جودة عبد الخالق: سكة صندوق النقد طريق سد.. والتباطؤ سيخفف الضغط لكنه لن يفيد    الجيش الإسرائيلي يعترض طائرتين مسيريتين في منطقة إيلات    «أحمق حقيقي».. سجال لفظي بين ترامب وأوباما بسبب دعم كامالا هاريس    استشهاد وإصابة عشرات الفلسطينيين في أكثر من 20 غارة إسرائيلية على شمال غزة    نجم الأهلي السابق يختار الحارس الأفضل لمواجهة الزمالك    لليوم الثاني، الأرصاد الجوية تحذر من طقس اليوم وتؤكد: استمرار الرياح وعودة الأمطار    هاني شاكر يخطف قلوب جمهور الموسيقى العربية بأغاني الزمن الجميل    للمرة الثالثة، مناظرة مرتقبة تجمع باسم يوسف وبيرس مورجان اليوم    سلامة: المجلس الوطني للتعليم يضم بعض الوزراء والخبراء ورجال الأعمال    اليوم، استلام الشحنة الثانية من "البيض" المستورد لطرحه بالمجمعات الاستهلاكية    أحمد عادل: لا يجوز مقارنة كولر مع جوزيه.. وطرق اللعب كانت تمنح اللاعبين حرية كبيرة    متوفرة في كل منزل.. فواكه تخلصك من رائحة الفم الكريهة    سعر الجنيه أمام عملات دول البريكس اليوم الأربعاء 23 أكتوبر 2024 بعد انضمام مصر    وزير الخارجية الأردني: إسرائيل تدفع المنطقة نحو حرب إقليمية شاملة    وزير التعليم: لا يوجد نظام في العالم لا يعمل بدون تقييمات أسبوعية    عبد الرحيم حسن: فارس بلا جواد ربطني باقي العمر بمحمد صبحي.. وكان نقلة في مشواري    أصولي صعيدية.. نهى عابدين تكشف أسرارًا من حياتها الأسرية |فيديو    إبراهيم عيسى: اختلاف الرأي ثقافة لا تسود في مجتمعنا.. نعيش قمة الفاشية    حالة وفاة وعشرات المصابين في أمريكا تناولوا وجبات ماكدونالدز، والكارثة في البصل    ضبط المتهمين بسرقة مخزن شركة بالتجمع الأول    لمدة 4 أيام.. تفاصيل جدول امتحان شهر أكتوبر للصف الرابع الابتدائي    ثروت سويلم: ما حدث عقب مباراة الزمالك وبيراميدز إساءة والدولة مش هتعديه دون محاسبة    تصعيد إسرائيلي في «غزة» يسفر عن شهداء ومصابين وتدمير واسع    منصور المحمدي يُعلن ترشحه لمنصب نائب رئيس اتحاد الطائرة بقائمة مخلوف    الكومي: فرد الأمن المعتدى عليه بالإمارات «زملكاوي».. والأبيض سيتأثر أمام الأهلي    أنتوني بلينكن: مقتل "السنوار" يوفر فرصة لإنهاء الحرب في غزة    خبير يكشف موقف توربينات سد النهضة من التشغيل    يسرا تدير الجلسة الحوارية لإسعاد يونس في مهرجان الجونة    قبل أيام من الكلاسيكو.. رودريجو يوجه رسالة لجماهير ريال مدريد بعد إصابته    رياح وأمطار بهذه المناطق.. الأرصاد تعلن حالة الطقس اليوم ودرجات الحرارة    أمن كفر الشيخ يكشف لغز العثور على جثة شاب ملقاه بترعة في بيلا    مصرع طفل أُغلق على جسده باب مصعد كهربائي بكفر الشيخ    القبض على المتهمين بقتل طفلة فى المقطم    دوللي شاهين تطرح برومو أغنية «أنا الحاجة الحلوة».. فيديو    إذا كان دخول الجنة برحمة الله فلماذا العمل والعبادة؟ أمين الفتوى يجيب    بركات يوم الجمعة وكيفية استغلالها بالدعاء والعبادات    بدلا من الذهب.. نقابة المصوغات والمجوهرات تنصح المواطنين بالاستثمار في الفضة    «اللي حصل جريمة وكارثة».. تعليق ناري من نجم الزمالك السابق على عقوبات الأهلي ضد كهربا    بينها عادات سيئة .. هؤلاء الأشخاص أكثر عُرضة لالتهاب الجيوب الأنفية    أدباء وحقوقيون ينتقدون اعتقال الخبير الاقتصادي عبدالخالق فاروق    البطريرك يلتقي عددًا من الآباء الكهنة والراهبات في روما    سعر الذهب اليوم الأربعاء بيع وشراء.. أرقام قياسية ل عيار 21 والجنيه    أرباح لوكهيد مارتن خلال الربع الثالث تتجاوز التقديرات    الفنانة عبير منير تكشف كواليس تعارفها بالكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة: "عشنا مع بعض 4 سنين"    وزير المالية: 3 أولويات لتعزيز البنية المالية الإفريقية في مواجهة التحديات العالمية    أوكرانيا تبحث مع استونيا تعزيز القدرات الدفاعية للبلاد    تشريح جثة طفل عثر عليها ملقاة بالشارع في حلوان    إنفوجراف| أبرز تصريحات الرئيس السيسي خلال لقائه مع نظيره الروسي    نائب الرئاسي الليبي يبحث مع مسؤولة أممية التطورات السياسية في ليبيا    حلوى الدببة الجيلاتينية التى تباع في آلات البيع الألمانية تحتوى على سم الفطر    القاهرة الإخبارية: 4 غارات إسرائيلية على مناطق برج البراجنة وحارة حريك والليلكي في الضاحية جنوب لبنان    أرسنال يعود لسكة الانتصارات بفوز صعب على شاختار دونيتسك    رئيس جامعة الأزهر يتابع أعمال التطوير المستمر في المدن الجامعية    هل الإيمان بالغيب فطرة إنسانية؟.. أسامة الحديدي يجيب    نشرة المرأة والمنوعات: الوقوف لساعات طويلة يصيبك بمرض خطير.. أبرز أسباب مرض داليا مصطفى.. سعر غير متوقع ل فستان ريهام حجاج    أمين الفتوى: تربية الأبناء تحتاج إلى صبر واهتمام.. وعليك بهذا الأمر    قومي المرأة يهنئ المستشار سناء خليل لتكريمه في احتفالية "الأب القدوة"    هل قول "صدق الله العظيم" بدعة؟.. أمين الفتوى يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انتهت الحرب.. وطابا باقية على الجبهة

