البابا تواضروس الثاني يناقش مع وزير التعليم تعزيز القيم والمبادئ الدينية بالمدارس    عيار 21 يرتفع الآن للمرة الثالثة بالصاغة.. أسعار الذهب اليوم تسجل رقمًا قياسيًا جديدا    أسعار الطيور والدواجن بكفر الشيخ... الأرانب ب120 جنيها    محافظ الفيوم يوجه بتوفير علاج علي نفقة الدولة ومساعدات مالية لعدد من المواطنين    تعليق الدراسة في جميع مدارس وجامعات لبنان    مران الزمالك.. جاهزية شلبي ودونجا.. تعليمات فنية للجزيري وناصر.. وحضور حفني وإدارة الأبيض    Natus Vincere بالصدارة.. ترتيب اليوم الرابع من الأسبوع الأول لبطولة PMSL للعبة ببجي موبايل    فانتازي يلا كورة.. جاكسون يحفظ مكانة تشيلسي على القمة    حالة الطقس غدًا الثلاثاء 24-9-2024 بمحافظة البحيرة    مهرجان القاهرة السينمائى يعلن عن جائزة مالية لأفضل فيلم يرصد معاناة فلسطين    الكشف على 3560 مواطنا خلال قافلة طبية في ناهيا بالجيزة (صور)    بعد تفجيرات لبنان.. إيران تحظر أجهزة اتصال خوفا من الإختراق    عاجل - حماس تطالب الجنائية الدولية باعتقال قادة الاحتلال: إسرائيل ترتكب جرائم حرب في لبنان وغزة    كاتب صحفي: مشاركة منتدى شباب العالم فى قمة المستقبل نجاح كبير.. فيديو    كل ما تريد معرفته عن ضوابط عمل اللجان النوعية بمجلس النواب    محافظ دمياط: مبادرة المشروعات الخضراء تعكس جهود الدولة للتعامل مع البعد البيئى (صور)    شراكة بين المتحدة للرياضة والاتحاد المصري واستادات لإنشاء دوري الأكاديميات    الإحصاء: 21.5 مليار دولار صادرات مصر لأكبر 5 دول بالنصف الأول من 2024    السجن المشدد 15 عامًا لعاطل بالإسكندرية بتهمة القتل والسرقة    وزير الأوقاف لمحرري الملف الديني: الأزهر على رأس المؤسسات الدينية في مصر    يونيفيل: أجرينا اتصالات مع الطرفين اللبناني والإسرائيلي أملا في خفض التصعيد    فتح باب التسجيل للنسخة الثالثة من منتدى مصر للإعلام    أحمد عز ومنى زكي ضمن الأعلى إيرادات في شباك التذاكر السعودي    "أزهر مطروح" يطلق "فاتحة الهداية" بالمعاهد التعليمية ضمن مبادرة بداية    أبو الغيط يلتقي رئيس وزراء فلسطين على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة    حصوات الكلى: المخاطر وطرق العلاج الممكنة تبعًا لحجم الحصوات    مدارس وقوافل وتطوير.. كيف دعمت حياة كريمة جهود التنمية في محافظات الجمهورية؟    الجيش الإسرائيلي يطالب سكان منطقة البقاع الموجودين داخل أو قرب منزل يحوي أسلحة لحزب الله بالخروج خلال ساعتين    الجمهور يهاجم وليد فواز بسبب إيمان العاصي في "برغم القانون"    مهرجان مالمو للسينما العربية يعلن عن مواعيد الدورة الخامسة عشرة    تعيين قائم بأعمال عميد "فنون تطبيقية بنها"    رغم تغيبه.. تنازل ضحيتا الفنان عباس أبو الحسن عن الدعوى الجنائية    اليوم العالمي للغات الإشارة: هل تختلف بين البلدان؟    نجم الزمالك السابق يفجر مفاجأة: أنا مطمن إننا هنكسب الأهلي    قبل XEC.. ماذا نعرف عن متحورات كورونا التي حيرت العلماء وأثارت قلق العالم؟‬    الجيش الأردني يحبط محاولة تهريب مواد مخدرة محملة بواسطة طائرة مسيرة    تصالح فتاة مع سائق تعدى عليها فى حدائق القبة    الحماية المدنية تسيطر على حريق نشب داخل شقة سكنية في الوراق    وزيرة التنمية المحلية تلتقي بنقيب أطباء أسنان القاهرة    وكيل الأوقاف بالإسكندرية يشارك في ندوة علمية بمناسبة المولد النبوي الشريف    العين الإماراتي: الأهلي صاحب تاريخ عريق لكن لا يوجد مستحيل    جامعة الجلالة تحصل على الاعتماد الدولي IERS لبرنامج تكنولوجيا العلاج التنفسي    جامعة الأمم المتحدة للسلام تحتفل باليوم العالمي.. وتتتعهد بتقديم تعليم ملهم للأجيال القادمة    وزير الصحة: النزلات المعوية بأسوان سببها عدوى بكتيرية إشريكية قولونية    وزير المالية: فخورون بما حققناه جميعًا.. حتى أصبح البنك الآسيوي أسرع نموًا    الرئيس السيسي يهنىء قادة السعودية بذكرى اليوم الوطني    استقالة موظفى حملة المرشح الجمهورى لمنصب حاكم نورث كارولينا    قطع أثرية مقلدة.. رحلة مباحث القاهرة للإيقاع بعصابة المشاغبين الستة    بيراميدز يكشف حجم إصابة محمد حمدي ومدة غيابه    محافظ المنوفية: مبنى التأمين الصحي الجديد أسهم في تخفيف الزحام والتكدس وصرف الأدوية    ضبط تشكيل عصابي نصب على المواطنين في القاهرة    تشييع جنازة اللواء رؤوف السيد بمسجد الثورة بعد صلاة العصر    شوبير يكشف أسرار عدم انتقال سفيان رحيمي للأهلي.. موسيماني السبب    علي جمعة: ترك الصلاة على النبي علامة على البخل والشح    إصابة فى مقتل    تفاصيل عزاء نجل إسماعيل الليثي.. نجوم الفن الشعبي في مقدمة الحضور (صور)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 23-9-2024    حالة الطقس اليوم الاثنين 23-9-2024 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يا رب يا ربنا
نشر في الشروق الجديد يوم 04 - 01 - 2012

