فى انتخابات الرئاسة بعد الثورة، سجلت الصورة غيابا لمشاهد اعتادها الشعب المصرى تحت الحكم الرئاسى الاستفتائى على مدار نصف قرن. سبع سنوات فقط على أول انتخابات رئاسية تعددية شهدتها مصر فى 2005 ولو فى إطار شكلى، تغيرت فيها بعض من تلك المشاهد، وتغير العنوان من «الاستفتاء على الرئيس» ليصبح «انتخابات الرئيس»، لكن ظلت الصورة كما هى. اليوم وصبيحة اقتراع هو الأهم مُحيت من «صورة التنافس الرئاسى» لقطات كانت تخصم من تاريخ هذا البلد بالسلب.
غابت الدولة الداعمة لمرشحها، وسقطت الأرقام المنتفخة وتوارت عمليات التزوير، لكن بقيت بعض المشاهد تصدرتها الرشاوى الانتخابية قبل وأثناء التصويت، والبطاقة الدوارة. الصورة رغم ما تم حذفه من تفاصيل 60 عاما مضت فى حاجة إلى مزيد من الحذف.
مظاهرات تأييد للسادات قبل استفتاء 19
موكب عبدالناصر فى طريقه لاستفتاء1965
صناديق فارغة فى اللجنة تمتلئ قبل الفرز ناصر يدعم نفسه بنعم ومن بعده السادات مصرى يدلى بصوته فى الاستفتاء على السادات
1يوم تاريخى وتأييد 100%
«يوم تاريخى.. ووسط إقبال كاسح وغير مسبوق، زحفت جموع الشعب.. فى كل بقعة من بقاع مصر طوال أمس فى مظاهرة حب وعرفان، لتقول من القلب كلمتها فى الاستفتاء على ولاية جديدة للرئيس حسنى مبارك»، هذا ما كتبته صحيفة الأهرام يوم 27 سبتمبر 1999 تحت عنوان «إقبال جماهيرى كاسح لمبايعة مبارك. النتائج الأولية: أكثر من 90% من الناخبين قالوا نعم فى الاستفتاء ونسبة المشاركة تتجاوز ال90%».
التفاصيل لم تختلف كثيرا كانت جميعها تشيد بالرئيس الذى يدخل ولايته الرئاسية الرابعة وبدوره فى «تحقيق السلام والتنمية وبناء اقتصاد هو الأفضل بين اقتصاديات الشرق الأوسط»، والعهدة لا تزال على الجريدة اليومية التى أفردت كغيرها حينها على مدار أيام صفحات للحديث عن «فوزه» بأغلبية تتجاوز 93% وعن نسبة مشاركة تقترب من 80%. وربما كتب هذا العام نهاية هذه الأرقام «المتضخمة».
سنوات ست أخرى مرت ودخلت مصر عصر الانتخابات الرئاسية ونافس مبارك 9 شخصيات من الطامحين فى شغل مقعد الرئيس. لكن ظل المشهد الانتخابى إلى جانب شاغل المقعد الحالى. «مبارك يتقدم على منافسيه. والمؤشرات الأولية ترجح فوز مرشح الوطنى بفارق كبير فى انتخابات الرئاسة»، هكذا عنونت الأهرام يوم 9 سبتمبر 2005 بعد يومين من انطلاق الاقتراع. وفى اليوم التالى كانت النتيجة ودخل مبارك ولاية خامسة بعد أن «فاز بأغلبية 88.5%» فى انتخابات لم تتجاوز المشاركة فيها 23% وهى أقل نسبة مشاركة تسجلها السلطات الرسمية عبر 50 عاما.
لكن أرقام الاستفتاء بدأت لأول مرة مع اختيار جمال عبدالناصر رئيسا للمرة الثانية فى مارس 1965، أعقبه استفتاء أكتوبر 1970 لاختيار أنور السادات رئيسا بعد وفاة عبدالناصر ثم بعد ست سنوات فى سبتمبر 1976 لاختياره لفترة ثانية وسجل نسبة تأييد رسمية وصلت إلى 99.94%. فى حين افتتح مبارك عصر استفتاءاته الأربعة فى أكتوبر 1981 بعد اغتيال السادات بتأييد وصل 98.5% وظلت السمة الغالبة هى هذه الأرقام والنسب التى تشارف على 100% إلا قليلا. فلم يسجل الاستفتاء حول ولاية عبدالناصر سوى 65 معارضا ظلوا على حالهم فى الاستفتاء الثانى. وحتى سقوط مبارك من على عرشه ظل العنوان يتجدد «إقبال لم يسبق له مثيل فى تاريخ الانتخابات فى مصر».
