فى 31 أكتوبر الماضى أعلنت الأممالمتحدة 2012 عاما دوليا للتعاونيات بهدف التوعية بدور التعاونيات فى تعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية والحد من الفقر وتوليد فرص العمل إلى جانب تسليط الضوء على نموذج العمل التعاونى باعتباره وسيلة بديلة لممارسة الأعمال تزاوج بين الإنتاجية والمسئولية الاجتماعية. وبحسب مصادر منظمة العمل الدولية فإن هناك نحو مليار من سكان العالم أعضاء فى الحركة التعاونية التى تجاوزت عائداتها فى السنوات الأخيرة نحو تريليون يورو وتتيح التعاونيات فرص عمل تزيد بنسبة 20% عما توفره الشركات متعددة الجنسيات وفقا لهذه المصادر.
ويتعاظم دور التعاونيان فى المجتمعات المتقدمة خاصة الرأسمالية مثل اليابان وألمانيا والولايات المتحدةوفرنسا وانجلترا وهولندا وفى بلد مثل سويسرا تعد التعاونيات الموفر الأساسى لفرص العمل حيث يساهم نصف السكان فى أشهر سلاسل سوق التجزئة وفى فرنسا يساهم نحو 35% من السكان فى الحركة التعاونية كما أن 75% من المنتجين الزراعيين ينتمون إلى مؤسسات تعاونية.
فى مصر ورغم مشاكل الفقر والبطالة تراجعت الحركة التعاونية التى نشأت فى مطلع القرن الماضى وتم تهميش دورها فى الاقتصاد خلال السنوات الثلاثين الأخيرة لصالح النموذج الاقتصادى الجديد الذى نشأ فى كنف النظام البائد الذى حابى القطاع الخاص الفردى ورفع شعار آليات العرض والطلب غير المصحوبة بآليات اجتماعية، وفى مؤتمر «التعاونيات على طريق الإصلاح والحوكمة الرشيدة» الذى نظمه مركز البحوث والدراسات الاقتصادية والمالية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية أشارت الدكتورة منال متولى مدير المركز إلى الدور الكبير الذى كانت تقوم به التعاونيات فى أوقات الأزمات والحروب كشبكة تنظيمية منتشرة جغرافيا فى جميع أنحاء مصر لإيصال مستلزمات الإنتاج للجمعيات التعاونية الزراعية وإيصال المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية للأعضاء مشيرة إلى توافر بنية مؤسسية وبشرية للحركة التعاونية من خلال خمسة اتحادات تعاونية هى الاتحاد التعاونى الإنتاجى والزراعى والاستهلاكى والإسكانى والثروة المائية.
وبحسب متولى فإن التعاونيات فى مصر تواجه العديد من التحديات أهمها تقلص دور الدولة فى مساندة التعاونيات وعدم إدراك دور التعاونيات كمنظمات أهلية فضلا عن التحديات المرتبطة بتوفير التمويل والإصلاح المؤسسى والتشريعات القائمة مؤكدة ضرورة استعادة دور الحركة التعاونية بعد الثورة باعتبارها حائط الدفاع الأخير عن المستهلك ضد الغلاء بعد ثورة 25 يناير.
«العمل التعاونى أسىء له قبل الثورة ولابد من بداية جديدة للحركة التعاونية مع الجمهورية الثانية التى نحاول إقامتها» يقول أحمد النجار رئيس الوحدة الاقتصادية بمركز الأهرام للدراسات الاقتصادية مطالبا برفع شعار «التعْوَنة» بدلا من الخصخصة وبضبط رقابة الدولة على التعاونيات التى يجب أن يكون لها دور قوى لحماية المستهلك فى مختلف المجالات خاصة قطاع الزراعة بهدف إنقاذ الفلاح والمستهلك على السواء من الوسطاء الذين يمثلون المستفيد الأول، وبحسب النجار فإن التعاونيات تجاهلت الصناعات الزراعية رغم الفاقد فى الخضر والفواكه الذى يصل إلى 40% فى حين يمكن للتعاونيات إنقاذ هذا الفاقد عن طريق التعبئة والتكييس.
وبينما يرى الدكتور أحمد عبدالظاهر رئيس الاتحاد العام للتعاونيات أن الأداء الحكومى بعد الثورة ما زال معوقا لحركة التعاونيات إلا أنه لا يعفى القيادات التعاونية أيضا من مسئولية تراجع أداء القطاع مشيرا إلى أن نجاح التعاونيات يتطلب وجود قيادات تعاونية فاعلة تخطط لحركتها وقال إنه تم تشكيل فريق عمل لوضع خطة طموحة لتنشيط جميع القطاعات التعاونية إلى جانب تعديل التشريعات الخاصة بالتعاونيات.
