على الرغم من كلام بنيامين نتنياهو فى الأيام الماضية عن أن إسرائيل استعادت قدرتها على الردع فى المواجهة الأخيرة فى الجنوب، وإذا وضعنا جانبا القدرة النووية التى تملكها إسرائيل، بحسب ما تتناقله المصادر الأجنبية، فإن إسرائيل لا تملك اليوم، ولا مستقبلا، القدرة على ردع أعدائها فى حال هاجمت المفاعلات النووية فى إيران. من هنا، وفى حال أقدمت إسرائيل على مهاجمة إيران، فإنها ستتعرض لضربات موجعة ستكبدها خسائر كبيرة تتعدى رقم ال500 قتيل الذى تحدث عنه وزير الدفاع إيهود باراك. هذا دون الحديث عن التكلفة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التى سندفعها فى مقابل عملية كهذه، والتى لم يتطرق إليها أحد فى الحكومة الإسرائيلية. وإذا قمنا بمراجعة تاريخية، يتبين لنا أنه منذ سنة 1973 لا وجود لما يسمى بردع إسرائيلى، وهذا يشمل أيضا «الجولة» الأخيرة فى قطاع غزة، بدليل استمرار إطلاق القذائف المدفعية والصواريخ من القطاع على إسرائيل.
أما عدم إقدام سوريا على الرد على قصف مفاعلها النووى سنة 2007 ، الذى يتباهى به القادة الإسرائيليون، فسببه الأوضاع السياسية والعسكرية السورية الداخلية لا الردع الإسرائيلى. وتجدر الإشارة إلى أن القدرات الإسرائيلية لم تمنع أيضا نشوب الانتفاضتين الأولى فى سنة 1987، والثانية فى سنة 2000 ومهاجمة حزب الله لإسرائيل بالصواريخ.
أما فيما يتعلق بالفلسطينيين، فمن الواضح تماما اليوم أن القدرات العسكرية الإسرائيلية لن تمنعهم من القيام بانتفاضة جديدة حينما «يبلغ السيل الزبى». كما أن المراوحة الإسرائيلية تجاه كل ما يتعلق بمسيرة السلام، وتصميم الفلسطينيين على منع ضم الضفة، سيجعلان إسرائيل غير قادرة على ردع الفلسطينيين فى حال قرروا القيام بانتفاضة جديدة.
وبالنسبة إلى حزب الله، وعلى الرغم من تصريحات حسن نصر الله «المهادنة»، فإنه من شبه المؤكد أن الحزب لن يتردد أيضا، عندما يحين الوقت، فى شن هجوم جديد على إسرائيل، ولا سيما إذا هاجمت هذه الأخيرة حليفته إيران.
من المعلوم أن حزب الله والفلسطينيين فى القطاع يملكان وسائل قتالية وقدرات مهمة يمكنها إلحاق ضرر كبير بنا، ولن يردعهم شىء عن القيام بذلك، لا أداء منظومة «القبة الحديدية» (التى لا تقترب نسبة نجاحها من مائة فى المائة) ولا الضرر العظيم الذى سيصيبهم جراء ضربة إسرائيلية مضادة.
ومنذ الآن تدرس المنظمات فى غزة المواجهة الأخيرة كى تجعل استعمالها للأسلحة التى تملكها أكثر نجاعة، وكى تبنى استراتيجيا تمكّنها من إلحاق أكبر قدر ممكن من الإصابات بإسرائيل.
ومما لا شك فيه أن الإيرانيين ينوون التسلح جيدا من أجل مواجهة القدرة النووية الإسرائيلية، ومن أجل امتلاك قدرة على الردع، لا فى مواجهة إسرائيل فحسب بل فى مواجهة دول أخرى أيضا داخل المنطقة وخارجها. لكن حتى لو امتلك الإيرانيون السلاح النووى فإنهم لن يستعملوه، مثلما لم تستعمله أى دولة تملكه، ما عدا الولاياتالمتحدة التى استخدمت القنبلة النووية خلال الحرب العالمية الثانية.
بناء على كل ما تقدم، يتعين على الساسة الإسرائيليين وعلى العسكريين الكبار أن يقدّروا جيدا الثمن الذى ستدفعه إسرائيل، وأن يمتنعوا عن مهاجمة إيران على الرغم من إيمانهم الكبير بقدرة الردع الإسرائيلية.