رغم قوة ومتانة العلاقات بين القاهرةوواشنطن، خاصة فى المجالات الأمنية والاستراتيجية، والتى مضى عليها أكثر من 30 عاما، وصمدت أمام أزمات كثيرة، بغض النظر عن نوع الإدارة الأمريكية سواء كانت ديمقراطية أم جمهورية، إلا أن الولاياتالمتحدةالأمريكية احتضنت عددا من المنظمات والأشخاص البارزين، الذين كانوا يعارضون نظام الرئيس السابق، حسنى مبارك، ويعارضون حاليا الرئيس محمد مرسى، وجماعته «الإخوان المسلمين»، كلٌ وفق أهدافه وأجندته الخاصة. وتشكف الزيارة الأولى للرئيس مرسى إلى مدينة نيويورك لحضور أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، خريطة المعارضة المصرية فى أمريكا، والتى لا تتشكل فقط من أقباط المهجر ولكن أيضا من مسلمين يرفضون «أخونة الدولة»، كما تتسبب أيضا فى مشكلات كبيرة بين جماعات وتنظيمات الجالية المصرية هناك.
وأثارت أنباء عزم مرسى عقد اجتماع مع أفراد الجالية فى أمريكا، خلافات بين المصريين الذين انقسموا إلى متحمس لحضور لقاء الرئيس، وآخرين يدعون للمقاطعة، فيما ينادى الصنف الثالث بالتظاهر ضده.
وألقت دعوة بعض المنظمات المصرية الحقوقية والسياسية ونشطاء، للتظاهر أمام مقر منظمة الأممالمتحدة بمدينة نيويورك غدا الأربعاء 26 سبتمبر، أثناء إلقاء الرئيس المصرى كلمته ضمن أعمال الدورة 67 للجمعية، بالضوء على ما يمكن أن نطلق عليه «المعارضة المصرية فى أمريكا».
ودعت تلك المنظمات فى بياناتها، التى حصلت «الشروق» على نسخ منها، جميع المصريين مسلمين وأقباطا إلى التوجه إلى مبنى الأممالمتحدة بمقاطعة منهاتن بمدينة نيويورك فى العاشرة من صباح الغد، للتظاهر أثناء إلقاء الرئيس مرسى خطابه، بهدف «لفت أنظار العالم لاحتجاجهم على أسلمة الدولة المصرية وأخونتها ومحاولة القضاء على الدولة المدنية فى مصر».
وتذكر بعض تلك البيانات قلقا كبيرا من مسلمين وأقباط على مستقبل الدولة المدنية فى مصر، وعلى محاولة إصدار «دستور فاشى لدولة دينية فاشية»، وحملت البيانات شعارات تقول «تعالى وقول لا للدولة الدينية»... «لا لأخونة مؤسسات الدولة المصرية»... «لا لأسلمه الدستور»... «لا للفاشية»، و«لا لتدخل الكنائس فى الشأن السياسى والحقوقى».
كذلك أصدرت 16 منظمة قبطية بيانا تنتقد فيه دور بعض الكنائس القبطية وتعاونها مع السفارة المصرية وقنصلية نيويورك فى «دعوة بعض الأقباط» للذهاب للترحيب بالرئيس محمد مرسى أثناء زيارته لنيويورك، ورفض بيان هذه المنظمات هذه الدعوات شكلا وموضوعا، وعبر عن «رفضه رفض تدخل الكنيسة فى الشأن السياسى والحقوقى، أو أن تكون أداة أجهزة الدولة لتكبيل الأقباط».
ودعت هذه الجمعيات كما ذكر بيانها «جميع الأقباط الشرفاء إلى مقاطعة مثل هذه اللقاءات العقيمة والتى ليس لها هدف سوى تقسيم الأقباط فى الخارج وإعطاء إيحاء كاذب للعالم بأن الأقباط فى توافق مع حكم الإخوان المسلمين».
