سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الشيخ أبو مساعد من وسط سيناء الذى لا يعرفه الرئيس لا كهرباء.. لا مياه.. خطوط الغاز تعبرهم إلى الأردن ولا تتوقف عندهم.. والمحمول الإسرائيلى وسيلة الاتصال
وسط تقارير صحفية للبحث عن مقار مزعومة لتنظيم القاعدة فى وسط سيناء، جلس الشيخ ابومساعد بريكات فى استراحته وموقع استقبال زائريه، على قمة جبل مسطحة، حيث يستظل تحت عريشة مبنية بالأعشاب الجافة، يدور حولها سياج مماثل. وفى باحة العريشة رسم مسجدا ثم حدد موقع القبلة فيه بالحصى الكبير، وعلى امتداد المدى توجد الصخور والجبال الشاهقة التى رسم الزمن عليها فعله.
فى أحد الأركان، يوجد راديو قديم يعتمد عليه الشيخ فى سماع اخبار العالم، حيث تنقطع تماما الاتصالات الهاتفية لشبكات المحمول المصرية، فى حين يظهر على مشغل الشبكة إشارة «اورانج» الإسرائيلية التى تقتحم هاتفا لترفع كلفة الاتصال إلى أكثر من أربعة جنيهات فى الدقيقة الواحدة.
وفى الجوار، ينام الحفيد، فى حين يجلس الولدان صامتين فى حضرة الأب الذى تزين وجهه لحية بيضاء، تقدم أحد الأبناء ليعد براد شاى أوقد نارا تحته فى احترافية.
«عمرى 84 سنة، مر علينا خلالها من مر، وأنا هنا فى موقع أبى وأجدادى» قالها بنبرة شاركت الجبال المحيطة به فى الصلابة، مستهلا حديثه عن قيمة الموقع الذى يقيم فيه، وقيمته فى الدفاع عن سيناء ضد أى معتد وصد أى خطر عنها، قد يأتى من الجوار الشرقى.
ولأنه يدرك قيمة موقعه، تابع: «نعرف عدونا فى الدين والوطن، وخائن وطنه كخائن دينه، ولا أطلب شيئا خاصا فأنا راض بما نحن فيه، ولكن الصالح العام يحتم على أن أقول إنه على الوطن أن يدرك ان فى هذا المكان بشرا يستحقون الحياة ويستحقون جرعة الماء والكهرباء وتعليم الأولاد ورعايتهم صحيا، ونرجو من الله ان يوفق رئيسنا الجديد ويعينه على حمله».
وخلال حياته، عاصر الشيخ أبومساعد الحروب التى وقعت: «مر المعتدى من هنا، رفضنا التوقيع على الأرض للمحتل الإسرائيلى، وقلنا إن فتح لنا طريق الهجرة إلى مصر أو الاردن نفعلها لكن لن نوقع على بيع الارض ابدا، ومنا من عالج جنودا احرقتهم طائرات إسرائيل وقمنا بتدريب بعضهم على رعى الابل بعدما ألبسناهم ملابسنا حتى لا يكتشفهم العدو حتى نوفر لهم ممرا إلى ما بعد قناة السويس فى حرب 67».
ويبدو وصف «فقيرة» كبيرا على مظاهر الحياة فى هذا المكان، حيث لا دخل لهم، كما قال الشيخ، إلا من «بيع محصول العام من شعير وقمح وزيتون والذى نزرعه على مياه المطار التى تتجمع فى خزانات أرضية لتروى ظمأنا ونسقى منها، وفى أعوام أخرى تشح الأمطار، لذا فنحن نحتاج إلى مصدر ثابت للماء».
صعدت بسيارة ارتفع مؤشر حرارتها بشدة لنفاد الزيت مما يؤشر على امكانية تعطل الرحلة نهائيا وتطلبت البحث عن موقع استثنائى لتبتاع زيت السيارات فى مدقات جبله ترتفع تدريجيا وتنخفض فجأة تحت وطأة شمس ملتهبة. بالجوار قرية «بئر بدا» التى تضم نحو 50 بيتا حجريا وبعض الخيام ومدرسة من ثلاثة فصول وأعمدة كهرباء لا تحمل أسلاكا، فمطلب الكهرباء لم يتحقق، وساهمت هيئة المعونة الامريكية فى إنشاء محطة لتحلية بئر جوفية اسهمت فى انفراجة نسبية لحاجة الأهالى، ويمتد خط الغاز الطبيعى جنوبا تحت الارض إلى طابا ثم الأردن لكن لا خطوط كهرباء أو مياه تصل للبشر.