موقف حكومى واضح
يعدد الدكتور محمود منصور أستاذ الاقتصاد الزراعى بجامعة الأزهر المشاكل الحالية للحركة التعاونية مثل إلغاء الإعفاءات والمزايا التى كانت تتمتع بها التعاونيات وإصدار قانون البنك الرئيسى للتنمية والائتمان الزراعى، الذى أفقد التعاونيات أى دور حقيقى فى الزراعة المصرية وجعل البنك وفروعه أصحاب الاختصاص فيما كانت تقوم به التعاونيات من مهام ولكن على أسس تجارية، فضلا عن عدم الاستجابة لرغبات التعاونيين فى إصدار التشريعات المناسبة التى تضع الإطار التشريعى لانطلاقه تعاونية.
«يرى منصور ضرورة أن تعلن الدولة بوضوح موقفها من القطاع التعاونى ويجب أن يكون هناك اعتراف صريح بأهمية دور التعاونيات كشريك أساسى فى عملية التنمية، ويقترح أن يصدر عن الحزب الحاكم أو الحكومة أو القيادة السياسية «إعلان مبادئ» يوضح التزام الدولة بما جاء فى الدستور حول الملكية التعاونية والنشاط التعاونى بما يلزم كل المسئولين بتحويل هذه النصوص الدستورية إلى خطط عمل للحركة التعاونية ومناهجها فى مختلف قطاعات الاقتصاد والخدمات. على أن يؤيد هذا الأعتراف مواقف وإجراءات عملية تدعم هذا القطاع وأهمها إصدار التشريع التعاونى الموحد الذى يجب أن يعقبه إعادة بناء المنظمات التعاونية من القاعدة على أسس ديمقراطية سليمة متضمنة وصول قيادات تعاونية حقيقية إلى المراكز القيادية فى الحركة.
جماعات مصالح
يدعو الدكتور مدحت أيوب المدير العام لاتحاد التعاونيات لصياغة منهج استدعاء المجتمع للمشاركة فى التنمية من خلال التعاونيات لاستعادة دورها النشط الذى كانت عليه فى الخمسينيات والستينيات.
وبحسب «أيوب» فإن التعاونيات أصبحت أقرب لجماعات المصالح من التعاونيات الحقيقية ولم يعد لها دور ملموس وتعددت الحلقات الوسيطة بين الإنتاج والاستهلاك مما أدى إلى زيادة الأسعار كما أن الجمود التشريعى حال دون دخولها مشروعات كبرى مشيرا إلى أن الاتحاد التعاونى الزراعى لم يستطع الحصول على مشروعات زراعية فى السودان لأن التشريع الحالى يمنعه من ذلك ويرى أيوب ضرورة الفصل بين الإدارة والملكية ووضع الحركة التعاونية على طريق الحوكمة الرشيدة. «كنا نتمنى بيع شركة مصر للألبان وبسكو مصر إلى القطاع التعاونى وليس القطاع الخاص» هذا ما كان يأمله الدكتور حسن عبيد الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية مشيرا إلى ضرورة أن تقوم الدولة بدور فى فرض القطاع التعاونى كدور وفلسفة وانتقد عبيد قيام الدولة بإسناد إدارة ميناء السخنة إلى شركة موانئ دبى دون الشركات المصرية ولفت إلى أن الحكومة الفرنسية قامت بمنع شركة ليبون الكبرى من الدخول فى مناقصة إنشاء ميناء مرسيليا الجديد لإتاحة الفرصة أمام الكيانات التعاونية وقال إن 75% من الشعب الفرنسى أعضاء فى تعاونيات تخضع للرقابة التشريعية.
سرطان الثروة المائية
الاتحاد التعاونى للثروة المائية أحد الاتحادات التعاونية الخمسة وهو يمتلك 101 جمعية تعاونية و91 جمعية صيد و10 مشروعات استزراع سمكى وينتج القطاع نحو 97% من الإنتاج السمكى بحسب عوض مرزوق سكرتير عام الاتحاد مؤكدا تدهور البنية الأساسية للقطاع وهى المزارع والبحيرات بدلا من تطويرها حيث تآكلت مساحة بحيرة المنزلة من 750 ألف فدان إلى 115 ألفا عام 2006 كما تراجعت مساحة بحيرة البرلس من 165 ألف فدان إلى 100 ألف ومريوط من 49 ألفا إلى 15 ألفا مشيرا إلى أن التجفيف هو سرطان الثروة المائية مطالبا بضرورة تدارك واقع التعاونيات بعد الثورة.