لم يكد الوسط السياسي المصري يفيق من أزمة اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور الجديد، والتي حازت جماعة الإخوان المسلمين بحزبها السياسي "الحرية والعدالة" على أغلبية تمثيلها داخل اللجنة كتيار موحد، بل وأصبح الدكتور الكتاتني رئيس مجلس الشعب رئيسا للجنة تأسيس الدستور، حتى دخل المصريون في أزمة أخرى بسبب قرار الجماعة ترشيح نائب المرشد خيرت الشاطر في انتخابات الرئاسة المزمع إجراؤها في مايو المقبل، الأمر الذي اعتبره معظم السياسيين خروجا على وعود الجماعة بأنها لن تنافس على الرئاسة في هذه المرحلة، وفي المقابل اعتبره قانونيون حقا سياسيا أصيلا للجماعة وحزبها السياسي في المشاركة وأن "السياسة لا تعرف الوعود". وفيما انشغل معظم الحركات السياسية التي لم تحصل على نصيب من كعكة البرلمان بل جرى تهميشها داخل لجنة الدستور والذي يعتبره البعض متعمدا "لمجرد مشاركتهم في الثورة"، دفع الإخوان المسلمون بالشاطر، ليدخل السباق الرئاسي، ما أعقبه انتقادات للجماعة ومناشدات من داخل شباب الإخوان أنفسهم للتراجع عن القرار، الأمر الذي قوبل بدفاع شديد عن الموقف الذي اتخذته الجماعة، وتأكيد الدكتور محمد مرسي تمسك حزبه بمبدأ المشاركة لا المغالبة.
فقد صرح الدكتور محمود غزلان الناطق الرسمي باسم الجماعة بأن ترشيح الشاطر عن حزب الحرية والعدالة جاء من أجل المصريين، وتلبية لمطالبهم، وأنه لا سبيل للجماعة إلا الاستجابة لمطالب الشعب الذي يمثلونه في البرلمان، لافتا إلى أنه لا بد من تحسين أوضاع الشعب المادية، وأن جماعته بحزبها السياسي ذو الأغلبية في البرلمان رأت أنه لا بد أن يكون لها يد في السلطة التنفيذية، الأمر الذي دفعها لطلب تشكيل الحكومة وتم رفضه من قبل المجلس العسكري، وأنه لم يعد أمام الجماعة سوى اللجوء إلى السلطة التنفيذية من خلال رئاسة الجمهورية، مشيرا إلى أن مرشح الحرية والعدالة الذي تم التوافق عليه لديه رؤية لنهضة مصر بعد تطهيرها من بقايا وفلول النظام السابق.
على الجانب الآخر أوضح الدكتور أحمد كمال أبو المجد أن نكوص الإخوان المسلمين عن موقفهم في قضية المشاركة في انتخابات الرئاسة بمثابة انتحار سياسي للجماعة، وأنه سيضر مصداقية الجماعة وذراعها السياسي المتمثل في حزب الحرية والعدالة لدى الشارع.
وأكد أبو المجد أن ترشيح الشاطر أربك الصورة وسيدعو كل المرشحين الرئاسيين لإعادة حساباتهم، معتبرا أن هناك مشكلة في الجماعة وانشقاقات في شبابها تتضح في التصويت بفارق ضئيل لصالح ترشيح الشاطر، حيث أيده 56 عضوا بمجلس شورى الجماعة فيما اعترض عليه 52 عضوًا آخرين.
فيما وصفت "جبهة دستور لكل المصريين" ترشيح جماعة الإخوان المسلمين للمهندس خيرت الشاطر لرئاسة الجمهورية بأنه "انقلاب كامل على ثورة الشعب وخيانة صريحة لحلم المصريين في الحرية لأنه إعادة لإنتاج الزواج غير الشرعي بين الثروة والسلطة بمباركة من الولاياتالمتحدةالأمريكية والدول الخليجية التابعة لها"، على حد تعبير الجبهة.
أما جبهة التغيير السلمي فاعتبرت أن ترشيح الشاطر "محض صفقة مفضوحة بين الإخوان والعسكر"، فيما قال سياسيون آخرون أن ترشيح الشاطر غير قانوني لأنه لم يصدر بحقه قرار "رد اعتبار" حتى الآن، مما يطعن في أحقيته في الترشح.
يأتي ذلك في ظل اعتراض الكنيسة الأرثوذكسية على تشكيل لجنة الدستور ذات الأغلبية الإسلامية، معلنة انسحابها من الجمعية التأسيسية للدستور، وذلك في بيان أصدره المجلس الملي مساء أمس الأحد، جاء فيه أن موقف الكنيسة جاء تماشيا مع نبض الشارع المصري، وتضامنا مع موقف القوى الوطنية والأزهر الشريف، وأنه لا يجب استحواذ تيار بعينه على لجنة إعداد الدستور، الذي يجب أن يكون بالتوافق الوطني وليس بالأغلبية البرلمانية.