سواء أحببت أو كرهت موقفه من سوريا، فإن وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف يعتبر من أفضل الدبلوماسيين. فالخبرة مطلوبة، وقد قضى لافروف حوالى ثلاثة عقود فى الأممالمتحدة. وهو كدبلوماسى سوفييتى رفيع المستوى وممثل دائم لروسيا فى مجلس الأمن أثناء التمهيد لحرب العراق، سابقا، تصدى بعناد للتدخل العسكرى على مدار ثلاثة عقود فى بلاد كانت المصالح الروسية فيها فى خطر. وفيما يخص سوريا، فالرجل يقدم حججه بعناية أكبر من نظرائه الغربيين. فيما يتصل بسوريا، لافروف رجل واقعى على طريقة كيسنجر. وهو يتحرك نيابة عن الكرملين الذى تستند دبلوماسيته بشكل شبه كامل على دعم القوة الروسية. وروسيا قلقة بشدة من التهديد المتصاعد لنفوذها فى سوريا، حليفها الأساسى فى البحر المتوسط العربى.
لكن موسكو تعلم أيضا أن الكتابة على الجدران موجهة إلى نظام الأسد وأن زواله البطىء سيعجل بنشوب حرب أهلية بشعة من شأنها الإضرار بالمصالح الروسية.
●●●
ولتفادى نتيجة كهذه، قررت روسيا أن الخيار الأفضل أمامها هو تحقيق التوازن بين النظام والمعارضة بصورة تسمح باستمرار النفوذ الروسى. ومثل الأمير الصقلى فى رواية لامبيدوزا، «الفهد»، يعرف قادة الكرملين أنه «إذا أردنا أن تبقى الأشياء كما هى، فلابد أن تتغير أشياء».
كما أن روسيا قلقة بشدة من صعود الجماعات الجهادية فى سوريا ولبنان نتيجة للفراغ الأمنى المتزايد فى سوريا. من هنا، دعت موسكو إلى مؤتمر دولى فى محاولة للتوصل إلى عملية انتقالية تحول دون سقوط سوريا فى الفوضى.
وحتى الشركاء غير المحتملين، كإسرائيل وإيران، من المتوقع أن يرحبوا بمؤتمر روسى حول سوريا. فإيران تعلم أنها يمكن أن تتورط فى حرب بالوكالة فى لبنان قد تلحق ضررا لا يمكن إصلاحه بمحادثاتها النووية مع الغرب، وتهدد بهجوم عسكرى من جانب الولاياتالمتحدة.
وتتزايد مخاوف إسرائيل من حالة التطرف التى تسود أوساط الشباب السورى، وخطاب المعارضة بشأن مرتفعات الجولان الداعى إلى القتال، واحتمال وقوع ترسانة سوريا من الأسلحة الكيماوية بيد المتطرفين. وعدو تعرفه قد يكون أفضل من دولة فاشلة تؤوى عناصر فاعلة لا تتبع الدولة. كما أن انزلاق لبنان إلى حرب أهلية ليس فى مصلحة إسرائيل، حيث إنه من الممكن أن تؤدى سيطرة ميليشيات حزب الله العسكرية المتفوقة إلى الدعوة إلى غزو لبنان مرة أخرى، وما يترتب على ذلك من احتلال إسرائيلى طويل.
●●●
وقد لا تكون روسيا مدفوعة بالإيثار الدولى، لكن علينا أن نوجه النقد للغرب لأنه لم يقدم أى خطة سياسية للموقف فى سوريا. وفى الكثير من مشروعات قرارات مجلس الأمن، التى اعترضت عليها روسيا والصين، طالب الغرب بأن يقتصر وجود قوات الأمن السورية على المعسكرات. وطرح لافروف السؤال التالى: من الذى سيحل محلها ليحول دون تزايد العنف الطائفى مع سعى ضحايا النظام للانتقام من كثير من جيرانهم من المؤيدين للأسد؟ ولم يقدم الدبلوماسيون الغربيون جوابا.
وغياب مثل هذا الاهتمام بالتفاصيل من جانب الغرب يعوق الحل الدبلوماسى للصراع فى سوريا. وقد طلب الدبلوماسيون والمسئولون الغربيون من كوفى أنان، الأمين العام السابق للأمم المتحدة، التوصل إلى اتفاق مع سوريا لوقف إطلاق النار والدخول فى نقاش يهدف إلى «الانتقال السياسى»، لكنهم لم يبينوا له الشكل الذى ينبغى أن يكون عليه هذا الانتقال على وجه التحديد. كما أنه ليس هناك حاليا مغريات للنظام تجعله يغير من سلوكه.
●●●
إن على الغرب أن ينحى شكوكه جانبا. كما يتعين عليه التفكير بشفافية فى حوار واقعى مع النظام السورى. ونظرا لوضع النظام المتمترس، لا يمكن للغرب أن يتوقع نهاية سعيدة لعملية الانتقال تلك؛ فالقيادة العسكرية السورية الحالية لن تتنازل عن سلطتها التى تشمل مختلف جوانب السياسة الداخلية والخارجية. لكنها ستسمح بمراقبة نفوذها وتصرفاتها مستقبلا من قبل البرلمان والنظام القضائى بعد إصلاحه.
وإذا تعهد النظام بإجراء انتخابات حرة ونزيهة، فعلى الغرب أن يرفع بعض العقوبات الاقتصادية. وعلى البرلمان المنتخب أن يضع مسودة دستور جديد. ومثلما استغرق التحول الديمقراطى فى تركيا بعض الوقت، فإن أفضل ما يمكن التوصل إليه فى المدى القصير هو تحقيق التوازن مبدئيا بين الرئيس والجيش والبرلمان المنتخب بطريقة ديمقراطية.
وستظل مسألة كيف ومتى يقدَّم مجرمو الحرب للعدالة محل صراع بين السوريين لفترة أطول من الزمن. ويجب الترحيب بمحاولة روسيا للتوصل إلى انتقال سياسى فى سوريا. وقد أوضحت موسكو أن علاقاتها المستقبلية لا ترتبط بوضع السلطة القائمة فى سوريا.
ولربما كان التوصل إلى حل وسط على مراحل بين الحكومة والمعارضة بشأن الفترة الانتقالية هو السبيل الوحيد لتفادى تفاقم الفوضى مستقبلا. ولا يعنى هذا تقديم شيك على بياض لنظام وحشى متورط فى العديد من جرائم الحرب. لكن لا السوريون ولا الغرب يمكن أن يسمحوا باستمرار الاتجاه الحالى. فهناك الكثير جدا ممن هم فى خطر من ناحية الأرواح والمصالح الاستراتيجية. إننا فى وقت يحتاج إلى قدر من الدبلوماسية القائمة على الواقع وليس على الأمنيات الطيبة.