يبدو أن قرية عرب الحِصار التابعة لمركز الصف بمحافظة الجيزة كُتب لها نصيب من اسمها، بعد أن شهدت ليلة دامية مساء يوم الأحد الماضى، حيث نشبت اشتباكات مسلحة بين عائلتى أبو عمار وأبو بسيونى والتى استمرت نحو ثمانى ساعات وراح ضحيتها امرأة حاولت إنقاذ شقيقها الذى سقط غارقا فى دمائه على الأرض إثر إصابته بطلق نارى. فخرجت مهرولة لاجتذاب شقيقها إلى داخل منزلها فلم تكد تصل إليه حتى اخترقت جسدها الأعيرة النارية من كل صوب فأردتها قتيلة بجوار شقيقها المصاب بعد أن ظلت تنزف الدماء حتى فارقت الحياة، كما أسفرت الاشتباكات أيضا عن إصابة 6 أشخاص واحتراق 3 منازل.
«شوارع خالية من الناس وبيوت شبه مهجورة» هكذا أصبحت القرية التى انتقلت إليها «الشروق»، حيث القلق يسيطر على الأهالى خوفا من تجدد الاشتباكات بين العائلتين، خصوصا بعد رفض أهالى القتيلة تقبل العزاء، ما ينبئ عن انتظارهم لأخذ الثأر من عائلة أبو بسيونى، فى الوقت الذى ظهر الحزن جليا على وجوه أهالى القرية التى تقع فى المنطقة الصحراوية شرقا وتبعد عن القاهرة قرابة 50 كيلومترا، بسبب وفاة الضحية دون ذنب اقترفته.
الغريب فى الأمر أنه على الرغم من ذلك الخطر الذى يتهدد القرية والوضع المحتدم فقد غابت عن القرية حتى ظهر أمس التعزيزات الأمنية، وخلت القرية من أية سيارات أو مدرعات تابعة للأمن المركزى، فيما لا يفصل بين منازل العائلتين شىء.
«الشروق» التقت أحد أفراد عائلة عمار ويدعى محمد حسين، والذى روى أحداث المشاجرة، قائلا: البداية تعود إلى شهر رمضان حيث قام أحد أفراد عائلة أبو بسيونى بتوسيع حيز قطعة أرض مملوكة له وبناء سور استولى من خلاله على جزء كبير من الشارع العمومى المؤدى إلى منزل محمد حسين»، وأثناء ذلك أوضح محمد حسين أنه وأفراد من عائلته أبدوا اعتراضهم على بناء السور، وتصاعدت المشكلة ووصلت إلى التشاجر بالأسلحة النارية وأصيب وقتها 5 أفراد من عائلة بسيونى، وعلى إثر ذلك عقد كبار رجال القرية 3 جلسات صلح كان آخرها تلك التى سبقت واقعة التشاجر فجر أمس بيوم واحد، مشيرا إلى أن أفراد العائلتين اتفقوا فيما بينهم على هدم السور، وتابع: «وفى مساء أمس الأول وأثناء وجودى مع أفراد العائلة داخل المنزل فوجئنا بإطلاق عدة أعيرة نارية صوب باب منزلنا»، وعندما خرج أهل المنزل ليعرفوا ماذا يحدث بالخارج، عرفنا أن الرصاص من عائلة بسيونى، ولم يقف أفراد عائلة عمار مكتوفى الأيدى ووابل الرصاص ينهال عليهم «فجهزنا السلاح وبدأنا نضرب عليهم النار»، مشيرا إلى أنهم قاموا بمبادلتهم إطلاق النار خصوصا بعد وقوع عدد كبير من المصابين من عائلته ومنعهم من نقلهم إلى المستشفى فضلا عن إشعال النار فى سيارة حاولت نقل مصاب يرقد الآن بين الحياة والموت بالعناية المركزة بإحدى المستشفيات بمنطقة الدقى.
وعن مقتل بدرية عمار أوضح حسين أنه أثناء إطلاق النار فوجئت بدرية بسقوط شقيقها غارقا فى دمائه وعندما حاولت إنقاذه لنقله إلى داخل المنزل أصيبت بطلق نارى فى الظهر أدى إلى وفاتها فى الحال.
