في مصنعه المتواضع يحمل كامل عطية منشاره الكهربائي، ويعمل جاهدا لإنجاز مركب يرفع هيكله على قاعدة كبيرة، فيبدو وكأنه مركب فينيقي يستعد للإبحار من موطنه الأول إلى أقاصي البحار. عطية واحد من قلة مازالت تعمل في صناعة قوارب الصيد والمراكب السياحية في مدينة صيدا الساحلية بجنوب لبنان، حيث تلتقط هذه الصناعة أنفاسها بعد قرون ذهبية عاشتها المنطقة.
قال عطية: "منذ حوالي 25 عاما وأنا أعمل في هذه المهنة التي تعلمتها من والدي، أشتغل عدة أنواع من المراكب. مراكب للصيد ومراكب للنزهة وبعدة أحجام"...و أضاف: "هناك مراكب ابتداء من سبعة أمتار إلى عشرة أمتار للصيد و12 مترا للنزهة؛ الآن نعمل على مركب طوله 20 مترا للنزهة... وهناك مراكب تستغرق وقتا من شهر إلى ستة أشهر حسب حجم المركب، والسعر يتراوح حسب طول المركب".
وتتكدس الأشجار الكبيرة والأخشاب في مصنعه عند مدخل صيدا قبالة الميناء، كما تنتشر الآلات البسيطة كالمطرقة اليدوية والمسامير والمناشير الكهربائية في المكان.
وأوضح عطية، أن قوارب الصيد هي الأكثر طلبا وأن العمل لديه لا يتوقف. وابتسم عندما سئل عما إذا كان سيعلم مهاراته لابنه، قائلا "بالطبع" مضيفًا: "طالما أن الشخص أعطاه الله عمرا فإن المهنة لن تنقرض لأن واحدا يسلمها لواحد.. يسلمها لابنه وتبقى المهنة ماشية ولا تنقرض؛ الذين يعملون في هذه المهنة قلة ويعدون على الأصابع."
ويشكو أصحاب هذه المهنة من صعوبات، بالرغم من إعادة تأهيل المرافىء بعد الحرب الأهلية التي دارت على مدى 15 عاما وانتهت في عام 1990 ويعزون ذلك إلى الانقطاع المتكرر في التيار الكهربائي وإلى ارتفاع أسعار المازوت والمواد التي تدهن بها السفن، وإلى قرار منع قطع الأشجار في لبنان، والانفتاح على الأسواق العالمية وغلاء الخشب الخالص.
ولكل مهنة أسرارها وتاريخها، وتعد صناعة اليخوت والمراكب من أصعب المهن، لكن بالنسبة لناجي عنتر الذي يعمل مع عطية فإنها "مهنة فيها فن جميل جدا. أحيانا الشجرة الكبيرة التي عمرها مائة أو مائتين سنة، يستغرق العمل في قصها ثلاثة أو أربعة أيام".