هنا حيث توقفت الحرب، وعاد كل جندى إلى بلده بآثار العمليات العسكرية على جسده وذهنه، عادت الحياة إلى طبيعتها، ولم تعد.

فى طابا استطاع أعداء الأمس حاملو جنسية العدو أن يدخلوا الأراضى المصرية، وأن تغسل مياه خليج العقبة أجسادهم التى انهكتها الحروب مع أصحاب الأرض، وعلى مسافة قريبة نوعا ما منهم، عاش أهل الصحراء دون المقومات الأساسية للحياة.

تلك المنطقة الخالية من التسليح العسكرى تقريبا، هى المتهمة طول الوقت بالعدوان على الطرف الثانى، ولأن الاتفاقيات ومعاهدة السلام منعا الجانب المصرى من الوجود الأمنى فيها إلا قليلا، كانت الساحة خالية أمام عمليات التهريب ومحاولات التسليح غير الشرعية والاتهامات والتحذيرات المتتالية من وجود إرهابيين ومسلحين.

«الشروق» رسمت صورة للمنطقة من معبر طابا الرئيسى آخر نقطة للحدود مع إسرائيل بمحافظة جنوب سيناء حتى حدود محافظة شمال سيناء، ورصدت الأجواء التى يعيش فيها السياح الإسرائيليون على المعبر، وعاشت 48 ساعة مع أهل صحراء النقب الباحثين عن هوية وحياة كريمة، وأعادت رسم خريطة المنطقة بتفاصيل جديدة.

إسرائيل تحذر.. لكن السياحة مستمرة

4 آلاف سائح إسرائيلى يدخلون طابا يوميًا ويتحركون دون رسوم أو قيود فى 500 كيلو متر أسرة من عرب 48: إسرائيل تطلق الشائعات قبل الأعياد لتمنعنا من دخول مصر

ارتفعت مكبرات الصوت تنادى فى المواطنين بالعبرية «لا تذهبوا إلى سيناء لأن بها ارهابيين، الدخول خطر على حياتكم»، وفى الوقت نفسه كان صوت الطائرات الحربية المصرية يظهر بقوة من حين لآخر معلنا أن رحلة «نسر» للبحث عن الارهابيين وضرب معاقلهم لا تزال مستمرة.

سمع أبونورس من عرب 48 التحذيرات وألقى صوت الطائرات المحلقة على مسافة قريبة نوعا ما من الأرض شيئا فى نفس أطفاله، لكنه رغم ذلك عبر الحدود إلى طابا ليؤكد أنه لا يصدق التحذيرات الإسرائيلية من جانب، ويعتبر الأراضى المصرية منطقة آمنة من جانب آخر.

«لو كان فى خطر حقيقى كانت إسرائيل أغلقت المعبر من ناحيتها ومنعتنا نهائيا من الدخول»، عبارة تطمينية قالها أبونورس لزوجته التى ظهرت على وجهها علامات القلق، أمسك بيد طفلته الصغيرة وعبر الحدود.


معبر طابا البرى - بوابة عبور الاسرائيليين الى المنطقة الحرة


فى هدوء وقفت سيارتا شرطة أمام معبر طابا البرى، وداخلهما أفراد من قوات الأمن لتأمين المعبر الواقع فى منطقة منزوعة السلاح والجيش، وبينما تجاوز أبونورس وأسرته أتوبيسات السائحين المتوقفة أمام بوابات المعبر فى انتظار فحص أوراق ركابها، وقف أحد أفراد الأمن ينظم دخول العابرين إلى صالة المغادرة، ومنها إلى البوابة الأخرى فى الجانب الإسرائيلى حيث تصطف اتوببيسات تنقل العائدين إلى بلادهم.