وعلى الجانب الآخر التقت «الشروق» طرفا آخر من المعركة.. إذ يروى أمين بسيونى أحد أفراد عائلة أبو بسيونى أن سبب المشاجرة هو التعصب القبلى المسيطر على عائلات القرية، مشيرا إلى أن حالة الشلل التى تحياها القرية الآن تنذر بتجدد الاشتباكات التى لن تحمد عواقبها فيما بعد، وأشار أمين إلى أن شباب العائلتين الصغير هم من أشعلوا تلك المشاجرة وتورط فيها الكبار، موضحا أن «ما حدث من مقتل السيدة بدرية شىء لا يحتمل، خصوصا أنها لا ذنب لها بما جرى بين شباب العائلتين».
وعلى الصعيد الرسمى أمر محمد عامر، مدير نيابة الصف، بحبس 26 متهما من العائلتين وإخلاء سبيل متهم تم القبض عليه وتبين من الأوراق الرسمية وشهادة الشهود أنه غير منتم لأى من العائلتين، فيما وجهت النيابة للمتهمين المحتجزين تهمة القتل العمد والشروع فى القتل وحيازة أسلحة وذخائر لا يجوز ترخيصها وإتلاف الممتلكات الخاصة من خلال الحرق العمد والبلطجة.
كما طلبت النيابة ضبط وإحضار 7 متهمين آخرين اتهمهم شهود العيان، فضلا عما أفادت به التحريات الأولية، بضلوعهم فى الأحداث، كما استعجلت النيابة تقارير المعمل الفنى حول المنزل المحترق وتقرير الطب الشرعى الخاص بالضحية وتحريات المباحث الجنائية.
كان اللواء أحمد سالم الناغى، مدير أمن الجيزة، قد تلقى بلاغا فجر أمس الأول بنشوب مشاجرة بالأسلحة النارية بين عائلتين بقرية عرب الحصار القبلية بمركز الصف، وأنه اشتد الشجار وتطور إلى استخدام الأسلحة النارية، وعلى الفور انتقلت 4 تشكيلات أمنية إلى القرية، وأصيبت بدرية سيد عمار (45 سنة ربة منزل) بطلق نارى فى الظهر، وتم نقل جثتها إلى مشرحة مستشفى الصف العام، كما أصيب كل من حمدى زايد عمار (28 سنة) بطلق نارى بالركبة اليسرى، وعبير أمين عمار (35 سنة) بطلق نارى بالفخذ اليسرى، ومحمود سيد عمار (43 سنة عامل) بعدة طلقات نارية فى الصدر والبطن والكتف والظهر.
وأصيب من عائلة أبو بسيونى، كل من كامل.أ (43 سنة) مصاب بطلق نارى فى البطن، وكامل .ح (26 سنة سائق) مصاب بطلق نارى فى الركبة اليسرى، ومصطفى. ل مصاب بحروق باليدين والساقين بنسبة 50% وجميعهم مقيمون بناحية الشيخ صالح، وتم نقلهم إلى مستشفى الصف ورفضوا تلقى العلاج وفروا هاربين، وأثناء المشاجرة قام عدد من أفراد عائلة أبو بسيونى بإشعال النيران بأحد منازل عائلة عمار، وامتدت النيران إلى سيارة كانت بجوار المنزل، وتم إخماد الحريق بواسطة أهالى المنطقة.
وفور وصول قوات الأمن إلى المنطقة تبادل أفراد عائلة أبو عمار، وأفراد عائلة أبو بسيونى، إطلاق النيران فى اتجاه قوات الشرطة لمنعهم من الدخول إلى القرية، فطلبت القوات تعزيزات أمنية من مديرية أمن الجيزة، التى عززت القوات ب 10 عربات أمن مركزى، قامت جميعها بمحاصرة القرية واستطاعت القبض على 27 متهما من العائلتين.
وعقب ذلك غادرت القوات الأمنية القرية تاركة أهلها فى حالة من القلق خوفا من تجدد الاشتباكات مرة أخرى، خصوصا بعد هروب عدد من أفراد العائلتين وبقاء عدد آخر لم يتم القبض عليه بعد.