رغم أنه عاد لمصر بكامل إرادته لحضور جلسات محاكمة قضية منظمات المجتمع المدنى، المعروفة إعلاميا باسم «قضية التمويل الأجنبى»، لثقته فى براءته من الاتهامات التى وجهت له فى القضية، إلا أن شريف منصور، المدير السابق لبرامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فى منظمة فريدوم هاوس، يواجه أزمة مع السلطات المصرية التى ترفض السماح له بالسفر للخارج. فى حواره مع «الشروق» روى منصور تفاصيل محاولات «فريدوم هاوس»، التى تركها فى يونيو 2011، لتسجيل المنظمة فى مصر، موضحا أن هذه المحاولات بدأت بعد الثورة مباشرة، يقول: «التقينا مسئولين وموظفين حكوميين من بينهم وزير التضامن الاجتماعى وقتها الدكتور جودة عبدالخالق، وذلك فى مارس 2011، كما التقينا نائب رئيس الوزراء وقتها الدكتور يحيى الجمل، وقلنا إننا فى مرحلة جديدة ونريد أن نساعد المصريين بخبراتنا وقالوا قدموا طلبا إلى وزارة الخارجية واتبعوا الإجراءات، وسألنا إذا كان هناك قانون جديد للجمعيات الأهلية بعد الثورة؛ فقالوا طبعا لكن إلى أن يتم إصداره سجلوا وفق النظام الحالى».
ويتابع منصور «بالفعل التقينا مساعدة وزير الخارجية لشئون المنظمات غير الحكومية الدولية، التى قدمت شرحت لنا عن إجراءات التسجيل، وأولها فتح مكتب فى مصر، وتقديم عقد إيجار موثق فى الشهر العقارى، ووضع ميزانية للمكتب لتوضيح أوجه التمويل وموضوعات العمل والشركاء المحليين وغير ذلك، واستأجرنا مكتبا فى يونيو، وفى سبتمبر عينت مديرة للمكتب، هى نانسى عقيل، ووكلنا محاميا لتقديم الطلب فى نوفمبر 2011، وطلب منا توضيحات وبيانات وأجبنا عنها كلها وقدمنا الطلب مرة ثانية ووقع المسئولون على استلام الطب رسميا فى 26 ديسمبر 2011 وبعدها بثلاثة أيام تم اقتحام المكتب وحدثت الاتهامات».
طوال هذه الفترة لم يمارس المكتب أى أنشطة، وكانت برامج «فريدوم هاوس» تتم من خلال شركاء محليين وعبر مكتب واشنطن، «والغرض من كل هذا إثبات حسن النوايا وأننا لدينا رغبة فى ممارسة حقنا التنظيمى مثل أى هيئات مجتمع مدنى أخرى، خاصة أنه بعد الثورة كانت هناك تعديلات على مجموعة قوانين تنظم عمل مجموعات المجتمع المدنى فى مصر مثل قانون ممارسة الحياة السياسية وإنشاء الأحزاب»، على حد قوله.
قضية المنظمات غير الحكومية
وعن قضية الجمعيات الأهلية يقول منصور إنها لم تبدأ فى 2012 عند تحريك الدعوى، لكن بدأت من مايو ويونيو 2011 عندما وقعت أحداث متتابعة وبدأ الحديث عن طرف ثالث، وفشل الحكومة الانتقالية فى تلبية مطالب الناس، فبدأت تبحث عن كبش فداء تلقى عليه بالاتهامات وتبرر فشلها بأنه ليس لعدم القدرة ولكن لتعاظم المؤامرة عليها.
وأضاف «لفترة طويلة تحدثوا عن الطرف الثالث ويبحثون عنه وفى النهاية اتهموا المجتمع المدنى وقيل إنهم يتلقون تمويلا من الخارج، واستغلوا العداء القديم والغضب من أمريكا، نتيجة لوقوفها لفترة طويلة وراء مبارك، لتوجيه غضب الناس، وتصوير هذه المنظمات على أنها الطرف الثالث»، وأشار إلى أن أطراف القضية، التى ضمت لجنة تقصى حقائق شكلها وزير العدل من قضاة تحقيق «كانوا قضاة أمن دولة سابقين وأحدهم كان ممن شاركوا فى قضية سعد الدين إبراهيم فى 2000 و2003 أى أن له خبرة فى قمع المجتمع المدنى، وفايزة أبوالنجا، أحد أهم أركان النظام القديم، هى من حركت الدعوة وقامت بتشويه المنظمات واتهامها بالعمالة، وكان توفيق عكاشة يهاجم المنظمات فى نفس الوقت»، على حد قوله.
