«السياق السياسى فى الفترة القادمة هو من سيحكم هل ستعود الطوارئ أم لا، وهل ستتوقف عملية التحامل المباشر بين القضاء العسكرى والمدنيين أم لا، الكثير يتوقف ليس على انتهاء الطوارئ بدون تجديدها رغم أهميته؛ لكن أيضا على ما سيحدث خلال الشهرين القادمين»، كان هذا تعليق مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، بهى الدين حسن، على قرار رفع حالة الطوارئ. وأشار حسن إلى أن قانون الطوارئ لم يكن مطبقا فعليا خلال السنة ونصف الماضية «ليس لأنه لم يكن هناك رغبة سياسية، لكن كانت المشكلة الكبرى والتى ما زالت موجودة هى إحالة المدنيين للقضاء العسكرى»، على حد قوله، مضيفا أنه «ليس من الواضح حتى بعد تسليم السلطة إذا تم فى ميعاده أن هذه المشكلة ستحل وبالتالى المعاناة الكبرى خلال العام ونصف منذ الثورة لم تكن بسبب الطوارئ لكن بسبب الإحالة للقضاء العسكرى».
وانتقد حسن مجلس الشعب الذى لم يتمكن من حل مشكلة إحالة المدنيين للقضاء العسكرى، معتبرا أنه «حدث تواطؤ وقبول لمبادئ المجلس العسكرى»، مطالبا بتناول هذه المسألة مرة أخرى من خلال البرلمان فى الفترة القادمة.
وفيما يتعلق بالآليات المرتبطة بقانون الطوارئ مثل محاكم أمن الدولة وغيرها، قال حسن «انتهاء الطوارئ يقضى آليا على عدد من الوسائل والآليات الأخرى، وبالتالى المحاكم المشكلة بمقتضى القانون تتوقف لأنه ليس لها أى سند قانونى ولا تحتاج قرارا خاصا فى هذا السياق».
من جانبها شددت منظمة «هيومن رايتس ووتش» فى بيان لها لمجلس الشعب، على ألا يكتفى بعدم تمديد القانون، «بل عليه أيضاً أن يُصدر تشريعاً بإنهاء جميع الإجراءات الاستثنائية التى لا تسقط من تلقاء ذاتها مع انتهاء العمل بموجب هذا القانون، وأن يطالب وزير الداخلية بالإفراج عن جميع المحتجزين على ذمة قانون الطوارئ، أو إحالتهم إلى النيابة لنسب اتهامات إليهم، مع مطالبة النائب العام بإحالة قضايا محكمة الطوارئ إلى المحاكم المدنية الطبيعية».
وقال، نائب المدير التنفيذى لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فى هيومن رايتس ووتش، جو ستورك، إنه «على البرلمان المصرى القضاء على مستقبل حالة الطوارئ تماماً، التى تعتبر من كبرى مظاهر دولة مبارك البوليسية. كما يجب أن يفتح البرلمان تحقيقاً شاملاً فى انتهاكات حقوق الإنسان الكثيرة التى شهدتها حقبة تفعيل قانون الطوارئ، وأن يعمل النائب العام على ملاحقة الأشخاص الأساسيين المسئولين عن التعذيب المنهجى والاختفاءات القسرية».
وطالب ستورك النائب العام بإحالة جميع قضايا محاكم أمن الدولة طوارئ إلى المحاكم الجنائية الطبيعية لمحاكمة المدعى عليهم فيها من جديد»، قائلا إنه «من غير المقبول استمرار محاكم فى مصر لا توفر أى حق للاستئناف، وهو من ضمانات المحاكمة العادلة الأساسية».
ورغم الوعود منذ مطلع عام 2011 بإنهاء حالة الطوارئ والإفراج عن المحتجزين بموجب قانون الطوارئ، فقد لجأ المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى استخدام سلطات القانون، وتحتجز وزارة الداخلية حاليا 188 شخصا على الأقل تحت طائلة قانون الطوارئ.
