ربما يكون الحزن الشفيف هو الشعور الأكبر الذي ينتاب قراء أعمال الشاعر الفلسطيني غسان زقطان، من نصوصه الممتدة عبر عشر مجموعات شعرية، والمكتوبة في معظمها بإحساس شديد بالفقد والخسارة، والمشغولة في الوقت ذاته بأداء يقيها من الوقوع أسيرة الندب والرثاء. وذلك وفقا لما قاله طارق عبدالواحد بالجزيرة.نت. وكأن زقطان يكتب قصائده عن بعد كاف للتأمل والتدخل الوديع، الذي يحميها من جرعات الحزن الزائدة، إذ يرى الشاعر والمترجم الأمريكي الفلسطيني فادي جودة أن زقطان "لا يعمل على كتابة الشعر منطلقا من ورقة بيضاء، وإنما يذهب إلى تأثيثها بتقشير ما تراكم عليها من الاعتياد".
وهو بهذا الفهم، عمل على تقديم الترجمة الإنجليزية لمجموعة زقطان "كطائر من القش يتبعني" مع قصائد أخرى، صدرت مؤخرا عن مطبوعات "جامعة ييل" الأمريكية.
ومن المتوقع أن يلاقي الكتاب ترحيبا مميزا في الأوساط الأدبية والأكاديمية الأمريكية، فهو يقدم إضافة مهمة، وضرورية لاسيما وأن الترجمات من العربية إلى الإنجليزية ما تزال في حدها الأدنى.
وفي هذا السياق، يصف جودة الأدب الفلسطيني "بالأدب المظلوم مقارنة بالأدبين البولندي والإيرلندي اللذين يحتويان، على غرار الأدب الفلسطيني، تجارب الشعبين المأساوية".
كما تقدم قصائد زقطان على المستوى الأدبي التاريخي، مفاتيح جديدة لمقاربة المسألة الفلسطينية، حيث الهوس والاشتغال على عناصر الهوية الفلسطينية، في بعديها الوطني والوجودي، من دون الإطاحة بالجماليات الشعرية أو المغامرة بتقانات الشكل الفني أو إرجائها.
قصائد هدية
ونصوص زقطان، المولود في بيت جالا سنة 1954، وفقا للكاتب الأمريكي كول سوينسن "تمد اللغة الإنجليزية بحساسيات جديدة" من حيث كونها "قصائد تلتحم بلا هوادة بتفاصيل الحياة اليومية وتقدمها بطريقة يكون فيها الترف، بعد كل شيء، هو السرد المتماسك والقوي للتاريخ".
ومن فضائل الترجمة، أنها تتيح تقييم الإنتاجات وأصحابها خارج الحسابات التي باتت تحكم الأوساط الأدبية والفنية، كالشللية والشخصانية، في كثير من الأحيان. لكن غسان زقطان -ووفق ما كتب جودة في مقدمة الترجمة- لاقى ترحيبا مميزا منذ نشر مجموعته "بطولة الأشياء" (1988) من قبل الكثير من الشعراء الفلسطينيين والعرب.
ويذهب الشاعر والناقد الأمريكي لورانس جوزيف إلى أبعد من ذلك، حين يكتب قائلا "زقطان ليس واحدا من أهم الشعراء الفلسطينيين الأحياء فحسب، بل هو واحد من أهم شعراء عصرنا. إنه يجسد بطرق متطورة وبأشكال عالمية تعبيرات عن أعماق المشاعر والتعقيد والتعاطف والشهادة (على الحياة) تخرج عن حسابات المقارنة"، ويضيف أن "هذه الترجمة، لمجموعة غنية من قصائد زقطان التي اختارها وقدمها جودة ببراعة، هي هدية".
ويشبه الشاعر الأوكراني إليا كامينسكي زقطان ب"شاعر يوغسلافيا العظيم فاكسو بوبا، الذي عايش العنف في بلاده، ولكن كتب عن الزمن المشتهى لشعبه"، لكن بالطبع من دون أن يتجاهل موضوع المنفى الذي "سيكون مزدوجا في حالة كون الشاعر فلسطينيا. لكن أهمية عمل زقطان تكمن في أن الكثافة الغنائية تضمر وتعلن في الوقت نفسه الأبعاد الملحمية لهذه المسألة" وفق الشاعر والمترجم بيير جوريس.
يُذكر أن جودة قام بترجمة عدد من أعمال الشاعر محمود درويش في كتابين، هما "لو كنت (شخصا) آخر" و"أثر الفراشة". ونال عنهما جوائز في أمريكا وبريطانيا، كما فاز بمسابقة الشعراء الشباب والتي تقيمها "جامعة ييل" عام 2007، عن ديوانه "الأرض في العليّة".