المنطقة التى يجوبها ما يقرب من 4 آلاف سائح إسرائيلى فى طابا، بحسب مصدر فى المعبر، دون رسوم أو قيود على تحركاتهم تمتد لمسافة 500 متر، وهى المنطقة التى تقع فيها الفنادق الثلاثة الشهيرة هليتون طابا، وطابا ساندس، وموفنبيك، والتى تمتد بمحاذاة المعبر تقريبا.

تبدأ تلك المنطقة من بوابات المعبر وتنتهى عند فرد آمن جالس على كرسى بلاستيك، تتلخص مهمته فى تحصيل مبلغ 75 جنيها للفرد الراغب فى تخطى المسافة المحددة، و35 جنيها مقابل الخروج بالسيارة على أن تعلق لوحة معدنية مكتوب عليها جمرك طابا بدل اللوحات الإسرائيلية ثمنها ألف جنيه تقريبا، تلك هى رسوم دخول السائح الإسرائيلى إلى الأراضى المصرية.

فى المنطقة المقابلة، توقف الاتوبيس القادم من القاهرة أمام الكمين السابع الواقف على بعد 15 كيلومترا من مدخل طابا، لم يكن بالكمين سوى رجال الشرطة، على خلاف الأكمنة السابقة التى كان أغلبها مشتركا ما بين وزارة الداخلية وقوات الجيش، ومنها بعض نقاط قوات حرس الحدود، صعد الضابط وبدأ فى فحص أوراق الركاب.

«جاى شغل ولا سياحة؟» دون أن ينظر اليه وجه الضابط سؤاله لعبدالرؤوف، الذى أجاب بطريقة توحى بأنه اعتاد السؤال واجابته، «أنا رايح استلم شغل فى فندق طابا ساندس»، ثم اطلع الضابط على بعض التفاصيل المتعلقة بعمله، «أنا من الأقصر كنت بشتغل فى شرم الشيخ وواحد صاحبى جابلى شغل فى طابا وقال لى فلوسها أحسن، قلت أروح ورا رزقى».

محطة الوصول عبارة عن سوق صغيرة محدودة المساحة لا يوجد به سوى كافتيريا و3 محلات بقالة ومركز للاتصالات، و3 محلات لبيع الانتيكات والتحف والتراث السيناوى، خلا المكان الا من المسافرين.

«حمد الله على السلامه بدك على وين اوصلك؟» أيقظه سؤال سائق الميكروباص من لحظة تأمل للمكان ومقارنته بالمدينة السياحية التى كان يعمل بها، وثقلت عليه اللحظة التالية عندما قال له السائق «أنت فى طابا وين بدك تروح؟».

شارع واحد يفصل الجبل عن البحر هو كل المدينة، فى نهايته سوق صغيرة حيث المحطة، و3 فنادق، اثنان منها على الحدود مباشرة بجوار معبر طابا البرى، والثالث يبعد 150 مترا تقريبا، وفقا لوصف سائق الميكروباص.

عند نقطة شرطة السياحة والآثار نزل عبد الرؤوف، أمام محل عمله الجديد، وعلى بعد أمتار لاح له الفندق إسرائيلى المنشأ طابا هليتون الذى شيده الإسرائيليون عام 1967 فندق طابا هليتون شيده الاحتلال الإسرائيلى عام 1976 وكان من ضمن النزاع المصرى الإسرائيلى حتى عاد مع مدينة طابا إلى السيادة المصرية بعد حكم المحكمة الدولية. سلمه الإسرائيليون لمصر مع مدينة طابا فى 19مارس 1989.

كانت إجراءات أمن فندق طابا ساندس أو رمال طابا مشددة، فهو أقرب الفنادق إلى الحدود بل يعتبره البعض أقرب إلى الأراضى المحتلة منه إلى مصر، لكن التفتيش الدقيق لم يزعج العامل الجديد.

فى الصباح بدأ عبد الرؤوف عمله، يجهز طاولات الإفطار فى حديقة الفندق التى ما إن اقتربت الساعة من التاسعة صباحا حتى أصبحت تعج بالسياح الإسرائيليين، وأطفالهم، وكانت العبرية هى اللغة السائدة.

«ريمان أبوعبود الباز» ببراءة قدمت الطفلة نفسها لابنة أبونورس الذى اختار الفندق نفسه للإقامة، وفتحت بابا للتعارف بين الوالدين. «احنا بنسمع فى الإذاعة الإسرائيلية أن فى صواريخ بتنضرب على ايلات وفيه تحذيرات من إسرائيل ان ما نفوت على مصر، يعنى على المعبر»، قال أبو عبود، وكان منطقيا أن يدور الحوار بينهما فى بدايته عن الأوضاع الأمنية، فالصواريخ تطلق على إيلات والاتهامات تدور حول طابا وسيناء بأكملها، «قبل الأعياد اليهود بيعملوا فراقيع عشان ما نعدى لمصر»، يبرر أبونورس عدم تصديقه حكومة إسرائيل.