ويسمح قانون الطوارئ لمسئولى وزارة الداخلية باحتجاز الأفراد دون اتهامات أو إحالة للمحاكمة لأجل غير مسمى. وقد ثبت من حيث الممارسة عدم فاعلية المراجعة القضائية حسب نص القانون من قبل محاكم أمن الدولة، بما أن وزارة الداخلية لجأت على طول الخط إلى تجاهل أوامر المحاكم بالإفراج عن المحتجزين، بحسب المنظمة الدولية.
وأوصت هيومن رايتس ووتش بألا يتم إعلان حالة الطوارئ مجددا إلا «فى حال ظهور وضع طارئ يهدد حياة الأمة» وأن تقتصر حالة الطوارئ على النطاق الزمنى والمكانى المطلوب لمواجهة الموقفن مضيفة أن الحدود المفروضة على تدابير حماية حقوق الإنسان لابد أن تكون ضيقة وواضحة التعريف تماما، وأن تكون ضرورية ومتناسبة لأقصى حد، بالإضافة إلى خضوع حالة الطوارئ وأية إجراءات يجرى تبنيها أثناء سريان حالة الطوارئ للمراجعة القضائية، مع تمكين القضاة من إلغاء أية إجراءات غير متناسبة أو لم تعد مطلوبة لمواجهة الوضع الطارئ.
مدير المنظمة العربية للإصلاح الجنائى، محمد زارع، رغم ترحيبه بقرار إنهاء حالة الطوارئ، إلا أنه يشير إلى ضرورة معالجة الآثار السلبية التى ترتبت على أكثر من 30 عاما تحت ظل هذا القانون.
يقول زارع «المواطن نفسه تعوّد على حالة الطوارئ، فالشخص الذى يبلغ من العمر 40 سنة تعود أن يوقفه ضابط شرطة ويفتشه وينتهك خصوصيته، وربما يعتقله.. كل الآثار السلبية فى مخزون المواطن المصرى موجودة».
أما الأثر السلبى الثانى فيرى زارع أنه كان على ضباط الشرطة أنفسهم «نتيجة أنهم طوال الوقت يستسهلون العمل تحت الطوارئ، فإذا وجد شخصا مريبا لكن لا يملك عليه دليل، يستخدم الطوارئ لتوقيفه وتفتيشه، وبالتالى الضابط المتراخى أو من لا يقوم بعمله أو يعتمد على قانون الطوارئ هايتعب فى تطوير وسائل عمله.. لقد تخلصنا من القانون ولكن ليس بالضرورة التخلص من آثاره».
وطالب زارع من الدولة بالعمل على رفع وعى المواطنين بقانون الإجراءات الجنائية، وتثقيفهم بشأن حقوقهم وأنه ليس من حق أحد أن يوقفهم أو يفتشهم بدون سبب، وإعادة الثقة لهم مرة أخرى».
ورغم كل هذا يرى زارع أنه لا يجب التعويل على قانون الطوارئ «لأنه حتى عند تطبيقه لم يكن يطبق بشكل أمين، وكان يتم تجاوزه، فهناك ناس فى السجن منذ 20 سنة بسبب الطوارئ وليس 30 يوما كما يقول القانون».
وأشار إلى أن إنهاء قانون الطوارئ لابد أن يترتب عليه إلغاء كل المحاكم الاستثنائية المرتبطة به فورا، وإعادة محاكمة المحبوسين بناء على محاكم عسكرية أو طوارئ، أمام محاكم عادية.
ومن جانبها كانت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان قد طالب بقصر إعلان حالة الطوارئ على حالة الحرب الفعلية والكوارث العامة فقط، ولفترة محدودة، لا يتم تجديدها إلا بشروط دقيقة وتحت رقابة حقيقية وفعلية للسلطة التشريعية، والعودة إلى الشرعية الدستورية والقانون الطبيعى، بالإضافة إلى إلغاء جميع القوانين والمحاكم الاستثنائية مع توفير ضمانات استقلال السلطة القضائية، والحق فى المحاكمة العادلة والمنصفة، والإفراج عن جميع المعتقلين حاليا بموجب قانون الطوارئ ممن صدرت أوامر بإطلاق سراحهم.