يرى كتاب عن مستقبل التعليم في مصر أن الفرصة سانحة لتكريس نوع من التعليم يستهدف تحرير الإنسان بدلا من استئناسه كما كان يحدث في الفترة الماضية التي سادتها مناهج تعليمية قائمة على التلقين والخوف من ممارسة الحرية. ويشدد الكتاب على دور التعليم في تحرير وعي الإنسان وتنمية طاقاته كضرورة لبناء المجتمع الحر بعد "فترة النظام المباركي وحزبه الوطني خلال ثلاثين عاما من القهر والطغيان والخوف من ممارسة الحرية حتى قامت ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 لتحطم قلاع الخوف" بنجاحها في خلع الرئيس السابق حسني مبارك في فبراير شباط 2011.
ويقول الكتاب الذي ألفه شيخ التربويين المصريين حامد عمار وأستاذة التربية بجامعة عين شمس صفاء أحمد ان التعليم يوظف كقوة سياسية في يد السلطة حيث تحرص النظم القمعية على استمرار "ثقافة الصمت" التي يقوم فيها المدرس بدور السلطة والطالب بدور المذعن وتغيب في هذه المعادلة امكانية التساؤل والمشاركة انطلاقا من أن المعرفة قابلة للشك والمراجعة والتجديد.
ويرى المؤلفان أن "تحرير الإنسان" يحتاج إلى تعليم مغاير يساعد على تنمية ثقافة المقاومة لا ثقافة الصمت "ولا بد للثقافة الجديدة من الخلاص من الاتجاهات اللاانسانية لدى القاهر والمقهور... الى القبلة الديمقراطية" بعيدا عن أسلوب التلقين الذي يعتبره الكتاب أكبر عقبة أمام تأسيس تعليم ديمقراطي في مجتمع ديمقراطي...ويضيف أن "خطيئة التفكير أفضل ألف مرة ومرة من براءة اللاتفكير."
وحمل الكتاب عنوان (المرشد الامين لتعليم البنات والبنين في القرن الحادي والعشرين) في تذكرة برائد النهضة التعليمية والترجمة في العصر الحديث بمصر رفاعة الطهطاوي (1801- 1873) الذي عاد من فرنسا بمشروع طموح لتحديث البلاد وأسس مدرسة الالسن وأصدر كتبا منها (المرشد الامين في تربية البنات والبنين).
والكتاب الذي أصدرته (الدار المصرية اللبنانية) في القاهرة يقع في 400 صفحة كبيرة القطع ويضم فصولا منها (رؤية لمقومات التعليم الانسانية والاجتماعية) و(مؤسسات التعليم وقواعدها وبيئاتها) و(مؤسسات البحث العلمي) و(الاوجاع المزمنة في كيان التعليم) و(معالم التلاقح بين الثقافة والتعليم) و(ثلاثية الابعاد في تطوير التعليم).
ويقول الكتاب إن مسيرة التعليم في البلاد منذ العصر الملكي قبل ثورة 1952 وصولا الى نهاية عهد مبارك في العام الماضي شهدت كثيرا من الاضطراب وان "الامل معقود على أن تستكمل ثورة 25 يناير 2011 مسيرتها الشاقة متسلحة بتلك المبادئ الى استكمال أهدافها وغاياتها" في بناء مجتمع ديمقراطي.
وتوجد في مصر أربعة أنواع من التعليم منها ديني/أزهري ومدني ينقسم الى حكومي عام وحكومي تجريبي يدرس العلوم بلغة أجنبية اضافة الى مدارس خاصة عربية وأجنبية. وأدخلت الجامعات في السنوات الاخيرة الى جانب التعليم العادي تعليما متميزا بلغات أجنبية وبنفقات مالية مرتفعة اضافة الى وجود جامعات خاصة كمشاريع استثمارية وجامعات أجنبية.
ويرى المؤلفان أن من شروط الديمقراطية تحقق العدالة الاجتماعية التي يترتب عليها تكافؤ العدالة التعليمية والحق في الالتحاق بالتعليم والاستمرار فيه والارتقاء بالخدمات التعليمية ونتائج الامتحانات في الشهادات العامة وتكافؤ الفرص في سوق العمل بعد التخرج.
ويشدد على أن "التعليم المتمثل في المدارس الاجنبية والتعليم المتميز ذي المصروفات العالية يمثل اختراقا واضحا لتكافؤ الفرص التعليمية وتعارضا حقيقيا للعدل التربوي والعدالة الاجتماعية" داعيا الى اعادة النظر في السياسات التعليمية ضمانا للتماسك الاجتماعي بدلا من تحول المجتمع الى جزر معزولة.
ويسجل أن نسبة الفقراء في مصر تبلغ نحو 40 بالمئة من السكان وتزيد على ذلك في المناطق الريفية بالوجه القبلي.
ويقدم الكتاب مقارنات ذات دلالة منها الخريطة الزمنية للعام الدراسي في التعليم قبل الجامعي والذي يبلغ في مصر 180 يوما "في أحسن التقديرات" فيما يصل عدد أيام العمل الفعلي في مدارس اليابان الى 243 يوما كاملا. وفي ماليزيا وسنغافورة وكوريا الجنوبية ومعظم دول أمريكا الجنوبية يصل الى 220 يوما.