تبدأ رحلة مجند الأمن المركزى المكلف بحماية الحدود الدولية المشتركة مع الجانب الإسرائيلى عند العلامات الحدودية المختلفة، من أحد المقاهى بمنطقة المرج، تمر سيارات الأجرة المخصوص لاصطحابهم إلى قطاع الأمن المركزى بوسط سيناء، عند الكونتلا، هكذا يطلقون على قيادة المنطقة العسكرية «ج». «احنا عساكر كتير بنتجمع فى قطاع الأمن المركزى لكن القطاع مالوش علاقة بينا، بتيجى عربية تاخدنا، حوالى 100 مجند، وتطلعنا على النقاط بتاعتنا، وترجع بعد فترة تاخد اللى نازلين اجازات من كل النقاط»، الكلام على لسان جندى بقطاع الأمن المركزى بوسط سيناء، يسمى ملحق عسكرى للقوات المسلحة، ومن المكلفين بحماية الحدود بمنطقة الكونتلا التى وقع فيها الحادث، طلب عدم ذكر اسمه.
«نهاية طريق الميكروباص تكون عند القطاع، بعدها يستقل الجنود السيارة اللورى الزرقاء لتوصلهم إلى نقطة التمركز، هما عربيتين واحدة بتعطل على طول، والتانية الكورونة بتاعتها عطلانة وعايزة تتصلح وبرضو شغالة، والطريق صعب وأكيد العربية عطلت.. فاتقلبت» شرح المجند «س» كيف تكون رحلته مع باقى الجنود موضحا أن احدى السيارات بها عطل فى منطقة الربط بين العجلتين، ورغم ذلك يتم تشغيلها فى نقل الجنود.
«زمايلى اللى استشهدوا الله يرحمهم دول بقالهم شهر ما شفوش اهاليهم، وماكلمهمش لان ما فيش وسيلة اتصال فى المنطقة، يعنى شهر الانسان معزول عن العالم صحرا وسما»، قالها الجندى الذى ترك رفقاءه فى اجازة لمدة 15يوما قضاها مع اهله.
«نقطة التمركز التى توصلهم إليها اللورى عبارة عن غرفة بها 20 سريرا مبنية وسط الصحراء، وبها مخزن الاسلحة، يتوجه اليها وهو وزملاؤه ليرتاحوا قليلا ثم يتسلموا اسلحتهم، ويبدأون بالسير على الاقدام كل منهم حسب اتجاه مكان خدمته، وتستمر مهمته بالنقطة لمدة شهرا كاملا ثم تقطعه اجازة 15 يوما».
«اول ما بوصل النقطة باستلم البندقية و4 خزن بكل خزنة 25 طلقة وكل واحد يروح على النقطة بتاعته، وكل مجموعة عارفة اتجاهها ونكون 3 مع بعض نستلم ونسلم الخدمة ومدة الخدمة 12 ساعة وراحة 12 ساعة تانية»، يبدأ المجند المرحلة الثالثة فى طريقه على الحدود وجها لوجه مع جنود العدو واحيانا تدور بينهم الأحاديث.
«الصحراء هى مكان الخدمة.. أنا واقف على السلك الشائك فى الجبال، كل كيلو فيه عسكرى معاه البندقية، وقاعد لو فى الصيف يبقى فى الشمس، ولو الشتا يبقى فى المطر والبرد». فى الوقت الذى يقف فيه الجندى المصرى 12 ساعة على الحدود، تكون مدة خدمة العساكر الإسرائيليين ساعتين.. هما مرفهين وبيمشطوا المكان بعربيات وطيارات، احنا حتى السلاح يضرب طلقة ويمنع عشرة». ما بين حماية الحدود والاخطار التى يتعرض لها المجندون وسط اهمال تسليحهم وادواتهم، تشكل سوء معاملتهم واهانتهم فصلا مهما فى حياة المجند على الحدود.
«احنا هنا بره العالم، الضباط بتضربنا، وانا مرة ضابط ضربنى ووقفنى انتباه 10 ساعات علشان وانا بكلمه رفعت ايدى وعينى جت فى عينه، قال لى وانا بكلمك ما ترفعش عينك ولا ايدك، وضربنى ودى كانت اول وآخر مرة تحصل معايا بس فى اعتداءات كتير من الضباط على الجنود».
واحيانا تتعدى معاملة الضباط السيئة للمجندين حد الضرب وقد تتسبب فى الموت، «احنا طول فترة الخدمة فى خطر، وبنتعامل اسوأ معاملة، فى ناس بتموت معانا محدش يعرف عنها حاجة وبيسلموهم لاهاليهم، وفيه اللى بيستشهد فى عمليات التهريب».
