••اليوم تشرب مصر من كأس الحشد، ومنذ أشهر يعيش البلد فى حشد، ثم حشد مضاد، حشد أطلقه جماعة الإخوان، ثم حشد أطلقته جماعات ترفض حكم العسكر، ثم حشد يرفض حكم المرشد. وهكذا يعيش البلد فى صراع رسائل، واستعراض عضلات. ويخسر فى كل مرة من استقراره، ومن مشروع نهضته. يخسر بالتوقف، أو بالبطء، ويستهلك وينهك أمنه، وتشتت مهامه. وحشد 24 أغسطس اليوم إذا اكتمل يجب أن يكون سلميا، وأن يستقبل بنفس السلمية. ••هناك فرق مهم بين حشد يهدد، وحشد يؤيد ويمثل ظهيرا سياسيا وحزبيا ولا يمثل تيارا دينيا. وهذا فارق مهم أوضحه قبل أن استرسل.. فلا أحد يوافق أبدا على تغيير الواقع السياسى بالتظاهر، خاصة أن هذا الواقع كان بانتخابات حرة ونزيهة بشهادة الجميع. ثم إن التغيير فى «أوروبا والدول المتقدمة» يكون عبر الصندوق. والذين يتكاسلون، وقت الاختيار الديمقراطى ويتركون الساحة لأى قوة سياسية أخرى عليهم أن يعملوا من أجل وقت الصندوق القادم.. لكن إذا كان التظاهر اليوم بهدف تغيير، أو بهدف التهديد، أو بهدف استعراض القوة. فإن ذلك يعنى أن شارع السياسة سوف يشهد مستقبلا تظاهرا مضادا من أجل التغيير والتهديد والاستعراض.. وتظل مصر فى تلك الدوامة بلا نهاية، أو لفترة طويلة يخسر بها البلد استقراره.
••ملايين المصريين يعانون الآن من الإنهاك الذهنى والعصبى، وملايين يعانون من تهديدهم فى أعمالهم ورزقهم، خاصة أن حالة الفوضى مثل سرطان ينتشر فى الجسد، تراه فى كل موقع، وسط دعاوى عن حق التظاهر الذى يكفله الدستور. لكن لا أحد يكمل الجملة، ويختصر منها أهم جزء فيها، وهو أن حق التظاهر مكفول بالدستور، مع الالتزام بالقانون. فالتظاهر يكون بإخطار، وفى موقع محدد، ولوقت محدد، دون عنف، ودون قطع طريق، ودون تعطيل مصالح الناس.. وإلا أصبح عنفا وفوضى.
••الذين يعلنون بصوت عالٍ تأييدهم لأى تظاهر ويزينون الدعوة بفكرة السلمية، عليهم أن يعلنوا رفضهم لتلك المليونيات التى فقدت قيمتها، وتعطل مشروع تقدم مصر اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، بإيقاف الحركة فى البلد، وبقطع الطرق. وهؤلاء أصحاب نظرية التظاهر السلمى، فى مجتمع أصابته العدوانية ظلوا يتفرجون على عمليات حرق ونهب وقتل وعنف واعتداءات ثم يكررون حديثهم عن سلمية التظاهر.
••نعم، وألف نعم، مصر لم تعرف الديمقراطية منذ 60 سنة. وبررت السلطة الحاكمة هذا الغياب بالثورة، وبحركة الثورة، وبالمد الثورى. ثم بررت السلطة الحاكمة غياب الديمقراطية بالنكسة، ثم بحرب التحرير، واسترداد الأرض المسلوبة. ثم ادعت السلطة الحاكمة التالية بدء عصر الديمقراطية والحرية، لكن سياسة تلك السلطة كانت قائمة على أن يقول من يقول ما يشاء، وأن تفعل السلطة ما تشاء. وها قد وصلنا إلى ديمقراطية كنا ننتظرها، لكنها تؤد بالجدل، وبالادعاء، وبالغرور، وبالمزايدة، وبالتخوين، وباستبداد دفين عند أطراف الصراع. حتى إن مصر على مستوى الفرد لا تسمح برأى مخالف لأى فرد.