فى منتصف أغسطس الحالى نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، خبرا يقول إن الانفجارين اللذين وقعا بالقرب من مدينة إيلات جاءا نتيجة انفجار صاروخين من طراز «جراد» من سواحل البحر الأحمر، وأن القوات الإسرائيلية عثرت قبل شهرين تقريبا على بقايا صاروخ جراد على بعد عشرات الكيلومترات إلى الشمال من إيلات فى منطقة عوفديا من شبه جزيرة سيناء، وأشارت فى الخبر إلى أن ايلات قد تعرضت لقصف صاروخى من سيناء خلال العام الماضى.

«الأمن عند إسرائيل خط أحمر»، قالها أبونورس بثقة، باعثا رسالة تطمين لصديقه الجديد الذى صرح له قبل قليل أن التحذيرات الإسرائيلية تلك المرة كادت أن توجهه إلى ايلات، أوضح له الأول أن الاختلافات السياسية فى إسرائيل تقف عند حدود الأمن، «لا مجال للاختلاف اذا كان هناك ما يهدد أمنهم، وعشان هيك لو خيرونى وين اعيش اختار إسرائيل»، هكذا قال أبونورس.

فى السابعة مساء بدأت راحة عمال الوردية الصباحية، خرج عبدالرؤوف من الفندق، اتجه نحو المعبر الذى يفصل بينه وبين الفندق نقطة السياحة والآثار وشارع صغير به عدد من سيارات الاجرة، التى تنقل السياح الإسرائيليين من أمام المعبر إلى خارج مدينة طابا سواء إلى شرم الشيخ أو القاهرة.

بجوار سور المعبر جلس السائق عيد جهامه منتظرا دوره فى الخروج مع الزبائن، «مرحب بالشباب» حيا بها عبد الرؤوف المقبل عليه، وبدأ يعرفه على نفسه «انا من احدى قبائل محافظة شمال سيناء، سواق على المعبر، ما احب يقولوا الناس عنا بدو أو عرب كلنا مصريين».

كان التشتت واضحا على وجه عبدالرؤوف الذى لم يسبق له ان اختلط بهذا العدد من الإسرائيليين من قبل، وشرح له جهامه «اللى بيجى مصر الضعيف ماديا او من يريد قضاء اجازة بتكاليف قليلة، احنا بنفهم السائح الإسرائيلى اكتر من اى حد، وبنحكى عبرى كويس جدا بالفطره، ومعظم السياح هون من عرب 1948 وهم فلسطينيون ويعشقون مصر، ودول ما لهم ذنب واحد دخل عليهم ارضهم قالهم يا تمشوا يا تعيشوا واتجنسوا بجنسيتهم غصب عنهم».

لم يبد على العامل الجديد مظاهر الارتياح ولاحظ السائق أنه لم يقتنع، «السائح الإسرائيلى الاصل معاملته تختلف عن الفلسطينى اللى يحمل الجنسية، من حيث التزامه بالتعليمات، لكن فى كل الاحوال السائح ده لو وحش الحكومة ترفض تدخله، وبردو العربى عربى والعبرى عبرى»، فى محاولة أخيرة لإبعاد الاضطراب عنه.

أسئلة عن التحذيرات الإسرائيلية والصواريخ التى يزعم الجانب الآخر انها تطلق عليه من هنا، والمدينة التى لا تبدو كالمدن، وسبل الحياة فيها، أمطر بها عبدالرؤوف صديق جلسته، وبدا الحوار شيقا بالنسبة للأخير، فالوقت على سور المعبر يمر ببطء.

«احنا هنا اللى بنينا الجامع على المعبر علشان نصلى، ما فى ميه أو كهربا أو أى خدمات، الدولة مش كارمة اهل سيناء، يبقى مايلوموا عليهم لأن تحت ضغط الفقر والجهل والحرمان ممكن يحصل أى شىء، علشان تقضى على هاد كله لازم العمل، احنا عايزين ناس تيجى تعمل استثمارات ومصانع، وهات ناس من مصر، أنا لما أكون بدوى وواحد من الوادى ساكن جنبى نتعلم من بعض».

«يعنى البلد أمان ولا الواحد يرجع من مكان ما جه؟»، خرج السؤال الذى يؤرق عبدالرؤوف فى الوقت الذى نادى أحدهم على جهامه «دورك يا عيد»، وأجابه وهو يبتعد «ماسالتش نفسك إيه السر إن جنوب سينا ما حصلش فيها مشاكل وقت الثورة؟، الفنادق دى أيام الثورة اللى حماها أهل البلد، ماسألتش نفسك ليه محصلش انفجار هنا، دايما الاتهام بيروح للشمال، الموساد عمره ما يلعب هان»، غاب صوته بعد أن استقل سيارته ورحب بزبائنه، ثم ظهر بقوة عندما أخرج رأسه من الشباك وأشار لصاحبه الجديد باللغة البدوية قائلا «هان سياحتهم».


