أثارت حزمة التعديلات الضريبية التى قدمها وزير المالية البريطانى، جورج اوزبورن، فى موازنة العام الجديد، جدلا بريطانيا واسعا، بين خبراء اعتبروها ارتدادا للسياسات غير الاجتماعية لرئيسة الوزراء البريطانية مارجريت تاتشر، فى ظل تخفيض الضرائب على الاغنياء وتقليل بعض المزايا الاجتماعية للأقل دخلا، فيما رحب رجال الأعمال بالسياسات البريطانية الجديدة. التعديلات الضريبية التى قدمتها الحكومة تشمل خفض ضريبة الشركات إلى 24% فى أبريل المقبل، ثم إلى 22% عام 2014 لتصبح واحدة من أقل ضرائب الشركات فى الدول الصناعية الغربية. كما سيتم تخفيض الحد الأقصى لضريبة أصحاب الدخل المرتفع من 50% إلى 45%، وفى المقابل ستتم زيادة ضرائب المبيعات على عقارات الأثرياء.
وتعد بريطانيا أحد أبرز الدول المتضررة من الأزمة المالية، حيث يقدر معدل نمو ناتجها الإجمالى فى عام 2011 ب1.1%، وبلغ معدل البطالة فى نفس العام 7.9%، وجاءت التخفيضات الضريبية بهدف تنشيط النمو الاقتصادى للخروج من حالة الركود الحالية، حيث ذكر تقرير لصحيفة الاندبندنت، أن اوزبورن يعتقد أن الحد الأقصى لضريبة الدخل «يبعث رسالة للاستثمار بأن بريطانيا معادية للبيزنس»، نظرا لارتفاع مستواه مقارنة بالعديد من الدول المنافسة، الا ان التقرير ذاته أشار إلى جسامة تلك الخطوة التى قام بها وزير المالية فى تخفيض سقف ضريبة الدخل بقوله «قبل شهر من الآن لم يكن معظم النواب المحافظين بالبرلمان ليصدقوا أن اوزبورن سيتجرأ على تخفيض الحد الأقصى للضريبة عند 50%».
ويتضح من الكتابات المنتقدة لازبورن ما تمثله التعديلات الضريبية من ارتداد عن الفلسفة الاجتماعية للاقتصاد البريطانى، وتحميل الطبقات الأفقر اعباء الأزمة الاقتصادية الحالية، حيث علقت الكاتبة الصحفية بالجارديان، بولى توينبى، على الموازنة الجديدة بأنها تسعى للإعادة احياء النموذج الاقتصادى لمارجريت تاتشر، المعروف بتوجهاته غير الاجتماعية ولكن بطريقة أكثر «غباء»، نظرا إلى أن تاتشر اتجهت إلى تطبيق سياساتها التحررية فى وقت النمو الاقتصادى وليس فى ظل ضغوط اجتماعية كتلك التى تواجهها البلاد حاليا.
وانتقدت توينبى تبرير تخفيض سقف ضريبة الدخل بأنه يقلل من معدلات التهرب الضريبية «هذه رسالة إلى هؤلاء الذين يغشون فى الضرائب بأنه بدلا من أن نطلب لكم الشرطة سنقوم بتعديل القوانين لنجعل جرائمكم شرعية». مشيرة إلى أن إحدى الدراسات قدرت المستوى الملائم لسقف الضريبة عند 48% «بينما يسعى اوزبورن لتخفيضها إلى 45% ويعد بتراجعها إلى 40% لاحقا».
وعلق مقال آخر بنفس الصحيفة، لتوم كلارك، بأن «القطط السمان تلعق شفاها، وآخرون يلعقون جراحهم»، مشيرا إلى الآثار السلبية للموازنة الجديدة على الشرائح الأدنى اجتماعيا، خاصة فى مجال الانتقاص من بعض المزايا الخاصة بمستحقى المعاشات، واعتبرت الدايلى ميل أن أوزبورن يمد يده فى «جيوب دافعى المعاشات».
وفى المقابل أبدى جون لونجورث، مدير الغرفة التجارية البريطانية، رضاءه عن السياسات المالية لأوزبورن فى تصريحات للتليجراف «رجال الأعمال سيرحبون بالتخلص من معدلات ضريبية تثبط الاستثمار».
وقال خبير للتليجراف إنه بعد تخفيض سقف ضريبة الدخل، إلى 45%، ستظل معدلات الضرائب البريطانية أعلى من ثلثى دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية.