. أمين الفتوى يوضح حكم غسل الأعضاء أكثر من ثلاث مرات في الوضوء    من هو أفضل كابتن للجولة السابعة من فانتازي الدوري الإنجليزي؟    "السبب غلاية شاي".. إحالة موظفين بمستشفى التوليد فى مطروح للتحقيق -صور    طريقة سهلة لتحضير بسكويت الزبدة بالنشا لنتيجة مثالية    مركز التأهيل الشامل بشربين يستضيف قافلة طبية مجانية متكاملة    الطب البيطري بدمياط: ضبط 88 كيلو لحوم مذبوحة خارج المجازر الحكومية    المرصد العربي يناقش إطلاق مؤتمرًا سنويًا وجائزة عربية في مجال حقوق الإنسان    مستوطنان إسرائيليان يقتحمان المسجد الأقصى ويؤديان طقوسا تلمودية    الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل عسكريين اثنين في معارك جنوب لبنان    شركات عالمية ومصرية وإماراتية.. تفاصيل إطلاق شراكة لتعزيز الابتكار في المركبات الكهربائية الذكية    أعضاء حزب العدل في المحافظات يتوافدون للتصويت في انتخابات الهيئة العليا    واعظ بالأزهر: الله ذم الإسراف والتبذير في كثير من آيات القرآن الكريم    قناة السويس تكشف حقيقة بيع مبنى القبة التاريخي    لحظة بلحظة... الأهلي 0-0 الزمالك.. قمة الدوري المصري للسيدات    وزير الاتصالات يلتقي مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة للتكنولوجيا    «العمل» تعلن 4774 فُرصة عمل تطبق الحد الأدنى للأجور في 15 محافظة    الأنبا توماس يستقبل رئيس وزراء مقاطعة بافاريا الألمانية    جيفرسون كوستا: أسعى لحجز مكان مع الفريق الأول للزمالك.. والتأقلم في مصر سهل    مصرع «طالب» غرقا في نهر النيل بالمنيا    مصرع شاب وإصابة آخر في حادث تصادم بالغربية    منظمة الصحة العالمية تحذر من خطر انتشار فيروس ماربورغ القاتل    أذكار يوم الجمعة.. كلمات مستحبة احرص على ترديدها في هذا اليوم    السيطرة على حريق بخط غاز زاوية الناعورة بالمنوفية    الإسكان: إزالة مخالفات بناء وظواهر عشوائية بمدن جديدة - صور    جيش الاحتلال يصدر أوامر إخلاء عاجلة لسكان 20 قرية في جنوب لبنان    «وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ».. موضوع خطبة الجمعة اليوم    هيئة الأرصاد تكشف عن موعد بدء فصل الشتاء 2024 (فيديو)    حقيقة اغتيال هاشم صفي الدين    هل اعترض كولر على منصب المدير الرياضي في الأهلي؟.. محمد رمضان يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا حرية أو دولة دون دستور وعقل
نشر في الشروق الجديد يوم 18 - 10 - 2012

يرجع الفضل فى وصول العباسيين إلى الخلافة ودحرهم للأمويين عام 132 هجرية حوالى 1775 م إلى البناء التنظيمى للجهاز السرى العباسى، والذى كان يرأسه الإمام المستتر الذى يخطط للدعوة ثم الدعاة وعددهم ستة فقط يختارهم الإمام ممن يثق فى ولائهم ويحدد لهم مناطق نشاطهم وكانوا على علم بأسرار الدعوة، ثم يأتى بعدهم النقباء فكل داعية يختار اثنى عشر نقيبا من الذين أتوا قدرات خاصة دعائية وعسكرية، ومهمتهم تنفيذ مخططات الدعوة وأخيرا يأتى العمال، فكل نقيب يختار سبعين عاملا يديرون الجهاز السرى على الأرض ينتشرون بين الجماهير فى المدن والقرى لتكوين الخلايا، ونتيجة لهذه العبقرية العباسية انتشرت دعوتهم خلال العقود الثلاثة الأولى من القرن الثانى الهجرى.

وكان أول قرار لأبو مسلم الخرسانى الذى قام بالثورة هو استمرار التنظيم السرى العباسى على الرغم من وصولهم للحكم وقد برر قراره بعدة مبررات أهمها العمل على ترسيخ إيمان المسلمين بالخلافة العباسية وسياستها والحفاظ على المكاسب التى أحرزها الثوار وشرح وتبرير ومساندة أى قرار يخرج من ولاة الأمر وثانيها الكشف عن أعداء الثورة ومؤامراتهم، وثالثها مراقبة الولاة والعمال والوقوف على إلتزامهم بسياسة الدولة فى ولايتهم، وإخبار الخلفاء أولا بأول عن النواحى التى من شأنها إثارة خواطر الرعية وأخيرها تقديم المشورة والرأى عن أنجح الوسائل لاستمرار الثوار فى الحكم.

وفى نهاية القرن الثامن عشر اندلعت الثورة الفرنسية ضد طغيان الملكية ورفعت شعارات الأخوة والحرية والمساواة، وإذ بالثورة تأكل أبناءها، وفى الوقت الذى ازداد فيه الحنين الشعبى للعودة إلى الماضى بسبب الفوضى الضاربة، ظهر نابليون بونابرت وقام باسم القوانين الثورية الاستثنائية بتطبيق قوانين الغاب وألقى بالمفكرين والمستنيرين فى السجون، لكن الثورة الفرنسية رغم كل ذلك استمرت وانتصرت فى النهاية وحققت شعاراتها والسؤال: كيف؟! والإجابة هى أن الشعب الفرنسى نضج على نيران الاخفاقات التى مرت بها ثورتهم، فرغم الألم والعنف والسلطوية استمروا قابضين على ثورتهم بأياديهم كالجمر واستطاعوا من خلال فلاسفتهم ومنظريهم وشيوخهم وشبابهم ونسائهم أن يستكملوا مسيرتهم.

ومن أهم ما قرأته وأشاركك به عزيزى القارئ لأنه يلخص مشكلة الثورة المصرية والطريق إلى حلها، وعلى الرغم من أن هذه الكلمات كتبت منذ منذ أكثر من مائتى عام إلا أنها وكأنها كتبت لنا خصيصا هنا والآن، لقد كتبها مفكر وكاتب فرنسى يدعى بنجامين كونستان (1767 1830) فى كتابه «ردود فعل سياسية»، وتحت عنوان «لا حرية أو دولة دون دستور وعقل» وقد عرض هذا الجزء إبراهيم العريس فى جريدة الحياة الاثنين 8 أكتوبر 2012، يقول كونستان «إن مؤسسات شعب من الشعوب هى التى تضمن استقراره، فإن التغييرات السياسية للثورات تفسح المجال عادة لمكتسبات جديدة ولكن فى المقابل يجب احترام المؤسسات والقوانين، ومن هنا يجب على حكومة الثورة ليس فقط أن تكون محايدة وثابتة، بل عليها أيضا أن تقف بكل صلابة وقوة فى وجه أية محاولة لخرق القوانين فى الوقت الذى فيه يتعين عليها ألا تلجأ لأى طرف أو حزب أو فريق لكى تدافع عن نفسها كذلك يتعين عليها أن تكف عن اللجوء إلى أى عمل تعسفى يكون قادرا على ابقائها فى السلطة...أما الشعور لديها بأى شك وتردد تجاه المستقبل يدفعها لتحجيم الحرية وفى المقابل يجب ان يكون حب الحرية هو الحافز الأساسى الذى يحرك جهود الشعب الثائر من المخضرمين والشبان سواء بسواء، فإذا كان العجائز والمخضرمين يفتقرون إلى الإيمان والقدرة والحماس فإن على الشباب مجتمعى الصفوف أن يسيروا قدما وبكل حزم من أجل الدفاع عن مكاسب المجتمع، وفى وسط هذا النظام التدرجى والمنتظم لن يكون ثمة مكان لأية غيبية دينية، ولا لأى إنكار مشبوه للمثل العليا والإنسانية على أية حال».

بمقارنة ثورة العباسيين بالثورة الفرنسية نجد أن ثورة العباسيين انتهت وذهب ريحها بسبب ديكتاتورية الخلفاء واستبدادهم بالسلطة والنفوذ وذلك بعد خلافة المتوكل وما تلى ذلك من الغزو البوهيمى ثم السلجوقى للعراق فانهار نظام الخلافة وظهرت الدول المستقلة وانفرطت وحدة دار الإسلام، أما الثورة الفرنسية فقد تقدمت وتطورت من خلال دساتيرها وتمسكها بمبادئ الحرية والمساواة وحقوق الإنسان وأصبحت من أعظم دول العالم، وهنا نجد درسين لابد وان نتعلمهما:

الاول: العلاقة بين المكتسبات الثورية واحترام المؤسسات القائمة:

