قبل أيام قليلة لم تكن تدرى عزبة الفدائية التابعة لقرية المحسمة القديمة بالإسماعيلية أنها ستودع محمد البغدادى، المجند الذى توفى فى أحداث سيناء، ذلك الشاب الذى كان يخطو نحو عامه الثالث والعشرين واستشهد فى جريمة رفح الإرهابية. الوجوم والذهول يكسوان ملامح أشقائه، ومشاعر الحزن تغلبت على الجيران، الجميع يتحدث عن أخلاق الشاب وعلاقته الطيبة بجيرانه وحرصه على أداء الصلاة وتحمله مسئولية أشقائه فى مساعدة والده العامل باليومية فى المعيشة.
قبل عدة أعوام توفيت والدة محمد وتركت 5 أبناء صغار وأصر والده على استكمال تعليم محمد حتى حصل على دبلوم الزراعة، ليكون سندا له فى التغلب على ضنك المعيشة التى تعانى منها الأسرة بينما لم يستطع أشقاؤه استكمال تعليمهم.
داخل منزل الأسرة المتواضع المبنى بالحجارة التقت «الشروق» بأسرة محمد، التى توجه معظم رجالها للمشاركة فى تشييع فقيدهم، بينما بقيت شقيقته سارة وبعض أقاربه لاستقبال المعزين، تقول شقيقته «اتصل محمد بنا قبل وقوع الحادث بنحو ساعة ليطمئن علينا، لكن فور سماعنا بالحادث قلقنا كثيرا على محمد خاصة أنه كان يتحدث كثيرا عن المخاطر التى يقابلها أثناء وجوده على الحدود والهجمات التى تعرض لها عدة مرات وعندما علمنا من البرامج التليفزيونية بموقع الحادث تحديدا تأكدنا أن شقيقى أصابه مكروه حتى تلقينا اتصالا من أحد زملائه يبلغنا باستشهاد محمد».
وببكاء شديد تقول سارة «كان مفروض ياخد إجازة النهارده وكنا فرحانين علشان جاى لأنه مفطرش معانا ولا يوم فى رمضان، آخر مرة شفته كان يوم 9 يوليو ومش ناسية آخر مكالمة لما قالى خلى بالك من نفسك واخواتك وأبويا يا سارة، ملناش غيره أخونا وصاحبنا.. حسبى الله ونعم الوكيل».
فيما تقول عمة الفقيد: «ربنا يرحم كل الشهداء ويرجع حقهم ونقدر نحافظ على ولادنا فى الحدود وميتكررش الحادث تانى»، مؤكدة أن محمد واجه الموت كتير وتعرض لحادث مشابه واجه فيه بعض الأعراب وأنقذ زملاءه من الموت، «مش عارفة أدعى أقول إيه إحنا ناس غلابة مبنعرفش ندعى على حد لكن حسبنا الله ونعم الوكيل».
الأمر لم يختلف كثيرا فى قرية أبوبلح بمركز الإسماعيلية التى اتشحت بالسواد حدادا على فقيدها المجند محمد سليم سلامة، وسيطر الحزن على أهالى القرية الذين توافدوا على منزل الفقيد لتقديم العزاء.
يقول والد الشهيد إن تعويضه عن فقدان نجله لن يكون سوى بالتصدى لمثل هذه الهجمات وعدم تكرارها مرة أخرى ومنع إهدار دماء أفراد الجيش، وأن تتحمل القوات المسلحة مسئوليتها فى حماية حدود الوطن وألا تنشغل بصراع السلطة، وطالب بسرعة إلقاء القبض على مرتكبى الحادث والقصاص العادل منهم بإعدامهم أمام الجميع، ويضيف «مش هنرضى يتحكم على المتهمين وبعد كام سنة يحصلوا على عفو قبل انقضاء مدتهم».
وفى عزبة السلام التابعة لمركز أبوصوير تسكن أسرة المصاب أحمد فتحى على، تنتظر السماح بزيارة ابنها الذى يرقد بالمستشفى العسكرى بالقاهرة فى حالة خطيرة.
«الحقنى يا أخويا أنا اتصابت فى حادثة وهموت» كلمات قالها أحمد لشقيقه فى مكالمة هاتفية فور اصابته فى الحادث جعلت الأسرة فى حالة من الذعر وتوجهت شقيقته نجلاء التى تقيم بالعريش إلى المستشفى لتجد شقيقها وقد أصيب بعدة طلقات نارية، تقول شقيقته شاهدت أحمد والدماء تنزف بغزارة من كل جسده وبصوت ضعيف قال لى «هجموا علينا بالرصاص ساعة الفطار بعد ما قطعوا كابل الكهرباء واعتدوا علينا بالضرب على رءوسنا بالأسلحة.. أنا هموت خلاص وردد الشهادة عدة مرات».
القلق يبدو على وجه والدة المصاب خوفا من حدوث مكروه لنجلها وبصوت خافت تقول «عندما علمت بالخبر سافرت سريعا إلى العريش ولكن لم أتمكن من اللحاق بأحمد لنقله إلى القاهرة لخطورة إصابته وتضيف» آخر مرة كان فى أجازة من أسبوع وكان متعود يشتغل فى الأجازة علشان يساعدنى لأن والده متوفى ومعاشه غير كافى».