قتل 52 شخصا في أعمال عنف في سوريا، اليوم الثلاثاء، رغم الإعلان الروسي السوري من موسكو، عن بدء تنفيذ السلطات السورية خطة الموفد الدولي الخاص، كوفي عنان، من أجل السلام والشروع في سحب الآليات من الشارع. وفيما شككت عواصم غربية ومعارضون بإعلان دمشق الالتزام بخطة السلام، أقر مبعوث الأممالمتحدة وجامعة الدول العربية، كوفي عنان، بأن الجيش السوري "ينسحب من بعض المناطق في سوريا، ولكنه يدخل مناطق أخرى لم تكن مستهدفة"، مضيفًا أن العنف في سوريا يجب أن يتوقف "من دون شروط مسبقة". كما قال عنان في رسالة: "إن القوات السورية النظامية انسحبت من بعض المدن قبل مهلة 10 أبريل، إلا أنها تستهدف مواقع جديدة"، وقال: "إن على الأسد أن يغير نهجه بشكل جذري؛ لتحقيق وقف إطلاق النار".
وتنص خطة عنان على سحب القوات النظامية والآليات من المدن السورية، اعتبارًا من 10 أبريل، على أن تبدأ فترة 48 ساعة أخرى يحصل في نهايتها وقف كامل لجميع أشكال العنف من جميع الأطراف. كما تقضي بالسماح بدخول المساعدات الإنسانية ووسائل الإعلام إلى سوريا وبإطلاق المعتقلين على خلفية الأحداث الجارية، منذ منتصف مارس 2011.
وأعلنت موسكو الثلاثاء، أن وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، أبلغها أن دمشق بدأت تطبيق خطة وقف العنف، وأنها بدأت سحب قسم من الجيش من حمص إلى الثكنات. وكان المعلم أعلن أن بلاده قامت "بسحب بعض وحدات الجيش من بعض المحافظات، وسمحنا لأكثر من 28 محطة إعلامية بالدخول إلى سوريا، واستقبلنا رئيس لجنة الصليب الأحمر الدولي ووصلنا إلى تفاهمات في شأن استقبال المساعدات وإيصالها إلى المحتاجين... وتم الإفراج عن عدد من المعتقلين".
وأشار إلى أن "وقف العنف المستدام يجب أن يكون متزامنا مع وصول بعثة المراقبين الدوليين" الذين تنيط بهم خطة عنان مهمة مراقبة وقف إطلاق النار. وعلى الأثر، طالب رئيس المجلس الوطني السوري المعارض، برهان غليون، كل الأطراف الدولية باتخاذ "الإجراءات اللازمة لوقف فوري للقتل" في سوريا و"إجبار النظام" على تنفيذ تعهداته.
وقال غليون في مؤتمر صحافي، في إسطنبول: "لا يمكن للمجلس الوطني بوصفه الممثل الشرعي للشعب السوري، أن يقبل بأن يحول النظام مبادرة"عنان" إلى رخصة جديدة للقتل. ولا ينبغي للمجتمع الدولي ولمنظمة الأممالمتحدة أن يتحولا إلى شهود زور على نظام جعل من الخداع والكذب والمراوغة سياسة ومنهج عمل لعقود طويلة".
على الأرض، أعلنت القيادة المشتركة للجيش السوري الحر في الداخل، أن "لا ثقة" لها بالنظام. وقال المتحدث باسمها، العقيد الركن قاسم سعد الدين: "لا نتوقع أن يسحب النظام آلياته أو أن يوقف القتل، لكن نحن ملتزمون بالمهلة التي حددها المبعوث الدولي كوفي عنان".
وأشار إلى أنه يهمل النظام السوري مهلة 48 ساعة لوقف القصف وسحب الآليات تحت طائلة استئناف العمليات الهجومية ضد قواته. في باريس، أكدت وزارة الخارجية الفرنسية، أن سوريا لم تبدأ تنفيذ خطة أنان، واصفة تصريحات النظام السوري بأنها "تعبير جديد عن كذب فاضح وغير مقبول".
وقال وزير الخارجية البريطاني، وليام هيغ، إنه لم تصدر عن سوريا أية مؤشرات على نيتها تنفيذ التزامها بتطبيق خطة وقف العنف في سوريا، متهمًا النظام السوري بتصعيد الهجمات ضد المعارضة. وأكد البيت الأبيض أن مجلس الأمن الدولي سيتصرف حيال سوريا إذا استخلص المبعوث الدولي أن نظام دمشق لم يحترم تعهداته بوقف إطلاق النار. في نيويورك، قال سفراء الاتحاد الأوروبي في الأممالمتحدة: "إن سوريا لم تلتزم بتطبيق خطة مبعوث الأممالمتحدة والجامعة العربية كوفي، وأنه يجب التفكير بتطبيق إجراءات دولية".