ويصعب التمييز بين الأشخاص والتنظيمات داخل المعارضة المصرية فى الولاياتالمتحدة، مثلها مثل الحالة داخل مصر. ولم تنجح أغلب تنظيمات المعارضة المصرية فى تأسيس بنيان مؤسسى لها، وهناك أسماء وأفراد من عائلة واحدة تهيمن على جماعة أو أخرى. ولا توجد أعداد واضحة لأعضاء الجمعيات والمنظمات المعارضة، وتنحسر عضوية بعض الجمعيات فى شخص واحد، بدون أن يكون هناك حتى مقر للجمعية، ويتم أحيانا التواجد إلكترونيا فقط، وفى أحيان أخرى لا يوجد حتى موقع إلكترونى. ولبعض التنظيمات الأخرى أعضاء يعدون بالعشرات فقط، هكذا يغيب البعد المؤسسى عن أغلب هذه التنظيمات.
وتاريخيا انحصرت المعارضة المصرية داخل الولاياتالمتحدة فى جماعات الأقباط، ومن هنا استخدم مصطلح «أقباط المهجر» على نطاق واسع، وبين عدة تيارات تنادى فى مجملها بضرورة توقف التمييز الذى يتعرض له الأقباط داخل مصر، والضغط من أجل تبنى قانون موحد لبناء أدوار العبادة، إضافة إلى ضرورة تشجيع المشاركة السياسة للأقباط داخل مصر وضرورة تواجدهم فى مناصب أمنية وأكاديمية وحكومية تكاد تكون مغلقة على المسلمين.
وتوفر المشاحنات التى تشهدها مصر بصورة متزايدة ومتكررة ويغلب عليها البعد الدينى الطائفى، حالات يستخدمها الأقباط لدعم مطالبهم والتأكيد على تعرضهم للتمييز، كما حدث مع أزمة قرية الكشح، ونجع حمادى، والقديسين.
وبالطبع كان انتخاب الرئيس مرسى والصعود السياسى لجماعة الإخوان المسلمين والجماعات السلفية دافعا إضافيا لإحساس الأقباط بمعاناتهم.
ولا يوجد تجمع قبطى قوى أو مركزى ينطوى تحت لوائه أغلبية أقباط أمريكا، بل تتعدد الجمعيات والتنظيمات، وتتنوع كذلك فى أساليب عملها وتوجهاتها السياسية، فهناك من هم أقرب للكنيسة فى مصر، وهناك من هم على النقيض من الكنيسة. كذلك هناك من يتهم منهم بالتعاون مع الجهات الأمنية المصرية من أجل تحقيق مكاسب مؤقتة، ومنهم من يؤيد ويبارك التحالف مع التنظيمات غير القبطية، ومنهم من يعارض ذلك.
وإضافة لما سبق، توجد فئة أخيرة تتمثل فى عدد محدود من الباحثين والإعلاميين المصريين ممن اختاروا الدخول لواشنطن من خلال أبواب اليمين المحافظ، حيث تلقفتهم مراكز بحثية معروف عنها قربها من دوائر ذات توجهات متشددة مثل مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية. ويتجنب هؤلاء الباحثون الليبراليون التطرق لقضايا صراع الشرق الأوسط، نظرا لقرب هذه المراكز من اللوبى الإسرائيلى.
أساليب عمل المعارضة المصرية فى أمريكا
تتنوع أساليب عمل المعارضة المصرية داخل واشنطن، ويمثل الكونجرس دائرة الاهتمام الأكبر لسهولة الوصول إليه، حيث إن هناك 435 عضوا بمجلس النواب و100 عضو بمجلس الشيوخ. ويتطلب الأمر أحيانا علاقة جيدة يمكن بنائها مع أحد الأعضاء أو أحد مساعديهم وهم بالآلاف، لتنظيم جلسة استماع Hearing أو جلسة مناقشة Briefing لقضية ما.
كذلك يمكن تأجير أحد قاعات مبانى الكونجرس العديدة لعقد ندوة أو مناقشة إصدار جديد، لذا تروج المعارضة المصرية بواشنطن كثيرا لأنشطة كثيرة تجرى بالكونجرس، إلا أن الأنشطة المهمة هى قليلة فى مجملها.