صفحة من كتاب التاريخ

على أرض تلك البقعة الصغيرة من مساحة مصر، وقعت الخلافات، بدأها السلطان العثمانى عبدالحميد الثانى قبل أكثر من ألف عام، وأنهاها الرئيس السابق مبارك فى 1989.

طابا هى ذلك المركز الإدارى التابع لمحافظة جنوب سيناء والذى تبلغ مساحته وفقا للأوراق الرسمية 508 كيلو مترات، لكن مساحتها الطبيعية وفقا للزائرين والعاملين والمقيمين فيها لا يتعدى الكيلو متر مربعا واحدا، يقع على الجزء الشمالى من خليج العقبة.

من الناحية التاريخية هى محل خلاف مستمر، ففى الفترة التى جلس فيها الخديوى عباس حلمى الثانى على عرش مصر، أصدر الباب العالى فرمانا يحرم مصر من أى وجود على خليج العقبة، وكان ذلك الفرمان فى إطار رغبة السلطان فى تحجيم وجود الاحتلال الإنجليزى على أراضى الدولة العثمانية، وترتب على ذلك أن خرجت طابا خارج الحدود المصرية، إلا أن قضية الفرمان تلك، كما اشتهرت وقتها، انتهت بتراجع الباب العالى والاتفاق على حدود واضحة لمصر من الشرق تقع من نقطة شرق العريش أو رفح، إلى نقطة تقع على رأس خليج العقبة، هى طابا الآن.




وفى عام 1906 عندما حدث خلاف بين مصر والدولة العثمانية على تعيين الحدود بين مصر وفلسطين التى كانت تابعة للدولة العثمانية، اتفق الطرفان على رسم الحدود من طابا إلى رفح، وتم تعيين علامات الحدود، وعند تطبيق معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية حدث خلاف على تعيين مكان بعض علامات الحدود التى تلاشت، وحاول الإسرائيليون تحريك بعض هذه العلامات داخل الأرض المصرية للاستيلاء على طابا، فلجأت مصر إلى التحكيم الدولى بالمحكمة الدولية بجينيف، وبعد عقد عدة جلسات قدمت خلالها الحكومتان المصرية والإسرائيلية ما لديها من خرائط ووثائق، أصدرت المحكمة قرارها بأحقية مصر فى أرض طابا، وذلك عام 1988، وتم تسلمها رسميا فى 19 مارس عام 1989.

المدينة الصغيرة واقعيا تنقسم إلى قسمين يفصلهما شارع واحد، وهو شارع الدكتور محمد فتحى نجيب، وتمتد من معبر طابا حتى مسافة كيلو متر تقريبا طولا، وكيلو متر عرضا يبدأ من تحت سفح الجبل وحتى البحر الأحمر.

فى تلك المساحة الصغيرة تتمركز كل الخدمات، ويوجد بها مركز طبى للطوارئ يتكون من 3 أدوار، وكذلك قسم الشرطة، ونقطة إطفاء، ووحدة إسعاف، ومتحف صغير يضم التراث السيناوى، بالإضافة إلى السوق التجارية الذى يضم 13 محلا تجاريا ومحطة أتوبيسات لنقل المسافرين



.«النقب».. حيرة الجغرافيا بين شمال وجنوب سيناء

مطار دولى مهمل.. ومستشفى وحيد.. والحالات الصعبة ينقلها الإسعاف 60 كيلو مترًا

القرية تعانى نقص المياه بعد تعطل آبارها ورجل أعمال يتبرع لها ب6 نقلات يوميًا

الفروق بين الوادى والصحراء شاسعة ومتسعة كما اللون الأصفر الذى يكسو رمال الأخيرة، وحلم أهل الصحراء بأن يجاوروا الوادى حلما أزليا، تلخصه أحلامهم دائما «لو الحكومة توطن 2 أو 3 مليون على الأرض هادى ويجوا من الوادى يعيشوا هنا ويعمروها تبقى جنة».

بين بيوت البدو فى صحراء النقب تعيش 80 أسرة، يعملون فى مجال السياحة، وبعضهم يعمل فى الشركات، وآخرون يصنعون الحطب من أشجار الصحراء ليبيعوه فحما.

«بص العريش رميت الدبلة بها الجوقة .. قلت له بس ها الجزيمة حرزانه» مع دقات الدفوف صدح صوت المطربة أصالة يوسف بأغنيتها البدوية الشهيرة، وبفعل الطريق الجبلى خرج الصوت عاليا من شباك سيارة سعيد الترابين المتجهة نحو أهل النقب.

فى الطريق الذى يمتد تحت سفح الجبل ويحاذى شاطئ البحر الاحمر، لمسافة 20 كيلو مترا تقريبا، ثم يشق سلاسل الجبال الشاهقة وصولا إلى بيوت البدو فى صحراء النقب، يحلو لسعيد دائما أن يتذكر كيف كان يسير ببراعة فى الطريق الذى كان مخرا للسيول قبل أن تمهده الحكومة للمتنقلين عبره، «كان عامل زى السلالم وبه 42 ملف».