وقال السفير الألماني في الأممالمتحدة، بيتر ويتيغ: "إن الرئيس السوري بشار الأسد لم يلتزم بخطة أنان، بل كثف العنف وانتهاكات حقوق الإنسان"، مضيفا أن الأسد يمارس "ألعابا تكتيكية" مع المجتمع الدولي. في المقابل، دعا وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الموفد الدولي كوفي أنان خلال محادثة هاتفية معه إلى تكثيف الضغط على المعارضة السورية، بحسب ما أعلنت وزارة الخارجية الروسية. وجاءت الحصيلة الضخمة للضحايا في سوريا الثلاثاء، لتؤكد الانطباع السائد بعدم تحقيق أي تقدم على صعيد وقف العنف.
فقد قتل 52 شخصًا؛ هم 28 مدنيا و19 عنصرًا من القوات النظامية وخمسة منشقين في عمليات قصف وإطلاق نار ومداهمات، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان. وقتل سبعة مدنيين في قصف وإطلاق نار في حي الخالدية، الذي تعرض لقصف عنيف منذ الصباح، إلى جانب أحياء أخرى في حمص (وسط) القديمة، وحي باب تدمر في المدينة.
وفي محافظة حماة (وسط)، قتل سبعة أشخاص في بلدة كفرزيتا؛ بينهم ثلاثة داخل منزل تم إحراقه وأربعة في إطلاق رصاص. كما أفادت لجان التنسيق المحلية عن انسحاب جزئي لجيش النظام من بلدة اللطامنة التي قتل فيها الاثنين 35 شخصًا. وعمدت القوات النظامية اليوم إلى هدم عدد من المنازل فيها أو إحراقها، بحسب اللجان.
وفي محافظة درعا (جنوب)، قتل أربعة مواطنين في إطلاق نار واشتباكات قرب قرية طفس، بحسب المرصد. في محافظة حلب (شمال)، قتل طفل برصاص عشوائي في بلدة الأتارب، وسبعة أشخاص في بلدة مارع التي تعرضت لقصف عنيف منذ الصباح.
وذكرت لجان التنسيق، أن "حشودا عسكرية كبيرة مكونة من العديد من الدبابات والآليات العسكرية المختلفة، تتجه نحو مدينة أعزاز في حلب". في محافظة دير الزور (شرق)، قتل مواطن في إطلاق نار في حي الجورة، في مدينة الزور، بحسب المرصد.
في ريف دمشق، قتل مواطن في مدينة حرستا خلال عمليات مداهمة، بحثًا عن مطلوبين للسلطات السورية. وقتل خمسة عناصر من المجموعات المسلحة المنشقة خلال اشتباكات في محافظة درعا وريف حمص وريف حماة وريف حلب.
وسقط 11 عنصرا من القوات النظامية السورية في هجمات على حواجز لهم فجرا في مرقدة ومسعدة في محافظة الحسكة (شمال شرق)، وخمسة جنود خلال اشتباكات في ريف حلب، وثلاثة عناصر من قوات الأمن لدى استهداف سيارة أمنية في أعزاز في محافظة حلب. من جهة ثانية، ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن "السلطات السورية اعتقلت عشرات الجنود السوريين غالبيتهم من الأكراد أثناء محاولتهم الفرار إلى الأراضي العراقية" الثلاثاء، مشيرًا إلى نقلهم إلى مدينة القامشلي في محافظة الحسكة، ثم "في حافلتين إلى جهة مجهولة".
وعبر المرصد عن الخشية "من قيام السلطات السورية بإعدام هؤلاء الجنود ميدانيا من دون أية محاكمات مثلما حصل مع حالات أخرى وثقها المرصد"، مشيرًا إلى "كل ما قام به هؤلاء لا يتعدى رفضهم المشاركة بقتل أبناء شعبهم". وشهدت مناطق سورية عدة اليوم تظاهرات رفعت خلالها لافتات، تصف النظام ب"الكذاب"، وتطالب بوقف إعطائه المهل.
وزار كوفي أنان، الثلاثاء، مخيمًا للاجئين السوريين على الحدود بين تركيا وسوريا؛ حيث استقبله مئات اللاجئين الذين حملوا أعلام "سوريا الجديدة" ورفعوا لافتة، كتب عليها "الأسد+روسيا=مجزرة".
وأحيطت زيارة أنان بإجراءات أمنية مشددة بعد إصابة ستة سوريين في إطلاق نار من القوات النظامية على الأراضي التركية، الاثنين. واعتبر رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، أن إطلاق النار من الجانب السوري على مخيم للاجئين في تركيا يشكل "انتهاكا واضحا" للحدود، مؤكدا أن بلاده "ستتخذ الإجراءات اللازمة"، و"ستستخدم كل حقوقها بموجب القانون الدولي".
وتسبب إطلاق نار من الجانب السوري، في اتجاه الحدود اللبنانية، أمس الاثنين، إلى مقتل المصور الصحافي، علي شعبان، من تلفزيون «الجديد» اللبناني. وبعد تركيا، وصل عنان مساء اليوم إلى إيران (حليفة دمشق)، ليبحث سبل حل الأزمة السورية، بينما أعلن أردوغان أنه سيتوجه الجمعة إلى السعودية؛ للبحث في الملف السوري.