السماء لن تنطبق على الأرض» إذا زار الرئيس محمد مرسى العاصمة الإيرانيةطهران لحضور قمة دول عدم الانحياز بعد أيام قليلة.. ورغم ذلك فإن قرار الزيارة أصاب عواصم عربية وإقليمية ودولية بما هو أكثر من التلبك المعوى أو الإسهال والامساك معا وربما السكتة القلبية. الزيارة لن تزيد مدتها على خمس ساعات وأغلب الظن أن اللقاء البروتوكولى بين محمد مرسى ومحمود أحمدى نجاد لن يستغرق دقائق كثيرة، وسيكون أكثره بروتوكوليا وحديث مجاملات، لكن الصورة للرئيسين وهما يقفان معا سيكون لها تداعيات كثيرة، وقد ولاحظوا كلمة قد تترتب عليها تغييرات إقليمية.
لكن وفى كل الأحوال ينبغى ان نحيى الرئيس محمد مرسى على قراره الصعب بزيارة إيران. القرار صعب جدا لانه يغضب أطرافا كثيرة فى الداخل المحلى والخارج الإقليمى والدولى.
لاحظوا ان آخر رئيس مصرى زار إيران كان الرئيس الأسبق محمد أنور السادات قبل سقوط الطاغية شاه إيران محمد رضا بهلوى الذى أطاحته ثورة شعبية شاملة فى أول فبراير 1979 قبل أن يصبغ الخمينى وآيات الله الثورة بصبغة إسلامية شيعية فقط.
السادات خاصم إيران لانها اسقطت صديقه ولان أمريكا طلبت منه ذلك، ومبارك سار على نفس النهج لان الخليج أيضا أراد ذلك وليس فقط أمريكا وإسرائيل.
عندما يأتى محمد مرسى ليقرر السير فى عكس الاتجاه المباركى الامريكى الخليجى فالأمر يستحق الإشادة حتى لو كانت الخطوة بروتوكولية.
مضى عصر القرارات الثورية والصادمة فى العلاقات الدولية، ولأسباب يطول شرحها فان محمد مرسى لن يستطيع على الأقل فى المدى المنظور إقامة علاقات استراتيجية مع إيران حتى لو أراد ذلك.
لكن وفى هذه المرحلة فان هذه الزيارة ستبعث برسالة مهمة للعديد من الأطراف حتى لو كانت هذه الرسالة شكلية. الرسالة هى ان مصر الكبيرة تستطيع أن تختار ما يناسبها من علاقات.
التوازنات والحالة المزرية التى ترك مبارك عليها مصر إقليميا ودوليا جعلتنا «فرجة بين الأمم» وجعلت مجرد قرار مرسى بزيارة طهران يعتبر نصرا حاسما.
وبوضوح فان أمريكا والسعودية وبقية الخليج لا يريدون أن تكون لنا علاقات استراتيجية مع إيران.
لا أدعو للتحالف مع إيران ضد الخليج، لاننى أدرك أن لطهران مصالح استراتيجية تتصادم أحيانا مع الأمن القومى العربى، وأهدافها فى النهاية قومية فارسية وليست إسلامية أممية كما تدعى، لكن ليس من الحكمة أو الجدعنة أن نقيم علاقات مع إسرائيل باسم ضرورات السياسة وننكر ذلك على علاقات مماثلة مع إيران حتى لو كان ذلك فى مصلحة أمننا القومى.
ما أدعو إليه باختصار أن نبدأ من الآن فى تغيير الموروث البائس لحسنى مبارك والدائرة شديدة الضيق التى حشرنا داخلها فى العلاقات الخارجية. دائرة ضاقت حتى صرنا ننتظر تصريحات المتحدث باسم البيت الأبيض أو الخارجية الأمريكية أو الإسرائيلية لكى نعرف بوصلة التحرك، سواء تم ذلك بحسن أو سوء نية.
نتمنى أن تؤدى زيارة مرسى الخاطفة لطهران إلى وضع أساس حقيقى لعلاقات تقوم على أساس مصالح البلدين الفعلية.
لا نريد علاقة تفتح الباب فقط أمام الإيرانيين كى يبدأوا حملة تشييع فى مصر أو تعطى لهم «كارتا» لابتزاز الخليج أو مزيد من التأثير على حركة حماس.
نريد علاقة تصب فى صالح اقتصاد البلدين وتنهى احتلال إيران لجزر الإمارات الثلاث وتوقف تحرش طهران ببقية الخليج خصوصا البحرين.
نأمل ان تنهى ساعات مرسى الأربع فى طهران جليدا استمر 33 عاما بين البلدين، وتعيد الوجه الناصع لدور مصر العربى والإقليمى.