سعيد من قبيلة الترابين احدى قبائل محافظة شمال سيناء، يقطع كل فترة المسافة من طابا إلى النقب التى تصل إلى ما يقرب من 30 كيلو مترا لزيارة صديقه الشيخ سلامة جمعة من قبيلة الاحوات إحدى قبائل الصحراء الواسعة فى جنوب سيناء وموظف بمطار طابا الدولى.

«شوف يا أخى المطار عامل كيف السائح اللى يجى يطفش»، حديث الشيخ سلامة عن أحوال مطار طابا يفرض نفسه دائما فى لقائه بسعيد، فالمطار الدولى الذى يقع على حدود محافظة شمال سيناء جغرافيا، ويتبع محافظة جنوب سيناء إداريا، تحيطه الاسلاك الشائكة من كل الجوانب، وتبدو من خلفها بيوت أهل النقب فقيرة ومتهالكة، ولا يوجد به إلا ممر واحد للطائرات.


طفلان يشيران الى فصلهما فى مدرسة المراخ


«فاكر يا سعيد لما كانت إسرائيل مادة ماسورة ميه من ايلات كانت تروى أرض المطار وتخضرها، ولما شالوها سنة 1984 بقت خراب فعملوها مطار، والله نفسنا الميه توصل تانى وتصير الأرض جنة».

على امتداد مسافة 3 كيلومترات داخل الجبل تقع قرية النقب، التى تتلخص الخدمات الحكومية المقدمة اليها فى مدرسة ابتدائى، وفصل اعدادى، ووحدة صحة المرأة، فالقرية التى تتبع الشمال اداريا بينما تقع على اطراف الجنوب، لا تقدم لها أى من المحافظتين خدماتها، فكل منها تعتبر القرية خارج حدودها.

«العلاج هون واحد وبيصرفه الطبيب لكل الأمراض، تعا شوف المستشفى كيف حالها»، قالها سلامة داعيا صديقه لزيارة مستشفى القرية.

على أطراف القرية ظهر المستشفى، مبنى صغير وقديم، يجلس فيه الطبيب على عبدالهادى الممارس العام الذى صحح للضيوف المعلومة «دى مش مستشفى دى وحدة صحية خاصة بالمرأة تابعة لوزارة الصحة، ومن المتبع بوزارة الصحة أن الوحدات الصحية بتكون وحدات اسعافات اولية، ولا يوجد بها اطباء متخصصين، ولما بتكون فى حالة كبيرة باحولها للمستشفى بعربية اسعاف لمستشفى نويبع العام».

أقرب مستشفى الى الوحدة الصحية هو مستشفى الجورة الذى يبعد عنها حوالى 60 كيلومترا، وتتكفل سيارات الاسعاف بنقل الحالات التى تحتاج رعاية طبية أكبر من إمكانيات الوحدة مثل الولادة اليها، والمشكلة الوحيدة التى تقف فى طريق سيارة الاسعاف هى نقص السولار.

«الإسعاف تقف بسبب الجاز، زى ما عربيات الميه واقفة هون بسبب الجاز»، كانت الإشارة تتجه نحو سيارة متوقفة على طريق القرية، هى سيارة إمداد القرية بالمياه.

«عندنا 4 آبار ميه تبع الحكومة، الجيش اخدهم لتشغيلهم فالطلمبات باظت، ومحتاجة الواحدة 200 ألف جنيه عشان تتصلح، بعد الثورة اخدنا ميه من بير القرية بتاعت سميح ساويرس، كانوا بيبعتوا لنا كل يوم 6 نقلات ميه، لكن العربية بتاعت الشركة القابضة تشتغل يوم وتعطل 10 لحد لما ضغطنا عليهم وبعتوا عربية من شهر علشان ننقل بيها الميه، لكن الجاز خلص»، والكلام للحاج سلامة.

المياه لا تصل القرية رغم أن أهلها دائما ما يقارنون بين السرعة التى نفذ بها النظام السابق مشروع توصيل خط الغاز الطبيعى إلى الأردن واسرائيل، بينما لم يفكر أحد فى امدادهم بماسورة للمياه تعينهم على الحياة وسط الصحراء، «ماسورة الغاز 30 بوصة وصلت الأردن فى سنة، علشان الغاز بيجيب فلوس، كان ممكن يوصلوا للبلد ماسورة ميه أقل منها فى الحجم كانت ظبطت العيشة».

سيناء فى نظر أهلها أرض الحياة لكنها فى نظر أهل الوادى كما يسمون ساكنى المحافظات الأخرى منفى أو وسيلة للتكدير «اتعودنا إن أى مدرس أو دكتور عايزين يكدروه علشان عمل حاجة يجيبوه سينا، حتى الظباط، المشكلة أن المتكدر ما عنده استعداد يعطى، لكن احنا بنتعامل معاهم كويس ونشوف طلباتهم».


الخريطة الحدودية.. بشر وأنفاق وقليل من الجنود

على شاطئ بحر مدينة العريش بمحافظة شمال سيناء جلس أحمد بخيت موظف بإحدى الشركات الحكومية بالعريش فى انتظار صديقه كامل أبوحرب.