يحكى المجند ما تعرض له زميله الذى طلب إجازة من الضابط المسئول لكنه رفض «زميلنا من شهر طلب من الرائد احمد عبدالواحد ضابط شئون الافراد فى قطاع وسط سيناء للأمن المركزى إجازة عشان يعمل عملية، ورفض اعطاءها له وتسبب فى وفاته بعد يومين مرض».
اعتبر الضابط أن المجند يتمارض، وأجبره على العودة للخدمة، عانى الأخير من السخونة حتى توفى، ثم اتصلت القيادات بأهله وسلمتهم جثمانه دون ان يحاسب احد داخل القطاع.
مشهد آخر تذكره «س» جمعه مع صديقه اثناء
خدمته، «كنت انا وزميلى فى الخدمة واقفين نتكلم مع بعض لقيته تعب واغمى عليه من التعب، وقلة الاكل، ضربت نار فى الهوا كتير علشان الضابط تحت فى النقطة يسمع الصوت لان الصوت بالليل فى الجبل بيكون قوى، والضابط طلع وخده مالقيوش ليه علاج غير اسعافات اولية، وتانى يوم نزل الخدمة عيان».
على الحدود تابع «س» زملاءه فى لحظات المرض، وكذلك كان شاهدا على آخر أنفاسهم «زميلى الشتا اللى فات اخدته السيول وهو واقف فى الخدمة والسيل كان شديد وجرفته الميه معاها ومات وسلموه لاهله، وده بسبب الاهمال فى تأمين الجنود»، بينما روى مشهدا اخر وهو حادث اطلاق طائرة إسرائيلية النار على نقطة الحدود، كان «س» متواجدا فى النقطة أثناء الاعتداء، وروى رواية مختلفة عما تم اذاعتها على الرأى العام.
«يوم الحادث قام عدد من المسلحين بسرقة مدرعة تابعة للحدود وكانوا يرتدون ملابس قوات الأمن المركزى، وقاموا باقتحام السلك الشائك، وعندها قامت طائرة إسرائيلية باطلاق الرصاص عليهم فقتلتهم جميعا وعندما حضرنا للاشتراك فى المطاردة قامت القوات الإسرائيلية باطلاق الرصاص علينا للاشتباه بنا بسبب الزى الموحد واستشهد وقتها النقيب أحمد جلال عبدالقادر، والجنديان اسامة جلال وطه محمد ابراهيم».
«الناس اللى بتموت، بتموت بسبب الامكانيات الضعيفة للتسليح وعلى مدار تجنيدى لمدة العامين ونصف استشهد اكثر من 40 جندى».
حياة مجند الأمن المركزى على الحدود تختلف عن زميله الذى يؤدى خدمته فى القاهرة أو المحافظات المختلفة، فالأول تتمحور مشكلته فى التسليح الذى قد يؤدى الاهمال فيه إلى موت المجند أما الأخير فإن سوء المعاملة وتدنى مستوى المعيشة فى المعسكرات هى مشاكله المزمنة.
«عند النقط الحدودية محدش بيسأل فى حد كل جندى مسئول عن نفسه ممكن يموت محدش يعرف عنه حاجة، اول ما العسكرى المستجد بيوصل النقطة بيكون مش فاهم حاجة حتى ضرب النار، أنا بقف على رجلى 12 ساعة وممكن ارتاح فى كوخ صغير من الحجارة وسقفه من الصاج أو الكرتون بنيناه انا وزمايلى مساحته متر فى متر».
ادوات تسليح المجند كما يصفها «س» هى البندقية وطلقاتها والصديرى الذى يرتديه للوقاية من الرصاص، «السلاح اللى معايا ما يحمينيش وقت الخطر لما بتيجى عصابات التهريب ممكن تثبت العسكرى وتعدى الصفقة لان سلاحه ما ينفعش يحارب سلاحهم المتعدد وكتير بيحصل ده». المشاكل المشتركة بين الجنود تضاف إلى مشاكل مجند الحدود، فالطعام والشراب مشكلة مزمنة «الاكل والشرب فيه نوعين الدرجة الاولى للضباط، والدرجة الخامسة لينا المجندين عيش ناشف وجبنة وممكن يومين ما نكلش».
الاهمال وقلة الطعام والمعاملة السيئة تجعل مجند الحدود فى حالة هزيلة، «انا باخد 500 جنيه منها 200 جنيه مواصلات والباقى بصرفوا وبكمل عليه علشان اعيش فى الصحرا»، لكنه بضحكة تملؤها الثقة يقول «على حالى ده ومن غير سلاح العسكرى الإسرائيلى بيخاف منى مع انه معاه سلاح احدث منى بس هو شايف الظروف اللى انا بنخدم فيها وهو ما يقدرش على ساعتين خدمه معايا».