كان علينا فقط انتظار تويتر، فيس بوك، ويكيليكس؛ وجميعها أدوات ثورية، مثل جهاز الفاكس فى حقبة الاتحاد السوفييتى. الملاحظ أن الغضب فى ميدان التحرير ملىء بالمفارقات، ليس أقلها أن الرئيس الأمريكى الذى أحيا أمل الديمقراطية فى الشرق الأوسط بخطابه فى القاهرة، يتصل هذا الأسبوع بقادة المنطقة من أجل وقف انتفاضة الديمقراطية غير المحكومة فى العالم العربى. ومن بين هذه المفارقات، يبرز المصريون باعتبارهم المفارقة الأكبر: فقد كانت مصر كليوباترا تعتبر حديثة فى الأزمنة القديمة، بينما مصر مبارك قديمة فى الأزمنة الحديثة. وكان قصد الرئيس جورج دبليو بوش طيبا عندما حاول أن يبدأ نشر الديمقراطية فى الشرق الأوسط بما يشبه تأثير الدومينو؛ وإنهاء نفاق أمريكا البشع عبر تدليل الحكام الفاسدين. غير أن الوسيلة التى استخدمها لذلك كانت ساذجة وخاطئة. وقال لى ريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية، وكان يعمل فى وزارة الخارجية إبان الولاية الأولى لبوش: «يمكنك القول إن حرب العراق نكسة لقضية الشرق الأوسط، من نواح عديدة»، وأضاف: «عندما يحدث ذلك من الداخل يكون مشروعا فى عيون العرب أكثر منه عندما يكون مدفوعا من الخارج». وليس من الممكن طرح سياسة خارجية قوية عبر تقويض الأخلاقيات. ولن يمكنك احتلال بلد لمجرد إبدال نظام فاسد بآخر. وتعهد الرئيس بوش، فى خطاب ولايته الثانية، بالعمل على «إنهاء الاستبداد فى عالمنا». غير أنه لم ينجح سوى فى التخلص من طاغية واحد (وهو طاغية ضعيف كان لديه ضغينة ضده). وأدرك أن محاولة التدخل فى المسار المستقبلى للسياسات الداخلية لبلد آخر، أمر فى غاية الصعوبة. وكما كتب هاس فى مقال حينذاك: «الديمقراطيات غير الناضجة التى لديها انتخابات ولكنها تفتقر إلى الضوابط والتوازنات المميزة لديمقراطية حقيقية معرضة بوجه خاص للاختطاف بفعل العواطف الشعبية». ويقول هاس الآن عن الاضطراب السياسى فى مصر: بهذا الشكل «يمكن أن ينحرف الأمر عن جادة الطريق، فنهاية مبارك أشبه بما قد يحدث فى الشوط الثانى». وقال إن «طموحات مبارك الملكية، وخطته الملكية لفرض ابنه كخليفة له، أهانت فعلا الكثير من المصريين، الذين رأوا فى ذلك إذلالا. والإذلال يعتبر دافعا قويا فى الشرق الأوسط». وفى 2005، وبخت وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس المصريين وطالبتهم بالمزيد من الديمقراطية، ولكن مبارك واصل خنق حيوية بلاده. وربط بوش أجندته للحرية بالحرب. وفى مفارقة أخرى، كان اعتقاد بوش أن الديكتاتوريات تولد الإرهاب من الأسباب التى جعلته يقرر أن يفعل شيئا إزاء الديكتاتوريات العربية. ولكنه احتاج لتعاون نفس الحكام المستبدين الذين كانت أمريكا تدعمهم دائما؛ فى محاولة للوفاء بوعده الهائل بهزيمة «أى مجموعة إرهابية لها امتداد عالمى». وانزلق إلى الاعتماد على مساعدة ديكتاتوريات من أجل صد ديكتاتوريات. وبدلا من ذلك، أوقف عملية التحول إلى الديمقراطية عام 2006، بعدما صدم هو وكوندوليزا رايس بفوز حماس فى الانتخابات الفلسطينية. وقال روبرت كاجان، وهو زميل بارز فى مؤسسة بروكينجز وجمهورى مؤيد لحرب العراق، شارك فى مجموعة العمل المتعلقة بشئون مصر، المكونة من خبراء شئون الشرق الأوسط فى الحزبين الجمهورى والديمقراطى وأرادت الضغط على مبارك ليكون أكثر ديمقراطية: «لقد بالغنا فى الفزع من فوز حماس». وواصل قائلا: «التخوف الكبير لدى الناس من الأحزاب الإسلامية، يتمثل فى أنها إذا شاركت فى انتخابات، فستكون تلك آخر انتخابات»، وأضاف: «لكننا استوعبنا جيدا ذلك الدرس، وعلينا أن نتجاوز استجابة الهلع هذه. ولا سبيل لدينا للمضى قدما فى هذا التطور التاريخى من دون السماح للإسلاميين بالمشاركة فى مجتمع ديمقراطى. فماذا نحن فاعلون؟ أندعم الحكام المستبدين إلى الأبد لأننا لا نريد أن يأخذ الإسلاميون حصتهم من النظام السياسى فى الشرق الأوسط؟ لقد تعودنا على أن نضع أموالنا حيث مصالحنا». وتابع: «من الواضح أن على الإسلام أن يعقد سلاما مع الحداثة والديمقراطية. بيد أن السبيل الوحيد لتحقق ذلك، هو الحديث عن قيام الإسلام بدوره فى النظام. ويتعين على الإسلاميين المنتخبين ديمقراطيا أن يسلكوا سلوكا ديمقراطيا». وقد التقى يوم الاثنين أعضاء من مجموعة كاجان بأعضاء فريق الأمن القومى فى البيت الأبيض. وهو لا يعتقد كما يرى بعض النقاد أن الرئيس أوباما كان بالغ البطء فى احتضان المتظاهرين المصريين. وقال: «إنه أمر شائك. فأى إدارة تتردد للغاية فى طرد حليف قديم». غير أنه يعتقد أن الإدارة «أخطأت فعلا بعدم استعدادها لذلك قبل عام». ويرى أن مشكلات مبارك الصحية شجعت المصريين الساخطين. وهو ينصح الرئيس أوباما الذى ظهر على شاشة التليفزيون مساء الثلاثاء لطمأنة المصريين إلى أنهم سوف يقررون مصيرهم، ولكن ربما يكون ذلك لاحقا بعدم المراهنة على رحيل طويل لمبارك. وقال: «يجب التخلى عن فكرة محاولة فهم اختيار مبارك التمهل فى نقل السلطة».