وتابع «أمن الدولة وقضاة أمن دولة سابقون، وأحد أركان مبارك الإدارية، وتوفيق عكاشة تحركوا فى الوقت الذى بدأت فيه الثورة المضادة تكثف عملها، ووجدنا أن 6 أبريل تتعرض للابتزاز، والاتهامات التى وجهت لعلاء عبدالفتاح، ومهاجمة الثوار وتلفيق قضايا ضدهم، وكانت المنظمات ضمن المخطط، حتى يظن البعض أن الثورة قامت بعد رحلة دراسية فى صربيا وأن من قاموا بها خدعوا الناس».
ويضيف «هذا كان الغرض من القضية، تقديمنا ككبش فداء، لكن التعجيل بها أدى إلى مشكلة لصناعها، فمهاجمة المجتمع المدنى ليست أمرا جديدا بل كان يتكرر قبل الثورة، «لكن هذه المرة لم نقف ساكتين والإعلام لم يسكت وكان لابد من مبررات أكبر؛ فخرجت التفاعلات على السيطرة من داخل الحكومة المصرية، لأنهم لم يتمكنوا من وقف الحديث عن الموضوع ولم يستطيعوا أن يثبتوا أن هذه المنظمات لديها أموال وسلاح ومخدرات أو أن لديها مخططا لتقسيم مصر، وأنها تدعم المظاهرات العنيفة وتقدم أموالا للشباب، ما تسبب فى حالة من التحفز بين الناس الذين انتظروا سماع الأدلة».
وأشار منصور إلى أنه بعد اقتحام مقار المنظمات كل ما وجدوه كان أوراقا وأجهزة كمبيوتر، «وكل ما قيل عن نظريات المؤامرة طلع كله فشنك، فأصبحوا أمام حلين إما إغلاق الموضوع أو أن يقدموا الاتهامات بشكل قانونى وهذا ما لم يستطيعوه ولم يجدوا ما يثبت كل ما قيل، ولم يجدوا أى قضية قانونية ضد هذه المنظمات فاختاروا جزئية إدارية وقالوا أمام القضاء إن المنظمات لا تملك ترخيصا».
ويعتب منصور على وسائل الإعلام، «القضية بنيت لتكون قضية تخابر وأوهموا الإعلام بأمور غير حقيقية، وضخم الإعلام منها أصبح جزءا من المشكلة بعدما أضر بمصداقيته، مثلا نشر الإعلام ما قاله مصطفى بكرى من أنهم وجدوا فى المنظمات مخدرات وأموالا وأسلحة، بدون أن يسأله أحد من أين جئت بما قلت، خاصة أنهم لم يجدوا شيئا بعد فض الأحراز».
المعلومات الخاطئة التى نشرها الإعلام أشعر المواطنين بأن المتهمين مدانون، «مع أن الناس لازم تعرف أنه أساسا لا توجد قضية، وأنه غير قانونى منعهم من السفر، وهذا ما أردت أن أثبته عندما عدت، وذهبت لمحكمة القضاء الإدارى وتحديت الحكومة رغم أننى كنت فى واشنطن وقت بداية القضية».
ويوضح أن المشكلة الأساسية فى تسييس القضية كان تحويلها من قضية حرية تنظيم إلى علاقات مصرية أمريكية«وأرى أن هذا استثمار بذىء للقضية.. هناك حاجة ملحة لمراجعة العلاقات المصرية الأمريكية لتأسس على الندية، خاصة بعد التحيز الأمريكى الأعمى لمبارك لكن يجب أن يجرى هذا من خلال حكومة منتخبة حتى يستطيع الشعب محاسبتها وتصديقها»، موضحا أن «مصر خلال الفترة الماضية فقدت جزءا كبيرا من قوتها الإقليمية والدولية لأنها عملت كتابع للولايات المتحدة فى جميع القضايا ووضعت ثقلها فى الحرب على الإرهاب والصراع العربى الإسرائيلى، وحتى فى محيطها الإسلامى رهينة للإرادة الأمريكية والجميع يعرف هذا، ويمكنها الآن أن تستعيد ثقلها إفريقيا وعربيا وإسلاميا باتباع سياسة وطنية تحقق مصالح مصر، مثلما فعلت تركيا، فتبنى علاقات مع دول الجوار بدون الرجوع لأمريكا وتبدأ علاقات تجارية جديدة، وتقوم بدور سياسى فى بعض القضايا الدولية التى قد تكون ضد المصلحة الأمريكية وهنا يمكن القول إن الحكومة تعمل لصالح الشعب وتستثمر رصيدها لتحقيق هذه المصالح».
