فى حالة من الصمت التام، وبدموع محبوسة، وقفت أم إسلام بجوار قبر ابنها المدفون فى قرية الخامسة بالمنصورة، تتذكر يوم عودته شهيدا من بورسعيد. مشهد وداعه لها ذلك اليوم، بقبلة على يدها، وحضن، وعبارة قالتها بشكل معتاد «خلى بالك من نفسك»، اختلط فى ذهنها مع يوم عيد الأم الماضى، بقبلة أخرى على يدها وصوت إسلام يقول «أنا بحبك أوى يا أمى».
«كان نفسى تبقى معايا النهاردة يا إسلام»، بصوت مخنوق همست الأم الحزينة، وهى تقترب من حائط المدفن كمن تهمس فى أذنه.
فى الصباح حملت أم إسلام إفطارها وقررت بحماس أن تقضى يومها مع ابنها، وصاحبتها فى الطريق أسئلة الجيران الذين لم يروها تخرج مقبلة ومبتسمة منذ وفاة إسلام، «على فين يا أم الشهيد؟»، وبابتسامة حزينة أجابت «النهاردة عيد الأم».
إسلام الذى لقى ربه بعد أن أكمل عامه السادس عشر، كان الابن الوحيد لوالديه، «كان دائما يقولى أنا شاطر فى المدرسة وبنجح علشانك يا أمى، لكن الحمدلله ابنى راح فى سبيل الله، وهو بإذن الله شهيد».
مواساة الجيران تخفف عنها آلامها بعض الشئ، لكن عدة مناسبات تكون الأصعب على أم إسلام، من بينها عيد الأم، «كل سنة من وهو صغير ييجى يبوس إيدى ويقولى أنا بحبك يا أمى، وحشتنى منه أوى».
تضيف وهى تروى ذكريات إسلام، «على قد ما كان صغير لكن كان بيشتغل اى حاجة علشان يساعدنى، كان كل عيد ام يجيبلى هدية، والسنة اللى فاتت جبلى طرحة ومصحف، كانت هديته عندى بالدنيا، كان راجل من صغره».
تدخل أم إسلام فى نوبة من البكاء كلما تذكرت مشاهده معها، لكنها تعود لتلتقط أنفاسها، «اللهم لا اعتراض، لكن أنا فعلا مش قادرة أصدق، نفسى أعرف ليه قتلوه، ليه أخدوه منى وإزاى يسيبوهم؟».
عيد الأم الحزين هذا العام مر عليها دون ابن أو هدية، إلا أنها تعتبر أن القصاص العادل هو أغلى هدية تقدمها لها مصر، بعد أن خطفت أيادى البلطجية ابنها منها، «مش هتنازل إن اللى قتل ابنى يتقتل، وهى دى هتبقى هديتى السنة دى».