"التواصل مع الألمان ... تاريخ المجابهات الأنجلو - ألمانية" كتاب جديد لفيليب اولترمان يمتدح فيه العقلانية الألمانية المعاصرة رغم كل المرارات والمواجهات التى شهدتها العلاقات بين الانجليز والألمان وصنعت موروثا من التاريخ المرير . ومع أن هذا النوع من الكتب قد يشوبه الجفاف المنفر للقارىء، فإن فيليب اولترمان نجح فى صياغة كتاب مشوق إلى حد كبير بقدر ما سعى لمحاولة بناءة ليتعرف البريطانيون والألمان على بعضهم البعض بصورة أفضل بعيدا عن مرارات التاريخ والشيطنة المتبادلة .
ولعل المعلق سيمون ويندر لم يجانبه الصواب عندما ذهب فى صحيفة "جارديان" إلى أن هذا الكتاب يشكل إسهاما ايجابيا على طريق تجاوز التصورات المسبقة وأنماط التفكير الجاهزة والتمحور حول تاريخ من البغضاء بدلا من محاولة التواصل الايجابى بما يخدم تعرف كل شعب على الآخر بعيدا عن التحيزات والقوالب السابقة الإعداد .
والكتاب الذى يأتى بعد نحو قرن من المواجهة الدامية بين البريطانيين والألمان فى الحرب العالمية الأولى يعيد الاعتبار للحقائق الموضوعية التى أهدرت تحت سنابك حروب الكراهية والدعاية المضادة لكل ماهو ألماني، وهى حروب لم تتورع عن استخدام الفن السابع مثلما يتجلى فى فيلم "حصان الحرب" الذى عمد لتنميط كل الألمان فى قالب واحد ككائنات فظة وبشر بلا قلوب.
وفى المقابل، فإن الألمان ينظرون للانجليز فى ظل التصورات النمطية والقوالب الجاهزة للتفكير وميراث البغضاء كأناس متعجرفين ويخفون قسوتهم مع غيرهم من البشر بالتظاهر باللطف مع الحيوانات .
وعمد فيليب اولترمان ، فى كتابه الجديد، لمزيج مشوق من الذكريات والتحليلات والحقائق دون أن يغفل التنافس التقليدى بين الانجليز والألمان والذى انتقل لمجالات الرياضة وتصميمات السيارات بدلا من الحروب الدموية .ولعل اولترمان من القلة التى يمكنها الكتابة جيدا فى هذا الموضوع الشائك بميراث البغضاء ومرارات التاريخ لأنه شب عن الطوق فى مدينة هامبورج الألمانية ثم جاء مع والديه إلى بريطانيا ليتخذها مستقرا وموطنا منذ باكورة شبابه.
وها هو يتوسل لهدفه عبر سبل عدة من بينها التأثير المتبادل بين الشعبين فى الفنون وحتى مسلسلات الكوميديا المتلفزة دون أن ينسى الحديث عن تجربته الذاتية كنصف ألمانى ونصف بريطانى وكأنه يجسد حلم اللقاء الموعود بين الانجليز والألمان بعيدا عن مجابهات النار والدم. ويعقد المؤلف فى كتابه مقارنات طريفة بين النكت فى تراث الشعبين واختلاف المهارات الصناعية وإعجاب الألمان البالغ بالكاتب والشاعر الانجليزى الأعظم شكسبير .
وفى سياق تآملاته الفلسفية بين ألمانيا وبريطانيا، يتوقف فيليب اولترمان مليا عند الفيلسوف الألمانى ثيودور ادورنو الذى اشتهر بدراساته فى الفن والمجتمع الرأسمالى وهاجر إلى بريطانيا ثم الولاياتالمتحدة بعد صعود الحكم النازى غير أنه عاد لألمانيا بعد اندحار الهتلرية ليواصل التدريس ويستكمل مسيرته الفلسفية كرائد من رواد "مدرسة فرانكفورت" الشهيرة فى العلوم الاجتماعية .