كذلك ظهرت مؤخرا موجة جديدة من أساليب جماعات المعارضة فى واشنطن، تتمثل فى الرسائل التى يوجهها رموز المعارضة المصرية للبيت الأبيض وتحديدا للرئيس باراك أوباما. ولا تتم معرفة خبر إرسال هذه المجموعة أو تلك لخطاب للبيت الأبيض إلا عن طريق الإعلام المصرى.
وإرسال خطابات للبيت الأبيض هو شىء سهل جدا، فما على الشخص إلا أن يغلق ظرف البريد وأن يضع عليه طابع بريد قيمته أقل من دولار واحد، أو 0.42$ تحديدا، ويرسله على عنوان البيت الأبيض الموجود على موقعه الإلكترونى.
وتقوم المعارضة المصرية نفسها بالترويج لما توجهه من خطابات للبيت الأبيض فى وسائل الإعلام المصرية، فى ظل غياب أى صدى أو ذكر لما يرسل فى وسائل الإعلام الأمريكية. وتتناول هذه الرسائل حزمة مطالب تقليدية تتمثل فى مطالبة الرئيس الأمريكى باراك أوباما بأن يثير قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، والأقليات مع نظيره المصرى.
كذلك يمثل الإعلام الأمريكى هدفا آخر شديد الأهمية للمعارضة المصرية داخل الولاياتالمتحدة، إلا ونظرا لصعوبة اختراق الإعلام الأمريكى، إضافة إلى عدم أهمية قضايا المعارضة المصرية للأغلبية العظمى من الأمريكيين. وباستثناء الدكتور سعد الدين إبراهيم، يعجز رموز المعارضة المصرية فى الوصول للإعلام الأمريكى المؤثر، ويكتفون بإبلاغ رسائلهم لوسائل الإعلام المصرية والانتشار من خلالها.
وتحاول المعارضة المصرية عقد ندوات ومناقشات مفتوحة حول قضايا الحريات وغياب الديمقراطية فى مصر. وتسهل طبيعة مدينة واشنطن، ووجود عدة جامعات كبيرة ومراكز بحثية متعددة من هذه المهمة. ويصعب رصد تأثير مثل هذه الندوات فى وقت لا تخلو فيه واشنطن من انعقاد عشرات الندوات والمؤتمرات يوميا.
تمويل المعارضة
تغيب الشفافية عن سبل تمويل أنشطة المعارضة المصرية داخل الولايات المصرية. وباستثناء المعارضة القبطية التى تجمع الكثير من أموالها من تبرعات الأقباط فى الكنائس، تتبنى التنظيمات الأخرى شكل المنظمات غير الهادفة للربح.
وتؤسس هذه المنظمات بشكل قانونى ويحق لها الحصول على منح وهبات من جهات عديدة، حكومية وغير حكومية وشبه حكومية، وتتمتع بحق الإعفاء الضريبى للتبرعات المقدمة لها. ولا توجد تقارير سنوية منشورة تظهر إيرادات ومصروفات أيا من تنظيمات المعارضة فى الولاياتالمتحدة، وعلى العكس من النموذج الشفاف الذى تتبناه نظيراتها من الجمعيات الأمريكية.
اللهث وراء الإعلام المصرى
فى ظاهرة محيرة، يلهث رموز المعارضة المصرية فى الولاياتالمتحدة وراء الانتشار مصريا، ومن خلال وسائل الإعلام المصرية.
يذكر بعض المحررين فى العديد من الصحف المصرية بأنهم يتلقون مكالمات منتظمة من رموز المعارضة المصرية بالولاياتالمتحدة تطلعهم على أحدث أخبارهم وأنشطتهم. كذلك يقوم العديد من المعارضين المصريين أنفسهم بممارسة الصحافة ومراسلة بعض الصحف المصرية، وكتابة تفاصيل لقاءات رموز المعارضة وأى أنشطة يقومون بها فى محاولة لتضخيمهم وإظهارهم كقوى سياسية فاعلة فى واشنطن.