ويضيف أن القضية أصبحت أمريكا طرفا فيها لأن مواطنيها كانوا معرضين للخطر، «فعندما يقول قاضى التحقيق وتنشر وسائل الإعلام أن هذه المنظمات تمتلك أسلحة وتثير الفتن وأنها السبب فى حرق المجمع العلمى، فقد أصبح العاملون فى المنظمات معرضين للخطر، وأحدهم ابن وزير النقل الأمريكى، فخرج الموضوع من يد الحكومة المصرية بسبب غبائها وتضخيمها للموضوع وأصبحت قضية رأى عام، لذا تدخلت الحكومة الأمريكية لحماية مواطنيها بأن وضعتهم فى السفارة، واستغلت الحكومة المصرية هذا الموقف لتقول إن القضية صراع بين مصر وأمريكا».
وانتقد منصور ما وصفه «بفرض إتاوة أو فدية بنحو 5 ملايين دولار لإخراج المتهمين الأجانب من مصر، فحولوا القضية إلى أزمة رهائن»، موضحا أن «قصر النظر أساء لسمعة مصر بصورة غير مسبوقة، وأصبحنا مشابهين للصومال التى تختطف الناس فى عرض البحر وتطلب فدية».
ويتابع منصور «أنا لست مع هذا المشهد الختامى الذى أرضى أمريكا ومصر، فأمريكا أخرجت مواطنيها من مصر، والحكومة المصرية حققت ما تريده من إدانتهم إعلاميا وقضائيا، من أنهم هاربون سيصدر ضدهم أحكام غيابية ليغلق الموضوع بما لا يسبب إحراجا». وأضاف «هذا المشهد لم يمنحهم أيضا الفرصة لتبرئة أنفسهم أمام الإعلام أو القضاء، كما أن إدانتهم يعنى إدانة المجتمع المدنى المصرى والعربى والدولى، فى وقت الربيع العربى حيث يمكن للمجتمع المدنى أن يقوم بدور مهم جدا فى دعم وتوطيد التحول الديمقراطى».
منع من السفر
وعن منعه من السفر، قال منصور إن «ثورة الإعلام على السماح للمتهمين الأجانب بالسفر، رغم أنه كان قانونيا، أصاب القضية بطابع حساس جديد وهذا ما يحدث معى الآن، لقد اتخذت المسار القانونى كاملا وطلبت من نيابة وسط المختصة بالقضية رفع اسمى من قوائم الممنوعين من السفر، وأمنت على طلبى، ثم توجهت للمحكمة وقال القاضى لى أنا أطلقت سراحك ولم أحبسك وأوضح لى أن الذى منعنى من السفر هو قاضى التحقيق، فتوجهت للنائب العام لأنه قانونا من وضع اسمى بناء على طلب من قاضى التحقيق».
توجه منصور لمحكمة القضاء الإدارى وأقام قضية اختصم فيها النائب العام، ووزير الداخلية، ومدير الجوازات، وحصل على حكم واجب النفاذ فى 17 يونيو الماضى، وأعلن النائب العام ومصلحة الجوازات به فى 21 يونيو بشكل قانونى، إلا أن إدارة الجوازات قالت إن لديها تعليمات من النائب العام أنه لا يجوز حذف أى اسم من قائمة الممنوعين من السفر إلا بعد الرجوع له شخصيا».
ويرى منصور أن هذا التعنت مفهوم أن تنفيذ الحكم القضائى وسفرى للخارج يعنى ببساطة أنه لا توجد قضية من الأساس، لكن الحكومة والمتورطين معها يسعون إلى تشويه سمعة المتهمين والمجتمع المدنى.
وأشار إلى أنه أرسل إنذارا بجنحة جنائية ضد النائب العام، ووزير الداخلية، ومدير القوائم لعدم تنفيذ الحكم، وعقوبة ذلك الحبس والعزل والغرامة والتعويض المادى، كما تقدم بشكوى لرئاسة الجمهورية من خلال الخط الساخن، وطالب الرئيس مرسى فيها بالتدخل لإجبار النائب العام على تنفيذ القانون.
وعن وضع منظمات المجتمع المدنى بعد الثورة يرى منصور أنها حتى الآن مظلومة لأنها تم إبعادها عن إدارة العملية الانتقالية مبررا بأن الثورة لم تكتمل، «فلا توجد ثورة فى العالم تقمع حرية التنظيم وتهمش المجتمع المدنى الذى يقوم بدور مهم فى دعم الديمقراطية واستقرار مؤسسات الدولة وحيادية العمل العام».
وأوضح أنه فى مرحلة التحولات تكون مؤسسات الدولة ضعيفة، ومن يستطع مساعدتها هو الهيئات غير الحكومية وغير الحزبية لأنها لن تؤثر على قراراتها بأفكار مؤدلجة أو لها مصالح.