السبت، آخر يوم فى سنة 2011 عملنا سبوع (متأخر شوية) لخالد ابن منال وعلاء. جنينة قد المنديل، تركتها لنا أمى الله يرحمها، فى المنصورية بس مش فى الجزء الشيك، فى جزء عادى، فيه بيوت ومحلات ومشاتل وورش وسوق وناس عايشة. نتردد على المكان منذ عشرين عاما فصرنا إلى حد ما جزءا منه.

كنسنا الأرض وفرشنا حصير وعلقنا لمض ملونة وأعلام مصر، والمكان اتملى بالأهل والأحباب، والناس جابت معاها ما لذ وطاب من المأكولات (وأنا دبحت معزة بس الحقيقة طلعت فظيعة ورفضت تستوى وأنتهز الفرصة لأعتذر للأصدقاء) وشَغَّلنا أغانى سعاد حسنى وعفاف راضى، ودقينا الهون وسَمَّعنا خالد صوت الكون ورشينا الملح والسبع حبات وغربلنا النونو وبخرناه وغنينا له حلقاتك برجلاتك إنزل واهتف ويا اخواتك ونبهنا عليه يسمع كلام ماما ويسمع كلام بابا ومايسمعش كلام أى حد من المجلس العسكرى. جنينة ماما كانت بتُشِعّ طاقة وبهجة ومحبة ونور.

