هل تعرف أن الأخبار، خاصة «المشبوهة» تخضع لعمليات غسل مثلها مثل الأموال التى لا تعرف مصدرها؟ الأخبار أيضا تحتاج دائما إلى شرعية، حتى تحوز مصداقية محددة، وشرعية الخبر فى مصدره المعلن، سواء كان هذا المصدر تصريحا من شخص، أو حدثا معلوما، أو وثيقة، أو ناقلا صحفيا من «الثقات» ينقل لك معلومات توصل لها، ويطرحها «مجهولة» لكنه فى النهاية لا يستطيع إغفال معايير الخبر الأساسية «من ماذا أين كيف متى». فى عالم السياسة والمخابرات تحديدا هناك أخبار يجرى غسيلها بعيدا عن المنطقة، كأن تقرأ خبرا عن قدرات الردع النووى الإسرائيلية، فى صحيفة إسبانية، تنقله وكالة أنباء يابانية، ثم تنشره مجلة تركية، وأخيرا تذيعه محطة فضائية عربية، لينتهى بترسيخ ما فيه من معلومات فى ذهن المتلقى العربى، أو يصل برسالة ما لصانع القرار العربى، بعيدا عن أى ظهور إسرائيلى فى مسار الخبر المنشور منذ خروجه فى أقصى الغرب إلى استقراره فى المنطقة العربية. لعبت إسرائيل هذه اللعبة أكثر من مرة بالشكل الذى يسمح لها بتسريب معلومات، أو توجيه الرأى العام، دون أن تظهر أو تقع فى صدام مع حلفائها داخل الأنظمة الحاكمة فى المنطقة وبالشكل الذى يسمح للأخبار أن تؤدى مهمتها ويسمح لإسرائيل أن تتنصل منه عند الحاجة، أو تكتفى بحالة اللانفى واللاتأكيد. هى لعبة الأرجح أن الكثير فى مصر يعرفها ويمارسها أيضا، خاصة مع تصاعد الاهتمام بالشبكات الاجتماعية وأشكال النشر الإعلامى الجديدة على شبكة الإنترنت، التى أصبحت مجالا مفتوحا بلا رقيب لتسريب الأخبار أو الشائعات، وهى درجة محدودة من «الغسل» لكن الدرجة الأعلى كما قلت لك هى استخدام وسائل إعلام عابرة للأقطار وربما القارات لنقل الخبر حتى يصل إلى المكان المستهدف منه. بعض الساسة والنخب المصرية «المشتاقة» أو الحريصة على التلميع المستمر تحترف ذلك، فتفاجأ بتقارير إخبارية فى صحف إسرائيلية تعتبر أن المرشح «الفلانى» فى مصر كان معاديا للدولة العبرية، أو تعبر عن انزعاج المجتمع الإسرائيلى من فرص «علان»، وهى تقارير دون مصدر رسمى، بما يعنى أنها يمكن أن تستهدف بالعكس الترويج للشخص ذاته ومساعدته على رفع شعبيته، أيضا قد تحتفى وسائل إعلام مصرية بموضوعات تسجيلية ومساحات إعلانية اشتراها رجل أعمال فى صحيفة عالمية لتمدح فيه، فيتم التعامل معها داخليا باعتبارها تقديرا عالميا للرجل. لديك مثال واضح على ذلك، فقد راجت فى مصر قصة رسالة الزعيم الأفريقى نيلسون مانديلا لثوار مصر وتونس التى دعا فيها للتسامح والتصالح مع الماضى، احتفت غالبية الصحف والمواقع المصرية بالرسالة بحسن نية، لكن مكتب مانديلا نفاها فى اليوم التالى. عندما تدقق فى المعلومات ستجد أن «الرسالة المنسوبة لمانديلا» نشرتها جريدة «موريتانية» ثم التقطتها مواقع عربية ومصرية، وظلت تتنقل حتى وصلت إلى صحف مطبوعة ومحطات فضائية ذات اعتبار وسمعة ومصداقية، وهذا هو لب نظرية «غسل الأخبار» أن يتحرك الخبر تدريجيا فى وسائل غير معروفة حتى يحط فى وسائل إعلام معتبرة تمنحه المصداقية والولوج إلى الرأى العام المستهدف. لماذا إذن تستبعد أن يكون مصدر هذا الخبر من داخل مصر، وأن شخصا ذكيا استخدم أسلوب مانديلا واطلع على سوابق تصريحاته، وصاغ رسالة قريبة من شخصيته ومفاهيمه، وصدرها إلى موريتانيا، ثم أعاد استيرادها لتؤدى مهمتها فى مصر، وتقنع الناس بالتصالح مع اللصوص والقتلة.. انتبهوا يرحمكم الله!