أحمد 27 عاما من محافظة سوهاج ومقيم مع أسرته بالعريش، تخرج من كلية التربية، وكان يعمل مدرسا، لكنه ترك المهنة، أما كامل 26 عاما فخريج معهد تجارى فنى، وهو من أبناء محافظة شمال سيناء من قبيلة السواركة أكبر القبائل هناك.

تأخر كامل عن موعده، وشرح لصديقه الأسباب عبر الهاتف، قائلا: «الطريق صعب من الشيخ زويد لهان، أكمنة كتير تعطلنا كل شوية»، إنها القبضة الأمنية على الطريق للبحث عن العناصر الإرهابية.

بالقرب من الحدود تذكر أحمد ابن وادى النيل الذى يقيم بالعريش منذ ولادته، مع صديقه ذلك اليوم الذى تركت فيه إسرائيل الحدود مع قطاع غزة، «يوم 15 أغسطس 2005 إسرائيل سابت الأرض دى، والفلسطينيين دخلوا العريش وإحنا دخلنا غزة من غير أوراق، كان الغزاوية بالآلاف يمكن الجرايد ما كتبت تقديرهم وقتها، كانوا أكثر من 250 ألفا، كان فيه ناس ساكنة بالعريش وعائلتهم فى غزة، ولهم سنين ما شافوهم».

انسحبت إسرائيل وقتها من مسافة 14 كم، وهى الحدود المصرية مع قطاع غزة، بعد قرار الكنيست الإسرائيلى عام 2004، وكان انسحاب من طرف واحد من القطاع، وتم تنفيذه يوم 15 أغسطس 2005».

«اتفاقية فيلادلفى» كان ذلك اسم الاتفاق الذى وقعته مصر مع اسرائيل بعد ذلك، وترجمته باللغة العربية هى محور صلاح الدين، وكانت المسافة التى انسحبت منها إسرائيل تبدأ من البحر المتوسط وحتى معبر كرم أبوسالم التجارى الذى يعمل تحت سيادة السلطات الاسرائيلية، بمسافة 14 كيلو مترا. «الاتفاقية هادى آخر اتفاقية كانت بين مصر وإسرائيل بعد اتفاق السلام وكامب ديفيد، وهى ثالث اتفاقية بين البلدين».

نص اتفاق فيلادلفى على أن تنشر مصر قوة من حرس الحدود فى مدينة رفح وتكون مخصصة لمكافحة الإرهاب والتسلل على الحدود، «يعنى ما تكون قوة عسكرية وأن هادى الاتفاقية تكون الأخيرة ما تلغى، وتمنع أى تعديل على اتفاقية السلام اللى وقعناها عام 1979»، شرح أحمد الأمر لصديقه الذى كان مستاء مما تعرض له فى الطريق.

750 فردا فقط هو مجمل القوة التى سمحت لها الاتفاقية بالوجود فى المنطقة، على أن يتم تقسيمهم على المقر الرئيسى لوحدة الأمن، وأربع وحدات فرعية، وألا يزيد تسليحهم على 500 بندقية هجومية، و31 سيارة شرطة مجهزة، و44 سيارة لوجستى مدعمة، و67 رشاشا خفيفا، و27 قاذفة خفيفة مضادة للأفراد، ورادار أرضى.

«بعد الاتفاقية هادى زادت الانفاق فى المنطقة اللى انسحبت منها إسرائيل»، وفقا لأحمد.

انفاقا لتهريب المواد الغذائية ومواد البناء والسيارات كانت البداية، فالانسحاب فتح بابا للرزق أمام أهالى مدينة رفح المصرية ورفح الفلسطينية بقطاع غزة الذين تخصصوا فى حفر تلك الانفاق، وهو ما انتشرت معه عمليات التهريب، وجعل الوضع الأمنى فى المحافظة متوترا أغلب الوقت.

«لما عمليات التهريب زادت وأثرت علينا فى العريش ونقص عندنا البنزين والجاز والسلع الاساسية، فوجئ أهالى رفح من سنتين بمعدات ثقيلة ومعدات حفر حديثة تقف على الشريط الحدودى، وتردد بعدها أن مصر هاتعمل جدار فولاذى عازل تحت الأرض لمكافحة عمليات التهريب فى الأنفاق»، تابع أحمد.

وقتها نفى بعض المسئولين أى نية لإنشاء هذا الجدار، لكن ما لبثت السلطات المصرية أن اعترفت بإنشاء الجدار بطول 10 كيلو مترات وعمق 20 مترا تحت الأرض، «لكن برضه ما نفع والتهريب شغال والجدار لم يغير فى الأمر شيئا لغاية ما بدأت الحملة نسر فى سينا». فى أول أيام الحملة ألقت الأجهزة الامنية القبض على 8 أشخاص من حى الترابين بمدينة الشيخ زويد من بينهم شيخان تتراوح أعمارهما بين 68 و70 عاما، والمعتقلون هم، عيد سعيد سلامة 70 عاما، وسلمى سلامة 68 عاما، ونجله سلامة بالإضافة إلى عيد زريعى وأمين موسى وطلعت جميعان وشقيقيه أحمد ومحمد، وجميعهم يسكنون فى مربع سكنى واحد، حيث قبضت عليهم قوات الجيش بعد تفتيش المنازل وكسر أحد المخازن لتفتيشها.