وفى المساء، بعد ان تم السبوع وانفضت القعدة، ذهب كثيرون منا إلى الميدان، ميدان التحرير. بيت العيلة الكبير. جميل أن أصبح لنا وبرغم الأيام الحالكة بيت عيلة، فى أى مناسبة وبدون مناسبة كمان الواحد بيعدى عليه. كل حد بيكَلِّم كل حد، وكل حد له حق فيه. ده من مكاسب الثورة: أن أصبح عندنا بيت عيلة بتاعنا بيلمنا كلنا، أكبر بيت عيلة فى الدنيا. نزلنا التحرير ولحِقْنا الجزء الأخير من احتفالية راس السنة وغناء كورال بديع أعتقد إنه كورال كنيسة قصر الدوبارة. دعاؤه لله أن يحفظ مصر يصعد إلى سماء التحرير مع البالونات والشماريخ. ثم جاءت أنغام «أنا باحبك يا بلادى» وهى الأغنية/ النشيد التى تكفى جملة موسيقية واحدة منه لإحياء كل مخزون الحزن والشجن والحب والإصرار عندنا. يعنى أنا شخصيا باكون بابكى على الشهداء ولأهاليهم، وفى نفس اللحظة فخورة بيهم وبالثورة، ومتفائلة، وموقنة أننا مستمرين وإن اللى جاى- فى النهاية خير كبير.

قولوا لأمى ماتزعليش… وحياتى عندك ما تعيطيش شهداؤنا أصبحوا جزءا من نسيج حياتنا، مثل أهلنا وأحبابنا الذين رحلوا، نصطحبهم معنا فى حياتنا اليومية، نعمل حسابهم، نستلهمهم، تومض صورهم الضاحكة المستبشرة فى أذهاننا فى لحظات معينة، وكل وجه شهيد برّاق تحيطه جمهرة من الأحباب تَذْكُره وتتمسك بسيرته وبحقه. شهداؤنا ثروة، كالنيل والشمس، وأرض مصر السمراء، يمدوننا بالطاقة والعزم للمضى فى طريق الخير.

يوم الخميس كنا فى شبين القناطر، وشبين القناطر الآن بلد الشهيد سامح عز، الشاب الذى قتلوه يوم 17 ديسمبر فى أحداث شارع مجلس الشعب وشيع جنازته فى اليوم التالى الآلاف. صورته مرفوعة فى صدر شادر «الثورة مستمرة» جنب محطة القطر. وقف الكل حدادا عليه وعلى الشهداء. جاءت أختاه ووالدته، وعزمونا نروح عندهم وأصروا: «تعالوا شوفوا حياة سامح». ذهبنا وشُفنا وسمعنا. شهدنا على حياة سامح وعلى توصيات أم سامح.

شارع المطافى، وبيت من ثلاثة طوابق، وتحت البيت محل إنترنت. البيت بيت أسرة سامح، والبيتين اللى جنبه واحد من كل ناحية أيضا بيوت أقارب. محل الإنترنيت مشروع سامح، اشتغل عند أخيه إلى أن جمع مبلغا من المال، وأعطته أمه المحل تحت البيت فاشترى الكمبيوترات وجَهِّز المكان واشتغل. فتحوا لنا المحل، الخميس 29 ديسمبر فى المساء، وقالت أمه إن لما حاولوا يفتحوه قبل كده المفتاح عصلج، فكانت هذه أول مرة يفتح منذ أن ذهب سامح: الكمبيوترات، والكراسى، وكوبيتين بيهم بقايا شاى كشرى، ومصحف وسجادة صلاة وكيس نايلون فيه أدوية ومراهم يستعملها سامح لعلاج الإصابة والحرق اللذين حظيا بهما فى محمد محمود. أول مرة يُفتح منذ أن ذهب سامح إلى شارع مجلس الوزراء. قالت له أمه بلاش تروح النهاردة، الدنيا كلها قلق. قال أنا ما باعملش حاجة، أنا باساعد بس. قالت له بلاش تروح النهاردة، الليلة هنخطب لك. طلب من أخوه يسَلِّفه بدلته البيضا اللى سبق راح خطب بيها، يحَضَّرهاله على بالليل. نادت له أمه من الشباك. استدار وبص عليها وشاور لها، مشى بضهره مبتعدا، بضهره متجها نحو الشارع الكبير، بيضحك لها وبيشاور لها باى باي، أمه فى الشباك، تحتها محل النت بتاعه، فوقها شقته اللى سبوهاله من شهر عشان يتجوز فيها.

أمه قاعدة على كرسى ترقب النت الذى فتح لأول مرة منذ رحيله. الناس اللى رايحة واللى جاية بتسلم عليها وتترحم عليه. تقول الأم إن أبوها كان ناظر مدرسة، تقول إن زوجها، أبو سامح، كان فى الجيش، وأخد شظايا فى رجله فى 67، ثم أخذ فى 73 شظايا فى عينه أفقدته البصر، ولم يتقاعد، وماخدش حاجة من حد، فتح مشاريع ومحلات وعاش حياة واشتغل وربَّى الأولاد، ثمانية أولاد رباهم وعلمهم، ستة تزوجوا وبقى سامح وأخت أخيرة. الأخت ستتزوج وتروح مع جوزها وسامح سيتزوج فى البيت. سامح قعد بأبوه الشهر الأخير لمرضه، وسامح سيتزوج فى البيت: شقته فوق شقة أمه. أصحابه معلقين على بلكونتها بوستر لسامح. المطافى معلقة بوستر لسامح. النت عليه بوستر لسامح. يافطة النت سامح كان كاتب عليها: «حتة ولد، مغَلِّب بلد». أخته تقرأها وتضحك. كان بيشجع الزمالك. كان بينزل الثورة يساعد المصابين. قتلوه وهو بيرفع الشيخ عماد عفت من على الأرض. لكن: سامح إيه؟ إبنى إيه فى وسط آلافات الشباب؟ تقول أمه، ابنى إيه جنب مصر؟ ولا حاجة. ذَرَّة. بس ماتضيعوش حقه، حقه هو حق مصر. ماتسيبوهوش وماتسيبوش الشباب. هاتوا حق مصر، وحق ولادنا.

لن ترقص الأم فى فرح سامح. مش هتحَنِّى إيدين ابنها ولا هتزغرد فى سبوع إبنه. لكنى أُجزم أن شبين القناطر سترزق بمواليد كثر يُسَمُّون سامح، كل واحد منهم ابنها. علاء ومنال سمُّوا خالد، وأسمع من الشباب فى كل مكان هاسمِّى مينا، سامح، خالد.


تانى يوم سبوع خالد يوم الأحد ظهر شخصان على موتوسيكل فى المنطقة، وداروا يسألوا الناس حوالين جنينة أمي: إيه الحفلة اللى اتعملت هنا امبارح؟ مين كان هنا؟ كانوا بيقولوا إيه؟ بيغنوا إيه؟ بيهتفوا إيه؟ سمعنا بهذا يوم الاثنين فتوجهنا أنا والمهندس علاء سويف، أخى، والمحامى أحمد سيف الإسلام، زوج أختى، إلى قسم البوليس الذى نتبعه وسجلنا اعتراضنا وحاولنا نعرف من الذى أرسل الشخصين والموتوسيكل، وأصر العميد مأمور القسم - الذى قابلنا بكل لياقة واحترام إن الناس دول مش من عنده ولا يعلم عنهما أى شىء. ظل العميد يلف ويرجع لسؤال إن كان عندنا مشاكل مع حد فقال علاء «أيوة الحقيقة عندنا مشكلة مع المجلس العسكرى»، فأُسقط فى يد الرجل وقال يبقوا أكيد الناس دول مش من عندنا. سأل علاء يعنى ينفع جهة تانية تتحرك فى منطقة سيادتك بدون علمك؟ فأسقط فى يده أكثر وفَهِمنا إن أيوة، ينفع. قلنا له إن بما إننا تبعه، فسنلجأ إليه لو أى حد سبِّب مشاكل لجيراننا، وخدنا رقم تليفون القسم وتركنا أسماءنا وأرقامنا برجاء إن اللى له طلب أو عايز معلومة يتصل بينا شخصيا ومافيش داعى يلف حوالين الجنينة ويعمل قلق للناس. ولاختصار الوقت، وللحقيقة والتاريخ، أسجل هنا أننا، فى سبوع خالد علاء عبدالفتاح، كنا نهتف ونقول: «أيوة بنهتف ضد العسكر / إحنا الشعب الخط الأحمر»، وكنا أيضا نغنى ونقول: «يا رب يا ربنا / زيح المجلس من وشِّنا». وهذا إقرار منى بذلك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.