لقد كانت مكتسبات الثورة المصرية رائعة بدءا من شعاراتها ثم إسقاط النظام حتى صندوق الانتخابات وكان لابد لهذه المكتسبات أن يواكبها ولا ينفصل عنها ضرورة احترام القوانين والمؤسسات حيث ان عدم الاحترام يؤدى إلى التدهور والإخفاق وهو ما حدث بالضبط عندما لم نبدأ بالدستور وبدأنا بالانتخابات، وما حدث أيضا عندما قرر الرئيس إعادة مجلس الشعب المنحل بحكم قضائى هذا فضلا عن الأزمة التى وقعت بين الرئيس والمحكمة الدستورية وأخيرا أزمة إقالة النائب العام، إن السبب الحقيقى للفوضى التى نعيشها هذه الايام إنما تتلخص فى عدم احترام المؤسسات بحجة المكتسبات الثورية، إن الدول التى احترمت دساتيرها وقوانينها ومؤسساتها مثل تونس تقدمت أسرع منا بكثير ونالت احترام العالم وتعضيدة.

الثانى: العلاقة بين مستقبل الثورة ونوعية الدستور الذى يحكمها:

من المعروف أن الدساتير تحتوى على مبادئ عامة حاكمة، هذه المبادئ هى التى تشكل حاضر ومستقبل الدولة، فإذا كانت المبادئ الدستورية واضحة وإيجابية ترتقى بحياة الشعب وتقفز به إلى المستقبل، لذلك لا يجوز وليس من اللائق أو المنطقى أن تصاغ مادة دستورية إيجابية ثم تأتى جملة فى النهاية تفرغ المادة من مضمونها أو على الأقل تكون متناقضة معها، فمثلا المادة (36) التى تتحدث عن المساواة بين الرجل والمرأة فى جميع المجالات الثقافية والاجتماعية وغيرها تنتهى بجملة على ألا يخل بأحكام الشريعة الإسلامية، والمادة الخاصة بحق العبادة لغير المسلمين وتنص المادة على (المسيحيين واليهود) ثم يقول بما لا يخل بالنظام العام والقوانين المنظمة، وهذه الاستثناءات فى نهاية الفقرتين وغيرهما لا تجدها فى أى دستور فى العالم، لأن المبادئ العامة لا استثناء فيها، فأحكام الشريعة لها أكثر من تفسير فهناك أربعة مذاهب فقهية غير الفتاوى التى لا تعد ولا تحصى، والنظام العام تعبير غامض معناه القانونى ما توافق عليه المجتمع على مدى مئات السنين، فمن يا ترى الذى يحدد معنى النظام العام ولماذا النص على اليهودية والمسيحية بينما مصر تموج بالكثيرين المختلفين، ألا من احترام عام للإنسان كإنسان بغض النظر عن دينه أو لونه أو جنسه و هل الدستور يقيّم الإنسان بدينه ولونه وجنسه؛ وهنا يوصم الدستور بأنه عنصرى لا يتناسب مع العصر أو حقوق الإنسان وهكذا لا تدرج مصر ضمن بلاد العالم المتحضر أما تعبير «بما لا يخل بالشريعة الإسلامية» فهو يوحى بأن الشريعة ضد المساواة بين الرجل والمرأة فى بعض الحالات وهذا هو المفهوم اللغوى للجملة وأيضا هنا علامة استفهام وتعجب ترتسم على وجوه العالم الخارجى وعلى المرأة المصرية التى تتطلع إلى الثورة ودستورها بأمل جديد متجدد.

عزيزى القارئ لعلك تعلم بأن مصرنا تقف فى مفترق طرق بين ثورة العباسيين والثورة الصومالية ونموذج السودان من جانب وبين الثورة الفرنسية ونموذج تركيا وماليزيا واندونسيا، من الجانب الآخر بيننا من يريدها صومالا وسودانا وبيننا من يريدها فرنسية ماليزية تركية والمأساة أن بيننا من يهتف: نريدها تركية وماليزية فرنسية لكنه يتحرك بطريقة أفغانية صومالية سودانية، والعكس غير صحيح لأنه مستحيل، لذلك ففرصتنا أقوى لدولة مدنية ديمقراطية حديثة وذلك بحكم التاريخ والجغرافيا والعنصر الثالث أى الإنسان، وكل رجائنا ألا يخذل الإنسان المصرى تاريخه وجغرافيته أى حضارته فلا حرية أو دولة دون دستور وعقل.


أستاذ مقارنة الأديان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.