أكد المحقق فى التراث المصرى عبد العزيز جمال الدين، أن الثورة تمثل الإيقاع الثابت فى تاريخ مصر وأن ثقافة الثورة متأصلة لدى المصري، حيث يسعى دائما لتحسين أحواله الاجتماعية ومواجهة الظلم أو مواجهة استعمار، مشيرا إلى أن المصريين طوال تاريخهم لم يتوقفوا عن الثورة ضد الظلم والاضطهاد . وأوضح الكاتب، أن المصريين واعون جدا عندما يثورون فهم يدركون متى يتوقفون عندما تكون المواجهة بينهم وبين الدولة فهم لا يقبلون سقوط الدولة وعندما تشتد المواجهة من منظور القوة، فإنهم يبدأون فى البحث عن طريق بديل للاستمرارية فى ثورتهم مثل العصيان المدني .
وأضاف الكاتب أن أشكال المقاومة لدى المصريين تتنوع بين العنف والفن والأدب، مشيرا إلى أن رسامى الجرافتيى المصريين حاليا اتجهوا إلى رسم القصص المرسومة على المعابد الفرعونية للتعبير عن آرائهم حول ما يجرى فى البلاد حاليا، وهو ما يؤكد استمرارية الثقافة المصرية ووحدتها على مر العصور .
وشبه عبد العزيز جمال الدين المصريين بالنيل الذى يفيض فى مواسم ثم يهدأ وعندما تواجهه عقبات فإنه يلتف حولها ليستمر فى طريقه، مشيرا إلى أن المصريين لم يتوقفوا مثلا عن المطالبة بوضع دستور حقيقى للبلاد منذ ثورة 1919 وحتى ثورة 25 يناير 2011 .
وأكد الكاتب عبد العزيز جمال الدين أن ثورة 25 يناير 2011 كان لها فضل كبير فى نشر كتابه "ثورات المصريين حتى عصر المقريزى"، مشيرا إلى أنه بالرغم من تحقيقه هذا الكتاب منذ فترة ليست بالقصيرة، إلا أنه لم يجد ناشرا له حتى قيام ثورة يناير عندما تذكر الناشرون أن لديه هذا الكتاب وطلبوا منه نشره .
وأوضح الكاتب أن مؤلفه ليس سردا للثورات التى شهدتها مصر منذ عهد البطالمة وحتى عصر المقريزى فقط، ولكنه يحاول أن يصف بدقة الأوضاع الإدارية والإقتصادية التى سادت فى البلاد خلال تلك الفترة حتى يستطيع القارىء فهم أسباب كل ثورة وبالتالى فإن الكتاب يتناول تاريخ مصر ككل فى تلك الفترة بما فى ذلك صراعات الحكام .
وعن السبب فى أن كتابه بدأ منذ العهد البطلمى على الرغم من وجود ثورات فى العصر الفرعوني، أوضح عبد العزيز جمال الدين أن الثورات أيام الفراعنة لم تكن ثورات كبرى وإنما حركات إحتجاجية، بالإضافة إلى عدم وجود توثيق دقيق لهذه الثورات.
وقال عبد العزيز جمال الدين إنه لاحظ أثناء تحقيقه للكتاب أن منطقة شمال الدلتا كانت دائما ما تشهد بداية الثورات المصرية وعادة ما تشهد أشد الصدامات أثناء الثورات.
وأشار الكاتب إلى أنه اهتم فى مؤلفه بالاختلافات بين اللغة المصرية واللغة العربية كشكل من أشكال المقاومة الثقافية التى تبناها المصريون حتى يومنا هذا، موضحا أن المصريين استطاعوا تصدير ثقافتهم ودياناتهم إلى الديانات السماوية الثلاث وكتبوا لغتهم الخاصة بالأحرف العربية .
وأضاف عبد العزيز جمال الدين أن سبب انتشار اللغة المصرية فى أنحاء المنطقة العربية ليس انتشار السينما المصرية فى ستينيات القرن الماضى كما يدعى البعض وإن كان ذلك عاملا مساعدا، إلا أن المصريين نشروا لغتهم قبل ذلك بكثير، حيث إنهم يعملون على "غربلة" المنطقة علميا باستمرار منذ إنشاء مكتبة الإسكندرية فى عهد الإغريق، حتى أن اليونانيين أنفسهم تأثروا باللغة المصرية، ومنهم الشاعر "كفافيس" كان يكتب باليونانية الديموطيقية المتأثرة باللغة المصرية القديمة .كما لعب الأزهر دورا كبيرا فى نشر اللغة المصرية حيث يستقبل آلاف الطلاب من أنحاء العالم يأتون إلى مصر ويتعايشون مع أهلها .
واعتبر عبد العزيز جمال الدين أنه من الخطأ القول إن المصريين يتحدثون العربية، حيث أن المصريين يتحدثون المصرية والتى دخلت عليها ألفاظ عربية، مشيرا إلى أن المصريين غيروا صوتيات هذه الألفاظ مثل تحويل كلمة "ببغاء" إلى "بغبغان" كما قام المصريون بالاختيار بين المترادفات، حيث استخدموا الكلمات التى يسهل عن طريقها اشتقاق كلمات أخرى .
وأضاف أن اللغة المصرية مليئة بألفاظ فرنسية وانجليزية وايطالية واسبانية وفارسية وتركية انصهرت مع غيرها من الألفاظ العربية والفرعونية فى بوتقة واحدة .
وحول ما ذكره فى الكتاب عن حقائق الفتح العربي لمصر، والذى اعتبره غزوا ومقاومة المصريين للعرب وموقف التيار الإسلامى الذى صعد لصدر الحياة السياسية فى مصر بعد ثورة 25 يناير 2011 من هذه المقولات، قال عبد العزيز جمال الدين إنه غير عابىء برأيهم، حيث إن ما ذكره فى كتابه هو ما قاله منذ قرون مؤرخ مصرى مسلم هو المقريزى فإذا ارادوا محاسبة أحد فليحاسبوا المقريزى.
وأشار إلى أنهم إذا أثاروا مشكلة حول ذلك فإن ذلك سيكون دليلا على أنهم غير مطلعين على كتابات العلماء السابقين. وأشار عبد العزيز جمال الدين إلى أن مشكلة الإسلاميين فى مصر أنهم ليس لديهم القدرة على الفصل بين كون الشخص مصرى ومسلم .
وصدر كتاب "ثورات المصريين حتى عصر المقريزى" عن دار نشر "الثقافة الجديدة" فى 311 صفحة من القطع المتوسط، ويبدأ بمحاولة رصد الطبيعة الثورية للمصرى ونذر المقاومة لدى المصريين بدء من العصر البطلمى قبل أن يبدأ فى تناول ثورات المصريين ضد البطالمة ثم ضد الرومان.
كما يتحدث الكتاب عن إضطهاد الرومان للمصريين المسيحيين و "غزو العرب لمصر" وحقيقة القوات التى جاءت مع عمرو بن العاص و "مقاومة المصريين المسلحة للعرب وثوراتهم ضد المحتل العربي".
كما يوضح الكتاب الأساليب التى اتبعها المصريون لمقاومة المحتل ثقافيا بدء من اللغة ووصولا إلى تأثير المعتقدات الدينية المصرية القديمة على الديانات السماوية الثلاث .