«هى مصدر حياتنا بين الجبال نشرب منها ونسقى دوابنا ونزرع الزيتون بس ما عادت توفى حاجتنا بعد ان مدوا منها ماسورة للقصيمة».
بالجوار اثار قلعة يقول أصحاب المكان انها رومانية المنشأ مر عليها أيضا الأتراك والإنجليز والإسرائيليين كل رحل وبقى الحاج أبوزايد من مستهل جبل نحل بفعل عوامل التعرية بينما بقى أبوزايد الذى يقول انه لا يقرأ ولا يكتب لكنه يدير عقله باتقان لفهم ما حوله من تناقضات حسب البداية.
تخلو الطريق حديثة المنشأ البالغ طولها ما يقارب 100كم من ساحل المتوسط لتتجه جنوبا من أى سيارات اسعاف حيث تمر بنظرك لتحصى القرى والتجمعات المحيطة ومستوى الخدمات الحكومية ويوازى الطريق من الجهتين جبالا صخرية ونقطتين لقوات حفظ السلام التى تراقب اتفاقية كامب ديفيد الأمنية وانبوب أبيض تعرف انه ينقل الغاز الطبيعى حتى طابا ومنها للأردن.
عندما يصطادون السمك فى قلب الصحراء
ان تشهد نخلة فى عمق الصحراء وبين الصخر لا يزيد دهشتك ولكن أن تشهد فيها نبعا فأنت محظوظ تحت وطأة الشمس أما أن ترى فى النبع سمكة فأنت من القلائل الذين رصدوا الحالة كما هى، والحياة على حالها فالجميع مروا من هناك رومان وأتراك وإنجليز وبقيت الحياة حول النبع حيث ناس الحدود وربما حدود الناس.. انت هنا فى عين القديرات.
بمخيلة الشاعر تدهشك الطبيعة بتفاصيلها البكر.. وبعين المواطنة تدرك ان الشعار وتطبيقه يحتاج إلى ثورة أخرى لترضى أبوزايد الذى يشارف على 70 عاما ويسرد أمامك تاريخ المكان مشيرا إلى عبث فى الحدود تم خلال فترات ما قبل عام 48 حيث حازت بريطانيا تلالا استراتيجية أدخلتها فى حدود فلسطين التاريخية.
ويمر أبوزايد عبر مراحل زمنية لتفهم أخيرا انك أمام انسان يعرف ان حق التعليم وحق الصحة وحق المياه بل وحق الحياه لاتزال عناوين على «لافتات» يتم تدارسها داخل قاعات مكيفة فى القاهرة «يا ولدى والله لما يمرض واحد من القرية ما بنعرف نلجى وين اقرب وحدة فى القصيمة ودائما خالية من الطبيب واللى معاه عملة بيوديه على العريش على بعد 100 كم».
التعليم ليس أحسن حالا فيقول لى أحدهم «المدرس بيغيب لانه لا توجد مواصلات توصله للمكان ولو وصل يكون راكبا مع الاغنام فى صندوق أى سيارة نصف نقل نحن نقدر المعلم ولكن برضه ولادنا ليهم حق فى التعليم».
لم يعلم أبوزايد ان هيئة المعونة الأمريكية فى عام 2010 دفعت للمحافظة نحو نصف مليون دولار لشراء تسع حافلات تخصص لنقل تلاميذ وسط سيناء للمدارس مجانا وبربع القيمة للمعلم بالتأكيد لم يرصدها أبوزايد لانها فعليا لا تصل فبإمكانك ان تشاهدها تنقل الركاب فى مدينة العريش أو تنقل زوار المحافظة أو داخل جراج ديوان المحافظة.
ننتقل إلى نبع عين القديرات لنكسر جفاف المكان وربما لتمتع عين باللون الأخضر النادر فى تلك المناطق حيث تتسلسل عين من أسفل جبل صخرى صلد لتمر فى قنوات تشكلت عبر الأزمان لتروى شجيرات الزيتون والخضراوات التى يقتات عليها أصحاب المكان نشرب من مائها وتمر فى مخيلتك جيوش وجياد وجمال مرت من هنا ومارست نفس الفعل وغادرت وبقى اجداد أبوزايد يسجلون مشاهد الزمن تحت علم مصر وفى الجوار جندى يعتمر سترات واقية من الرصاص داخل معدة من أحدث ما أخرجت ترسانة أمريكا ومستعمرات تعج بالحياة والخضرة تنتظر أمرا بالتحرك بعد أى خلل سياسى.