يبدو واضحا أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أراد من خلال خطابه فى الأممالمتحدة تحقيق ثلاثة أهداف، هى: ردع إيران، تعبئة الرأى العام الغربى والعربى من أجل اتخاذ الخطوات التى تؤدى إلى تعزيز «الخط الأحمر» الذى رسمه، ترميم علاقته بإدارة أوباما وتحسينها، وإنقاذ إسرائيل من العزلة السياسية من خلال تصويرها كمعقل للحضارة الغربية وللديمقراطية وسط منطقة مهددة اليوم بالعودة إلى عصور الظلام. ويمكننا الافتراض أن الخطاب استطاع أن يحقق الهدفين الأولين، وهما: أولا، ردع إيران من خلال وضع خط أحمر منطقى يفهمه جزء كبير من الرأى العام الأمريكى والغربى. وثانيا، طمأنة الرئيس الأمريكى باراك أوباما، ومواطنى إسرائيل الذين كانوا يشعرون بالقلق فى الفترة الأخيرة. فقد اتضح من كلام نتنياهو أن الفرصة لاتزال سانحة لاستخدام الضغط على إيران قبل أن تتجاوز الخط الأحمر، بحيث لن يكون فى مقدور إسرائيل وحدها وقف السباق الإيرانى نحو القنبلة النووية.
من هنا يمكن القول إن احتمال قيام إسرائيل بمهاجمة المنشآت النووية العسكرية فى إيران يكاد يكون معدوما، وبالتأكيد فإن هذا لن يحدث قبل الانتخابات الأمريكية فى نوفمبر المقبل، ولا حتى خلال الشتاء المقبل. ويبدو من الخط الأحمر الذى رسمه نتنياهو أن التوتر بشأن هذه المسألة سيتصاعد مرة أخرى فى مارس 2013 ، فى حال واصل الإيرانيون تخصيب اليورانيوم على درجة متوسطة.
●●●
لقد نجح نتنياهو فى تبسيط عملية شرحه ماهية الخط الأحمر، وكان هذا ضروريا من أجل إيصال هذه الفكرة إلى أوسع قدر ممكن من فئات الرأى العام الغربى. كذلك شرح نتنياهو ما المقصود بمصطلح «فوات الأوان»، أى عندما تمتلك إيران ما يكفى من المواد المخصبة، والمقصود امتلاكها يورانيوم مخصبا على درجة 93 ٪ يمكن بواسطته صنع نواة قنبلة واحدة. حتى الآن ليس لدى إيران غراما واحدا من هذه المادة، لكنها جمعت لديها نحو 200 كيلوجرام من اليورانيوم المخصب على درجة 20 ٪. وعندما سيصبح لدى الإيرانيين نحو 260 كيلوجراما من اليورانيوم المخصب على درجة 20 ٪، فإنه سيكون فى مقدورهم الانتقال فورا إلى المرحلة النهائية، أى رفع درجة تخصيب هذه الكمية من 20 ٪ إلى 93 ٪، ويمكن خلال بضعة أسابيع أو أشهر إنتاج نحو 26 إلى 28 كيلوغراما من المواد المخصبة على درجة 93 ٪، والتى يمكن بواسطتها صنع نواة قنبلة نووية واحدة.
لقد صدق نتنياهو عندما قال إنه ما إن تنجح إيران فى إنتاج مواد مخصبة فى منشأة نووية سيصبح من الصعب كبحها، ذلك بأن مرحلة التخصيب الأخيرة ستكون سريعة للغاية ومن الصعب إيقافها، ومن الممكن ألا تعرف بها أجهزة الاستخبارات.
●●●
من هنا، وبدءا من اللحظة التى يصبح فيها لدى إيران ما يكفى من كميات اليورانيوم المخصب على درجة 20 ٪ لصنع القنبلة، فإنها ستصبح دولة عظمى على وشك التحول إلى دولة نووية. ولذا يتعين على المجتمع الدولى عدم السماح لها بالوصول إلى هذه المرحلة.
فى المقابل هناك خط أحمر آخر بالنسبة إلى الأمريكيين لم يعلنه أوباما، لكن مصادر مطلعة فى واشنطن تعرف جيدا أين يمر. وهذا الخط أكثر تعقيدا، ويتمثل فى إصدار الزعيم الأعلى على خامنئى أوامره بصنع السلاح النووى، أى برفع تخصيب اليورانيوم بهدف صنع الرؤوس الحربية النووية، الأمر الذى لا يمكن أن يحدث قبل أن يصبح لدى الإيرانيين ما يقارب 800 كيلوجرام من اليورانيوم المخصب على درجة 20 ٪. وفى رأى الأمريكيين، حتى إذا لم تستطع أجهزة الاستخبارات معرفة ما إذا كان الأمر قد صدر بصنع القنبلة، فإن فى استطاعة مراقبى الوكالة الدولية للطاقة الذرية معرفة ذلك.
إن الفرق بين خط نتنياهو وبين خط الأمريكيين واضح. فما يحاول نتنياهو أن يقوله للأمريكيين الآن هو التالى: تعالوا لنتحاور ولنحل معا الاختلافات فى الرأى كى نتوصل إلى اتفاق سرى بشأن التوقيت الذى ينبغى أن نشن فيه هجوما عسكريا على إيران.
لقد أعرب نتنياهو عن استعداده للانتقال الى مسار سرى، لا لحل الخلاف السياسى مع أوباما فحسب بل أيضا للتعتيم على الموضوع ولمنع الإيرانيين من الاطلاع على الاتفاق الذى سيجرى التوصل إليه بين إسرائيل وبين الأمريكيين والأوروبيين.
فى جميع الأحوال فإن الإيرانيين لن يصلوا إلى الخط الأحمر الذى وضعه نتنياهو قبل الانتخابات الرئاسية فى الولاياتالمتحدة. وبالتالى، فإن التطورات الأساسية فى هذه المواجهة ستحدث خلال أشهر الشتاء المقبلة.
أمّا فيما يتعلق بهدف إخراج إسرائيل من العزلة السياسية، فمن الصعب معرفة ما إذا كان نتنياهو نجح فى تحقيق هذا الأمر بشكل كامل، إذ إن كلامه عن إسرائيل بصفتها منارة للديمقراطية والتقدم وسط مجتمعات تعيش فى عصور الظلام جاء متعاليا ومتكبرا، ولن يساعدنا فى تحسين مكانتنا فى المنطقة.