2أجهزة الدولة: نعم للرئيس
مبارك واثق من ولاية جديدة
دشن عصر مبارك اللافتات الكبرى وشعارات التأييد وحملات المبايعة. أولها كان فى الاستفتاء الثانى على ولايته عام 1987 فظهرت لافتة «70 مليون مصرى يقولون نعم لمبارك». زفة التأييد ومبايعة الرئيس تم الزج فيها بأجهزة ومؤسسات الدولة كافة ثم توالت وتضخمت بعد أن انضم إليها رجال أعمال وأعضاء فى الحزب الوطنى كلما طالت سنوات مبارك فى الحكم.
ودأبت مديريات الأمن على التنبيه على أصحاب المقاهى والمحال والشركات لكتابة لافتات قماش تبايع وتؤيد مبارك لفترة رئاسية جديدة.
لكن السادات هو من افتتح فكرة التصويت من مسقط رأسه فى قرية ميت أبوالكوم بينما اختار مبارك أن ينتخب هو وأسرته من مدرسة مصر الجديدة النموذجية بعيدا عن قريته كفر مصيلحة بالمنوفية.
أجهزة الدولة كافة كانت فى خدمة الرئيس المرشح، خاصة الجهاز الأمنى. وارتبطت الصورة عبر سنوات بمشهد يعرضه التليفزيون الرسمى لوزير الداخلية النبوى إسماعيل واقفا ويخرج من جيبه ورقة يقرأ منها وعيناه تتنقل بينها وبين الرئيس السادات ليعلن نتيجة الاستفتاء تسعة وتسعين بالمائة وإلى يمينها عدة كسور. ليطق السادات مقولته الشهيرة «أشكر الذين قالوا نعم، وأشكر الذين قالوا لا».
3أتوبيس وضابط
نقل الصناديق أحد مفاتيح التزوير
تزوير النتائج وتضخيم الأرقام فى عصور سابقة قابلة للتزوير المباشر داخل اللجان فى عهد مبارك وأصبح هو عنوان المرحلة. فشهدت الانتخابات فى ظل سنوات حكمه التصويت الجماعى وحشد الناخبين من مقار عملهم فى المصانع والهيئات على اختلافها عبر أتوبيسات حكومية إلى اللجان الانتخابية. وهى عملية كانت تكتمل بتسويد البطاقات الانتخابية تحت بصر المشرفين على اللجان وفى ظل تواجد مكثف لضباط ومخبرى مباحث أمن دولة داخل لجان التصويت. وهؤلاء كانوا يحتفظون بمفاتيح الصناديق الانتخابية.
وكانت هذه العملية تكتمل بما يعرف بتقفيل الصناديق أى ملئها ببطاقات التصويت لكل المقيدين فى كشوف اللجنة والتوقيع إلى جانب أسمائهم فى الكشوف حتى لو لم يدلوا بأصواتهم. وكان يتم منع هؤلاء الناخبين من الوصول إلى اللجان وإن استدعى الأمر اللجوء إلى البلطجية المسلحين أو إلى قوات الأمن المركزى التى كانت تتعدى على الناخبين بالضرب أو عدم فتح أبواب اللجان من الأصل. وعندما تفشل كل هذه الإجراءات كان يتم تبديل الصناديق بعد انتهاء عملية الانتخاب بصناديق أخرى أثناء نقلها إلى مقر عملية الفرز وهناك لا مانع من منع مندوبى المرشحين من متابعة عمليات الفرز.
4رجال ونساء.. وبلطجية
بلطجية لمنع الناخبين من التصويت
قوات الأمن تمنع الناخبين من الوصول إلى مدخل اللجنة
وكما دشن مبارك عصر لافتات نعم فإليه أيضا يرجع فضل إدخال المسجلين خطر وأصحاب السوابق إلى المعادلة الانتخابية، تحديدا البرلمانية منها.
وكانت تتم الاستعانة بهم فى محاربة منافسيهم ومنع أنصارهم من الوصول إلى مقر اللجان الانتخابية فيقومون بترويع الناخبين والتعدى عليهم والتحرش بالسيدات وأحيانا يتفاقم الأمر ويؤدى لسقوط قتلى.
5يوم واحد يكفى
اشتباكات داخل اللجان
تفعيل الصناديق ببطاقات تم تسويدها
عبر سنوات حكمهم رفض رؤساء مصر فكرة إجراء الانتخابات على أكثر من يوم. وإن لم تصبح الفكرة ملحة إلا مع الانتخابات الرئاسية الأولى فى 2005. حينها أصر نظام مبارك على إجراء الاقتراع على يوم واحد رغم طلب نادى القضاة لعدم توافر أعداد كافية من القضاة للإشراف على عملية الانتخاب. قلة أعداد القضاة توازى مع غياب تام للمراقبة الدولية وإبعاد منظمات حقوق الإنسان من الرقابة والاكتفاء «بالإشراف».