الشيخ سعيد جمعه امام منزله



أجاب كامل عن سؤال أحمد الذى استفسر عن المتهمين الذين تم القبض عليهم، قائلا: «كيف تكون الصواريخ اللى بيقولوا بتنضرب على إيلات طالعة من الشيخ زويد؟، ها دى المنطقة أقصى الشمال وإيلات أقصى الجنوب والمسافة بينهم 210 كيلو مترا، ها دى كلها أكاذيب». إلا أن السبب الذى ذكره كامل لم يكن ضمن مبررات النيابة فى إخلاء سبيل نفس المتهمين بكفالة 500 جنيه بعد القبض عليهم بعدة أيام، لكنه كان عدم ثبوت الأدلة.

نفى السياح الإسرائيليون كما نفى أهالى المنطقة مزاعم اسرائيل عن الصواريخ، وكان المنطق يقول على لسان أحمد: «اعتقد بعد انتشار الأسلحة الثقيلة فى الجبل مافيش صواريخ بالإمكانات دى ممكن تكون موجودة، كبيرهم صواريخ قصيرة المدى، إحنا بنتكلم عن أهالى مش جيوش».

فى الفقرة الأخيرة من المادة 9 من معاهدة فيلادلفى، وصف الاتفاق شروط التسليح فى منطقة محور صلاح الدين بأنها «ترتيبات وتدابير أمنية إضافية لمواجهة التسلل وافق عليها الطرفين»، واتفاقية كامب ديفيد حددت شروط التسليح فى باقى مناطق سيناء، لكن حادث مقتل الجنود المصريين على الحدود الذى راح ضحيته 16 جنديا كشف أن التسليح المصرى فى المنطقة وقف عند حدود الاتفاقية ولم يتخطاها، بينما استطاعت طائرة إسرائيلية أن تقذف مدرعة حرس الحدود التى اختطفها منفذو الجريمة بعد أقل من 8 كيلو مترات من مكان الحادث.



فصل واحد للكبار والصغار فى «المراخ»

على بعد 12 كيلومترا من معبر طابا تظهر عشش قرية المراخ التى يسكنها تجمعات من البدو داخل الجبل.

بالقرب من مدرسة القرية توقف يوسف وخالد يستعيدان ذكرياتهما مع اقتراب العام الدراسى الجديد.

يوسف 16 عاما وابن عمه خالد 11 عاما أشهر شيالين المعبر، ينطلقان يوميا فى الفجر نحو البوابات فيحملان حقائب الوافدين أو العائدين من السياح الإسرائيليين، وعند أذان العصر ينتهى دوامهما.

المسافة بين مكان عمل الطفلين ومدرستهما حوالى 13كيلومترا، ورغم ذلك يدفعهما الفقر وقلة الخدمات وعسر الحياة على احتمال المسافة يوميا، «الواحد مننا يشتغل بايده ويتعب وما يمد إيده لحدن، عايزين نتوظف ونعيش زى الناس ونجيب رزق حلال»، بهذه الكلمات أقنع يوسف ابن عمه الصغير بالعمل.

على باب غرفة ضيقة لا تتعدى مساحتها 10 أمتار وقف الاثنان، «هان نتعلم كلنا فى فصل واحد، كبار وصغار، ها دى مدرستنا»، ومع إشارة يده الصغيرة التى أعادت حقائب السياح تشكيلها، ظهرت المقاعد المتهالكة، وحالة الفصل المزرية، وبدا المشهد مأساويا لا ينبئ بأن ثمة تعليما يتلقاه ما يقرب من 40 طفلا من أبناء القرية هنا.

بلغة تفوق سنه وضعف بنيانه، تساءل يوسف «امتى الحكومة هتاخد بالها من البدو، احنا هون نتابع إيش اللى بيحصل فى البلد، كل شىء يتغير إلا حالنا»، وفى ثقة وتلقائية يعيد لف الشال على رأسه ويقول «الإسلام عادل، الإسلام يصلح البلد، احنا عايزين مرسى يطبق الإسلام ويشوف عيشتنا، ما فى ميه ولا كهربا ولا تعليم ولا مستشفيات، كيف نعيش هون؟».

الفصل الوحيد الذى بنته الحكومة لقرية المراخ يبدو من بعيد كأنه فقط البنيان المتماسك فى القرية، فالبيوت يصنعها الأهالى من «العادر» وهو نوع من العشب الذى ينبت فى الصحراء ويستخدمونه فى تطويق العشش المبنية بالأخشاب والمشمع البلاستيك وقليل من الصفيح لحمايتها من حرارة الشمس فى الصيف والأمطار فى الشتاء.

تخلو القرية الصغيرة كغيرها من قرى الصحراء فى تلك المنطقة من الخدمات الحكومية، فالحياة هناك بدائية تماما، يعيشها يوسف وخالد وأقرانهما دون مياه أو كهرباء، ومن الصحف وما يسمعونه على المعبر يعرفون أخبار المصريين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.