كثير منا انشغل بالأمل فى صعود حمدين صباحى لمرحلة الإعادة فى انتخابات الرئاسة، وبعضنا أصيب بإحباط هائل لعدم حدوث ذلك، ولم يلتفت معظمنا إلى مغزى النتيجة التى حققها بالفعل وتبلغ خمس عدد المصوتين. لن أكرر ما قاله كثيرون عن المفاجأة التى حققها، وأنه حصان الانتخابات الأسود، أو الإشادة به وهو يستحقها لكن علينا الآن أن نستفيد مما حدث والبناء عليه من أجل المستقبل.
المعنى الرئيسى لتصويت عشرين بالمائة من الناخبين لصالح صباحى فى انتخابات يستحيل تزويرها لصالحه تحديدا هو كسر القاعدة التى اعتقدنا بصحتها طويلا، وهى أن قدر مصر منذ سنوات هو الدوران، أما فى فلك الدولة البوليسية أو الدولة ذات الصبغة الدينية.
عندما يصوت خمس الناخبين لصالح رجل لا يخفى ناصريته، فمعنى ذلك أن السياسة المصرية لم تمت تماما وأن هناك أملا فى الغد.
عندما يحصل حمدين على هذه النسبة وهو شخص من دون حزب كبير يسنده أو جماعة منظمة تحشد له وتنفق على حملته فالمؤكد أنه عرف كيف يصل إلى الملايين ويعبر عنهم.
يعنى ذلك أيضا أن الملايين خصوصا الشباب تبحث عن أمل حقيقى ومدنى للمستقبل، بعيدا عن الأحزاب الدينية أو الأحزاب «الفلولية».
تصويت هؤلاء الشباب لصباحى يعنى أنه صار بإمكانه الحديث باسم قوى الثورة المدنية مثلما يحق لعبدالمنعم أبوالفتوح الجديث باسم المعتدلين من التيارات الإسلامية الحاصل على نسبة أقل قليلا من نسبة صباحى.
لندع هذا التقسيم والجدل بشأن من هو زعيم الثورة لنصل إلى لب الموضوع وهو المستقبل.
الذى فعله صباحى وأنصاره فى الانتخابات الأخيرة كان هو الجهاد الأصغر، أما الجهاد الأكبر فهو السعى لتأسيس حركة سياسية فاعلة على الأرض تخترق جدار الثنائية الرهيب أو التيارين الإسلامى والفلولى فقط.
لدى صباحى حزب الكرامة الذى يحتاج لإعادة نظر شاملة بعد معركة الانتخابات وصعود أسهم زعيمه ومؤسسه شعبيا.. خلف صباحى أيضا تيار هائم يحب عبدالناصر خصوصا من زواية العدالة الاجتماعية، لكن الأحزاب والقوى الناصرية أثبتت فشلا كارثيا.
يحتاج صباحى ورفاقه إلى خطاب سياسى جديد يؤكد قيم الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان، ويستوعب، ويستقطب الملايين التى صوتت له فى التنظيم السياسى الجديد. فهؤلاء لم يكن معظمهم ناصريين بل شبابا متحمسين وجدوا فى حمدين وجها مدنيا ليس محسوبا على التيار الدينى أو «المباركى».
لو تمكن صباحى من تأسيس هذا الحزب ليصبح تيارا شاملا لليسار المصرى بمفهومه الأوسع الأقرب إلى يسار الوسط فإنه يكون أدى خدمة جليلة للسياسة المصرية.
هناك الملايين من المصريين الذين لا يعرفون معنى كلمة حزب، ومن يذهب منهم إلى صناديق الانتخاب فهو يفعل ذلك لأن هذا المرشح قريبه أو يريد منه خدمة.
تخيلوا لو أن صباحى ورفاقه بدأوا هذا الجهاد الأكبر الآن.. وتخيلوا لو أن الجولات الانتخابية التى قام بها صباحى فى الأسابيع الماضية تكررت أولا لشكر الناخبين ثم لدمجهم فى حركة سياسية حقيقية.
تخيلوا لو أن كل مسئول فى حملة صباحى تحول إلى مسئول الحزب أو التيار الجديد فى قريته أو نجعه أو بلدته أو مدينته، ومارسوا عملهم فى تثبيت أركان الحزب بنفس الطريقة التى قادوا بها حملة الانتخابات الرئاسية.
لو حدث ذلك فإن وجه الحياة السياسية المصرية سيتغير، وستكون فرصة صباحى فى الانتخابات الرئاسية المقبلة قوية جدا، لكن الأهم أن حزبه سيدخل لبرلمان بإرادة الملايين وليس على جناح حزب الحرية والعدالة الإخوانى، كما حدث فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة.